كتب السياسي اللبناني دافيد عيسى:
الازمة بين لبنان والسعودية ودول خليجية أخرى جاءت في الوقت غير المناسب لأن لبنان غارق في أزمات متلاحقة ولا تنقصه أزمة جديدة تفاقم في وضعه وتزيده تأزماً وتدهوراً. وهذه الازمة جاءت ايضاً في سياق غير مناسب ولا يتفق مع العلاقة التاريخية الوطيدة التي تربط لبنان مع دول الخليج. فما بين لبنان والسعودية من وشائج وروابط خاصة ومميزة وتاريخية يجعل ان العلاقات عصية على أي خلافات مهما كانت طبيعتها وحجمها، وأن أي خلاف يجب ان يخضع سريعاً للتطويق والاحتواء.
ففي العلاقات السعودية - اللبنانية، الاتفاق والوئام والحوار والتعاون هو القاعدة. أما الخلاف والتشنج والانقطاع فهو استثناء نادر الحصول. ولذلك فإن الأزمة التي تفجرت بين لبنان والسعودية شكلت مفاجأة مؤسفة وداهمت الحكومة التي ما زالت تتلمس خطواتها الأولى ووضعت الجميع لاسيما من هم في موقع المسؤولية ومعنيون مباشرة في موقف محرج وصعب. ومن بين هؤلاء لا بل من أبرزهم رئيس تيار المردة سليمان فرنجية لمجرد انه المرجعية السياسية لوزير الاعلام جورج قرداحي الذي كانت تصريحاته شرارة الازمة المستجدة، والذي يمثل فرنجية في الحكومة طالما اننا ما زلنا في نظام "المحاصصة السياسية والطائفية".
كثيرون توقعوا وانتظروا "اللاموقف" من سليمان فرنجية وانه سيلوذ بالصمت وينكفئ الى الظل بانتظار انتهاء "العاصفة" وأن حسابات واعتبارات رئاسية تتعلق بمعركة رئاسة الجمهورية التي باتت على الأبواب، ستدفع به الى أن "يحسبها جيداً" حتى لا يخسر فرصة سانحة. ولكن فرنجيه فاجأ هؤلاء بأنه لم يتردد ولم يتأخر في الادلاء بموقفه الذي جاء متناسباً مع كونه "رجل" مبدأ ووفاء... الوفاء في ان يكون ملتزماً ومخلصاً لأصدقائه ومؤيديه، لا يتخلى عنهم ولا يدير ظهره لهم عند أول مفترق وشدة. ولهذا يحبه الناس ويحترمه الحلفاء والخصوم بمعزل عن سياسته إذا كنت تؤيده أم لا ام إذا كانت على خطأ أم صواب...
لم يكن من المستغرب ان يقف سليمان فرنجية مع جورج قرداحي وأن لا يتركه لمصيره، ففرنجية يعتبر ان الرجل كان يعبر عن موقف شخصي قبل أن يصبح وزيرا،ً كما يعتبر ان القرداحي يصبح عرضة للمساءلة والمحاسبة السياسية من اللحظة التي أصبح فيها وزيراً ومسؤولاً عن كل كلمة يقولها وكل فعل يقوم به. كما يعتبر ان استقالته تصبح مطروحة ومطلوبة إذا كانت الثمن لتصحيح مسار العلاقات اللبنانية - السعودية وإخراجها من الازمة. ولكن العلاقات خرجت عن مسارها الصحيح منذ سنوات والازمة كانت قبل قرداحي وتستمر بعده إذا لم يعد تصويبها على أسس واضحة وثابتة وعبر حوار صريح وهادف بين بيروت والرياض، من هنا فهو لا يضغط على قرداحي كي يستقيل ولا يضغط عليه كي يبقى.
لكن فرنجية بالمقابل متمسك بالعلاقة الجيدة مع السعودية وهو وفي لهذه العلاقة التاريخية التي بناها الأجداد والآباء ويتوارثها الأبناء والاحفاد ويحرصون على حفظها وصيانتها وحمايتها من أي سوء أو إساءة، وهو فخور بالعلاقة التي تربط الملك الحالي بوالده الراحل.
فقد ظل فرنجية مقدراً ومخلصاً لهذه العلاقة حتى في عز احتدام التوترات والمشاكل من السعودية وأقرب حلفائه في سوريا ولبنان. كما ان السعودية حرصت على هذه العلاقة التي ترقى الى عقود مع عائلة فرنجية وتمييزه عن سائر حلفائه الذين هم خصومها. وهذا ما ظهر جلياً في انتخابات رئاسة الجمهورية الأخيرة (عام 2016) عندما لم تعترض على التسوية التي كانت ستوصل فرنجية الى قصر بعبدا لتعترض لاحقاً على التسوية التي أوصلت العماد ميشال عون.
في حياته السياسية واجه فرنجية الكثير من المطبات والتحديات والاختبارات الصعبة والاوقات العصيبة. قد يكون الامتحان الحالي هو الادق والاصعب وقد يكون فرنجية امام المهمة الأصعب والمحفوفة بروح المخاطرة والمغامرة السياسية لأن الامر يتطلب البحث عن طريق بناءة للتوفيق بين "المبادئ" الزغرتاوية والمصالح اللبنانية والعلاقات الخارجية لاسيما الدول العربية والخليجية، ولأن هذا "الامتحان-التحدي" يحصل عشية انتخابات رئاسية مفصلية، فرنجية عنوان رئيسي فيها والمتربصون به كثر...
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك