جاء في "المركزية":
قبل زيارة وفد المفوضية الاوروبية الى بيروت، لم تكن الأضواء قد سلطت ما فيه الكفاية على حجم الازمة القائمة بين بيلاروسيا وجاراتها في دول الاتحاد الأوروبي جراء ازمة الهجرة غير الشرعية وتداعياتها على علاقاتها مع روسيا التي تدعم مينسك في المواجهة المفتوحة على شتى الاحتمالات. فالحملة الديبلوماسية التي قادها الاتحاد الاوروبي من اجل "تجفيف منابع" الهجرة غير الشرعية من منطقة الشرق الأوسط، كشفت الكثير مما كان يجري هناك وسط تدابير عسكرية اتخذتها جيوش المنطقة ما ينذر بمواجهة محتملة ان ارتكب أحدهم "دعسة ناقصة".
وكشفت مصادر ديبلوماسية مطلعة لـ "المركزية" ان تقارير ومعلومات وصلت قبل أسابيع قليلة الى وزارة الخارجية والمغتربين تتحدث عن شكوى بولندية تلتها شكاوى عدة من جاراتها من دول الإتحاد الاوروبي تطالب لبنان بموقف حازم من موجة الهجرة غير الشرعية التي انطلقت من كل من لبنان وسوريا والعراق ودول أخرى تستخدم مينسك ومطارات بيلاروسية كمحطة وسيطة ومؤقتة لها قبل الانتشار المنظم في دول الإتحاد الأوروبي بطريقة غير شرعية من دون إغفال استخدام البعض منهم مطارات تركية.
تحركت وزارة الخارجية على الفور، واستعانت في استقصاء المعلومات بالمديرية العامة للامن العام واجهزة مطار بيروت الدولي من اجل التثبت من هذه الشكوى. فتبلغت ان هناك موجة سفر واسعة باتجاه مينسك. وبعد ان كانت بمعدل طائرة واحدة اسبوعيا اضطرت الشركات الى تنظيم ثانية بين أسبوع وآخر مقابل اقلاع طائرة واحدة من دمشق اسبوعيا الى الدولة عينها وهو ما أثار استغرابا لحجم عمليات السفر. ولكن ما اصطدمت به الوزارة انها عمليات شرعية مستوفية لكل الشروط الدولية والمسافرون يملكون تأشيرات شرعية وتذاكر سفر قانونية ولا يمكن لأي جهاز امني ان يحد منها او يوقفها لمجرد انها كثيفة بغض النظر عن مصير المسافرين الى الدولة التي لم يعرف انها سوق عمالة كبير لاستقطاب هذا الحجم من الزوار او لجهة انتقالهم الى دولة ثالثة.
وبعد المراجعات تبين للمراجع الديبلوماسية اللبنانية ان هناك عمليات منظمة شكلت بيلاروسيا فيها محطة يمضي المهاجرون فيها ما بين 50 او ستين يوما قبل ان ينتشروا في دولة ثالثة في عمليات تهريب منظمة للأشخاص باتجاه الحدود البولندية ومنها الى باقي دول الإتحاد الأوروبي. وهو ما دفع بلبنان الى الطلب من هذه الدول أصحاب الشكوى الى اتخاذ التدابير التي تضمن وقف هذه العمليات عبر الحدود مع بيلاروسيا. فلبنان لا يمكنه لجم مثل هذه الظاهرة والحد من حرية السفر القانوني والشرعي سواء باتجاه بيلاروسيا او تركيا، وان المشكلة ليست في هذه الدول ولا في سوريا ولا في العراق ويمكن معالجتها مع السلطات البيلاروسية او التركية.
وامام اصرار دول الاتحاد على التنسيق في الخطوات الدولية، استقبل لبنان وفد المنظمة الاوروبية محملا بالتقارير والوثائق التي تثبت ما يجري هناك وتأثيراته على دولهم في مرحلة تعاني منها بالإضافة الى كلفة هذه الهجرة من تداعيات جائحة الكورونا. وتزامنت الزيارة مع حملة ديبلوماسية اوروبية اطلقت في المنطقة رافقتها تحركات عسكرية مقلقة على حدود تلك الدول أيقظت موجات التوتر القائمة بين بيلاروسيا وجاراتها وخصوصا بولندا التي نشرت لواءين من جيشها على الحدود معها للحد من عمليات الهجرة المنظمة والتي تسببت باعتداءات تعرضت لها مجموعات من المهاجرين دخلوا البلاد خلسة.
والأخطر ان هذه الاحداث لم تقتصر على الحدود البولندية، فالتدابير المتخذة ترافقت مع مناورات لدول انسلخت عن الاتحاد السوفياتي السابق انضمت إلى الحلف الأطلسي مع وحدات اميركية واخرى من اوروبية وتركزت في المناطق المحيطة بالبحر الأسود المواجهة للحدود الروسية حيث سجلت أكثر من مواجهة بين الطائرات الروسية واخرى من تلك التي شاركت في المناورات بعدما خرقت الاجواء الاقليمية الروسية ومن بينها المواجهة الجوية الروسية - البريطانية التي كادت تتسبب قبل ايام بحادث امني خطير فوق البحر الأسود.
وعلى هامش هذه التطورات المقلقة، التي يمكن ان تتسبب بحرب او مواجهات محدودة لالف سبب وسبب، كشفت التقارير الديبلوماسية ان ما يجري على طول الحدود الروسية والبيلاروسية قد يؤدي الى صدام في لحظة. ففي مواجهة مناورات الاطلسي بدأت قوات مشتركة من وحدات المظليين في الدولتين مناوراتها قرب الحدود البولندية وعززت موسكو من تحركات قواتها بمختلف انواع الاسلحة الثقيلة على الحدود الأوكرانية وجزيرة القرم وعلى ضفاف البحر الاسود لجهة جاراتها. على خلفية ما اعتبره وزير الدفاع الروسي عند وصفه للأنشطة الأميركية العسكرية في البحر الأسود بأنها "عدوانية وتهدد استقرار المنطقة".
وعلى هذه الخلفيات، كشفت المعلومات المتداولة ان زيارة الوفد الى بيروت تأكدت من سلامة التدابير اللبنانية المتخذة ولم يتقدم الجانب الأوروبي بطلب اي تدبير طبق مع دول اخرى بعدما منعت بيلاروسيا دخول العراقيين والسوريين واليمنيين عبر المطارات التركية فقط بناء لطلب انقرة بعد محادثاتها الاخيرة مع موسكو. وهو ما ردت عليه الخارجية العراقية بإيقاف رحلات الطيران المباشر بين العراق وبيلاروسيا وسحب رخصة قنصلها في بغداد وانهاء مهامه فيما لم تسجل اي ردات فعل في بيروت او دمشق.
وانطلاقا مما تقدم، فان لبنان شدد في محادثاته مع الوفد الأوروبي على اهمية السعي الدولي لاعادة النازحين السوريين الى بلادهم، حيث توسعت المناطق الآمنة مؤكدا انه لن يوفر جهدا في ضبط معابره الجوية والبحرية للحد من الهجرة غير الشرعية ولجم مخاطرها على الدول الاوروبية وذلك بحصر الرحلات إلى بيلاروسيا بواحدة أسبوعيا. كما حذر اللبنانيون الوفد الاوروبي من موجات منظمة اتقنتها بعض الدول من قبل، لابتزاز الغرب كما فعلت تركيا من قبل باتجاه اليونان ودول شمال المتوسط، ونالت مليارات من الدولارات لقاء لجمها وقد تكون مينسك على الطريق عينها. وهو ما أكدت عليه الدول الغربية التي اتهمت عبر منصة الأمم المتحدة بيلاروسيا بـ"استغلال منظم" لأزمة المهاجرين.
ولا تتجاهل المراجع الديبلوماسية عند مواكبتها لهذه الاحداث ان تكون موسكو خلف إجراءات مينسك في قراراتها تجاه جارتها ودول الاتحاد. فالخلافات بشأن خط الغاز في المنطقة يثير القلاقل وليس هناك ما يمنع من توصيف المواجهة التي تقودها روسيا من الخلف من البوابة البيلاروسية - البولندية بما يؤدي الى النقاش حول ملف الغاز فتكون الحرب بمظاهرها العسكرية غطاء لحرب اقتصادية ونفطية لم تنته المفاوضات بشأنها الى ما يرضي الروس والدول المؤيدة لها المستفيدة من خط الغاز في المنطقة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك