أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مقر المجلس، وألقى خطبة الجمعة التي قال فيها: "لقد تناولنا في خطبة الجمعة الاسبوع الماضي الحديث حول الآية الشريفة (إنا عرضنا الامانة على السماوات والارض والجبال فأبين ان يحملنها وحملها الانسان إنه كان ظلوما جهولا)، وقلنا أن المقصود بالامانة هي الولاية الالهية وقد ورد الحديث عن أبي جعفر عليه السلام انه قال: بني الاسلام على خمس: على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية، ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية)، تأكيدا على اهميتها وانها الاساس مع الاهمية لسائر الاركان العبادية الاخرى والتي هي من ضرورات الدين، ويكفي في الدلالة على ذلك التعبير عنها بانها ركن من اركان الاسلام بل أهم اركانه، وهو ما ينسجم مع الاية المباركة والتعبير عنها بالامانة وان تكون محل هذا الاهتمام الكبير من الله تعالى والاستحقاق ببيان ثقلها، مما اخرج السماوات والارض والجبال تعبيرا عن عجز الكون عن حملها، كما قلنا في السابق لبيان اهمية النعمة التي انعمها الله تعالى على الانسان من القابليات التي يصغر دونها كل هذا الكون وما فيه من عظمة التكوين والخلق والابداع التي تستحق من هذا المخلوق، ان يقدر هذه النعمة وان يكون امينا على حملها والقيام بما يقتضيه هذا الالتزام، ولكنه سبحانه وتعالى أخبر بما سيكون عليه أمر هذا المخلوق من خيانة هذا الالتزام وعدم تقدير هذه النعم التي خص بها من هذه القابليات، فظلم نفسه بتصرفه مع هذه النعم تصرف الجاهل بوجودها (إنه كان ظلوما جهولا)".
أضاف: "أستطيع القول جازما أن سوء التصرف هذا من الانسان وعدم حفظه لهذه الامانة الالهية، هي منبع الشر في حياة البشرية كلها من اسخدام العنف وارتكاب كل الخطايا واستباحة المحرمات واستحكام الظلم وشيوعه وافتقاد العدالة والاستقرار والامن، انما كان وسيبقى لهذا السبب الى ان يظهر الله تعالى وليه القائم بالقسط ويحقق الامن الشامل والاستقرار الكامل على هذه الارض تحقيقا لوعده الذي لن يخلفه، ونحن جميعا شهود على هذه النتائج الكارثية التي آلت اليها الامور على كل المستويات والمآسي الانسانية التي أصابت البشرية في كل العصور، بعضها شهود عيان وبعضها سجلها لنا التاريخ وحكته لنا الاثار الماضية، وحديث سلمان وغيره يؤكد لنا هذا المعنى فقد ورد عن سلمان: والذي نفس سلمان بيده، لو وليتموها عليا لأكلتم من فوقكم ومن تحت أقدامكم، ولو دعوتم الطير لأجابتكم في جو السماء، ولو دعوتم الحيتان لأتتكم من البحار، ولما عال ولي الله ولا طاش لكم سهم من فرائض الله ولا اختلف اثنان، ولكن أبيتم فوليتموها غيره فأبشروا بالبلاء)، والذي يؤكد هذا المعنى تخصيصه تعالى الامانة بهذا الامر".
وتابع: "الخلاصة التي نريد الوصول اليها هي اهمية هذا الموقع وخطره في حياة الامم ومصائرها، فهو اما ان يأخذ بأيديها الى النعيم واما ان يأخذ بها الى الجحيم، وهي تصير من جحيم الى اخرى ويتكرر هذا في حياتها وتحاول تفسير ذلك وتبريره بنظريات شتى شأن القادر الذي يأخذه الشعور بالقوة الى الظلم والقهر ان يعطي لتصرفه المبرر الذي يقنع ضحيته بأن هذه هي سنة الحياة لتتقبل الذبح وترضى بالمصير المحتوم كما اراده. وكم كانت الامثلة متعددة في حياة البشر التي قدمها الانبياء والاولياء والصالحون، التي اثبتت العكس من هذه القاعدة التي اريد جعلها مكرسة في الاذهان، وان قوة الحق هي اقوى من كل قوة أخرى مدعاة، وأن الباطل مهما بلغ من القوة وامتلك من وسائل يبقى ضعيفا امام قوة الحق".
وقال: "هذا بشكل مبدئي لا بمعنى انه قابل للخرق والاستثناء بل هي قاعدة ثابتة بشكل مطلق، ولكن اهل الحق انما يكتب لهم الانتصار طالما تمسكوا به وانتصروا له، فإذا ما خذلوه كتبت لهم الهزيمة، وهذا ما يجب الالتفات اليه وان يفرق بين هزيمة اهل الحق وهو امر ممكن حينما يتخلون عنه ويتراجعون وبين انتصار الحق، فالحق غير قابل للهزيمة إطلاقا، وهذا ما يقرره تعالى في قوله عز وجل (وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا)، ولقد كانت تجارب العرب في المواجهة مع العدو الصيوني مؤكدة لذلك حيث كانت قضيتنا دائما محقة، ولم يكن العرب ولا المسلمون ولا اللبنانيون يمارسون العدوان في مقاومتهم للعدو الاسرائيلي، وانما يواجهون العدوان، ولكنهم هزموا مع احقية قضيتهم مع الامكانيات التي يملكونها والتي كنا نفتقدها وما زلنا نحن في لبنان نفتقدها، ومع ذلك حققنا ما عجز عنه المسلمون والعرب، وسجلنا للتاريخ انموذجا من البطولات في التحدي والانتصار، ما أفقد صواب القوى العالمية المعادية، وما ذلك إلا لان اهل الحق اوجدوا شروط النصر بالاتكال على الله تعالى، وتمسكوا بحقهم واثبتوا في المواجهة استعدادهم للتضحية وقدموا الشهداء بلا حساب على هذا الطريق، ولم يرعبهم ان العدو الذي يمتلك من القوة التسليحية والمادية ما لا يمتلكون بل لا مقايسة بينها، فنجحنا حيث اخفقوا اعتمادا وايمانا بوعده تعالى (وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم) (يا ايها الذين آمنوا ان تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم)، فالمعادلة في النصر والهزيمة هي هي لا تختلف مع اختلاف الزمان والمكان ومع اختلاف الاقوام يقول الله تعالى (ألا تنصروه فقد نصره الله) و(الا تنفروا يعذبكم عذابا اليما ويستبدل قوما غيركم ولن تضروه شيئا)".
أضاف: "لقد خضنا هذه المواجهة وكنا لا نمتلك شيئا يذكر ولم تختلف الظروف المعادية والحرب النفسية التي تعرضنا لها، بل كانت أشد واقسى مما يخاض ضدنا اليوم، ولم نكن نمتلك التجربة التي نمتلكها اليوم واستطعنا بالتوكل على الله ان نحقق لأول مرة في تاريخنا كعرب ومسلمين هذه الانتصارات بعد سلسلة الهزائم والخيبات التاريخية امام جحافل الغرب، فهل نخضع اليوم لهذه البروباغندا التي يحاول العدو وعملاؤه الترويج لها بإدارة حرب نفسية يجند لها ماكينته الاعلامية الضخمة والاقلام المأجورة والالسنة التي تلوك الكذب والافتراء لتخويفنا وارهابنا مما ينتظرنا من الحصار والتجويع".
وتابع: "اذا كان البعض من الخفافيش ممن امتهن القتل وزرع الفتن والعمالة للعدو ويعمل على التقاط الفرص ظنا منه انه قادر على ايقاف الزمن والعود به الى الوراء، فهو يمارس الخيانة في حق وطنه وشعبه ولن يستطيع ايقاف المسيرة التي لن تتوقف قبل ان تصل الى اهدافها وعلى رأسها حماية لبنان والحفاظ على سيادته ووحدة ارضه وشعبه، واسقاط مشاريع التقسيم والفدرلة وتحقيق مشروع الامام الصدر ببناء دولة المواطنة والعدالة، وهنا نعيد التأكيد من جديد على عدم المراهنة على انقلاب الموازيين اعتمادا على ما تعدهم شياطينهم، فإن يفعلوا فإنهم لا محالة خاسرون، وقد قال تعالى: (ان كيد الشيطان كان ضعيفا) وليتعلموا من دروس الماضي فإن تجارب الحرب الاهلية منهم ليست ببعيدة وقد وعدتهم شياطينهم بالوعود الكاذبة ولكن كانت مواعيد عرقوب اخاه بيثرب (يعدهم الشيطان وما يعدهم الشيطان الا غرورا)".
ودعا "الجميع الى العودة الى رحاب الوطن، ومن يضع العصي في الدواليب كما يقال الى الاقلاع عن ذلك وترك اللعب بمصير الوطن والتدخل السياسي في القضاء واستخدامه للوصول الى تحقيق اغراض غير نظيفة ولمصالح غير وطنية، والتي ادت حتى الآن فقط الى توقف الحكومة عن القيام بمسؤولياتها الوطنية في لجم التدهور ووضع اسس الخروج من المآزق التي وقع البلد بها للتخفيف من اعباء المواطنين، ونحن نحض سائر المرجعيات الدينية في البلد للتعاون والمساعدة في ايجاد الاجواء الوطنية التي تمنع العابثين بامن الوطن والمواطن والوقوف معا في وجه مثيري الفتن والقلاقل الامنية، وكما نطالب بالعمل على تصحيح سير العدالة وكشف المجرمين والمتسببين والمرتكبين لجريمتي تفجير المرفأ والطيونة والانتصار للشهداء والجرحى واهاليهم بما يتوافق مع الوظيفة الدينية التي حملناها لتحقيق العدالة والانتصار للمظلومين، وان نكون اداة استقرار وامن للبنانيين جميعا، فإنها مسؤولية لا تتجزأ واذا تجزأت كانت ظلما وعنصرية وافتراء، فالدين واحد في اصوله ومنطلقاته وكل ظلم وافتراء فهو منه براء".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك