كتب لؤي فلحة في "الأخبار":
يضحك طوني طويلاً حين يستقبله البعض بعبارة «أهلا حكيمنا». يردّ مصحّحاً وساخراً: «حاشا قيمتكم يا جماعة، أنا طبيب بيطري». اعتاد طوني مصادفة بعض المواقف الغريبة أثناء عمله، مثلما اعتاد سؤالاً لازمه منذ بدء تخصّصه: لماذا اختيار الطب البيطري؟ الشغف بعالم الحيوانات ودراسة حال السوق كانا سببين كافيين لإقناعه بسلوك درب الطب البيطري كما يقول. تشجيع الوالدين، قوبل برفض وصل إلى حد الاستهزاء من قبل بعض المقرّبين، «شو بدك بهالشغلة، روح إدرس طب عادي أحسنلك مادياً ومعنوياً»، جملة تكررت كثيراً على مسامعه من دون أن تردعه عن إكمال دراسته.
لا تختلف عيادة طوني البيطرية كثيراً عن غيرها من العيادات البشرية. في غرفة الاستقبال سكريتيرة تسجّل المواعيد، وتؤجل بعضها لانشغال الطبيب بمواعيد عديدة، وزوّار ينتظرون أدوارهم برفقة حيواناتهم. في الغرفة الرئيسية سرير طبي (شاريو) محاط بأجهزة طبية متطوّرة، وخزائن مليئة بالأدوية الحيوانية. يؤكد طوني أن تزايد ظاهرة اقتناء الحيوانات الأليفة داخل المنازل، وتحديداً في السنوات الأخيرة التي سبقت الأزمة، انعكس إيجاباً على الطب البيطري، ولا سيّما مع تضاعف الحالات والمراجعات التي تتفاوت بين فحوص روتينية وحالات طارئة.
حماية البشر أيضاً
بعد دراسته عامين في كلية إدارة الأعمال، لم يجد مارك نفسه في عالم الأرقام والحسابات. تعلّقه بالحيوانات منذ صغره، دفعه إلى هجر كليته وحزم حقائبه نحو أوكرانيا للتخصّص في الطبّ البيطري. يستعيد مارك ذكريات دراسته الصعبة، جازماً أن دراسة الطب البيطري التي تستغرق 6 أعوام أصعب من الطب العادي، فإذا كان الطبّ البشري يدرس جسماً واحداً، فإن الطب البيطري يقوم على دراسة أربعة أجسام مختلفة، علاج الأبقار مثلاً يختلف عن علاج الكلاب، لكل حيوان علاج خاص به وهنا تكمن الصعوبة.
لا ينكر الطبيب البيطري مارك النظرة الخاطئة لدى البعض تجاه مهنته، نظرة ترى في الطب البيطري مهنة هامشية تقلّ أهمية عن الطب البشري، على الرغم من الدور الكبير الذي يؤديه الطب البيطري، ليس في حماية الحيوانات فقط، مع أهمية هذا الأمر طبعاً، بل في منع انتقال الأمراض من الحيوانات إلى البشر، ولا سيما مع وجود ثلاثمئة مرض تنتقل عبر الحيوانات. لكنّ هذا التصنيف الخاطئ قد لا يعني كثيراً للأطباء البيطريين، طالما أن أعمالهم تسير بوتيرة جيدة. وفي هذا الإطار، يؤكد مارك أن العيادة البيطرية يمكن أن تؤمّن مردوداً محترماً إذا ما تواجدت في منطقة مناسبة، مضيفاً أن مجالات عمل الطب البيطري واسعة ولا تقتصر على العيادات البيطرية فقط، بل تشمل مزارع المواشي والدواجن والأسماك وأندية الخيول والمسالخ وغيرها.
تطبيق القانون الجديد
من جهته يذكر نقيب الأطباء البيطريين الدكتور إيهاب شعبان أن النقابة تضم نحو 400 طبيب بيطري، أما الانتساب إلى النقابة التي تأسّست عام 1995، فهو شرط إلزامي لمزاولة المهنة كما هي الحال في نقابة المحامين والمهندسين والأطباء. قلة عدد الأطباء البيطريين تعود إلى ضعف الثروة الحيوانية في لبنان، وإلى عدم وجود اختصاص الطب البيطري في الجامعات باستثناء الجامعة اللبنانية، التي أنشأت قبل سنوات قليلة قسماً للطب البيطري ضمن كلية الزراعة.
الأزمة الاقتصادية أرخت بثقلها على قطاع الطب البيطري، إذ يعدّد شعبان عدداً من الصعوبات التي تواجههم، وأبرزها ارتفاع ثمن الأدوية الحيوانية، ما يفرض عليهم معالجة العديد من الحيوانات بأدوية بشرية! غير أن الحصول على هذه الأدوية ليس بالأمر السهل، فإضافة إلى فقدانها، ترفض الصيدليات الاعتراف بالوصفات الطبية التي يصدرها الأطباء البيطريون. كذلك يعاني الأطباء من تراجع حركة أعمالهم في الآونة الأخيرة، نتيجة تدهور الظروف الاقتصادية، فالعديد من العائلات تخلّت عن حيواناتها الأليفة نتيجة ارتفاع تكاليف تربيتها، ومن احتفظ بها فقد قلّص مصاريفها. فمن كان يزور العيادات البيطرية بشكل شهري، بات يقصدها على فترات متباعدة. بنبرة غاضبة، يقول شعبان: «نحن الفئة الوحيدة من الأطباء التي ليس لها معاش تقاعدي»، عازياً الأمر إلى ضعف موارد النقابة، وعدم تطبيق قانون «تعديل قانون إنشاء نقابة البيطريين في لبنان»، الذي أقرّه مجلس النواب العام المنصرم.
القانون الجديد يحدد موارد صندوق التعاضد والتقاعد داخل النقابة، والتي تُراوح بين رسوم الاشتراك والهبات، ورسم 1% على قيمة جميع الأدوية البيطرية المستوردة والمنتجة محلياً، وهي تُستوفى بموجب طوابع تُلصق على الفاتورة أو البيان الجمركي. ورغم إقراره ونشره في الجريدة الرسمية، يستغرب شعبان عدم تطبيق القانون، ما يحرم صندوق التعاضد من موارد مالية يحتاج إليها بشدة.
الحضور في وزارة الصحة
كما يعاني القطاع البيطري من عدم توظيف الكفاءات البيطرية في الأماكن الصحيحة. «أيُعقل أن لا تضم وزارة الصحة طبيباً بيطرياً واحداً؟» يسأل شعبان. «صحيح أن وزارة الزراعة هي الجهة الوصيّة على العمل البيطري في لبنان، لكن يجب على وزارة الصحة الاستعانة بجهودنا أيضاً»، جازماً أن الوزارة «لن تنجح في القضاء على الفساد الغذائي من خلال إرسال مراقبين صحيين إلى المحالّ الصغيرة فقط، بل يجب الاستعانة بأطباء بيطريين، لأنهم وحدهم هم المؤهلون للكشف على مصادر التوزيع الأساسية أي مزارع المواشي والدواجن».
أما أكثر ما يشكو الأطباء البيطريون منه في الآونة الاخيرة، فيتمثل في الممارسة غير الشرعية للمهنة من قبل أشخاص غير حائزين على شهادات تخوّلهم العمل، ما ينعكس سلباً على «جيبة» الأطباء من جهة، وعلى صحة الحيوانات من جهة أخرى. ورغم أن النقابة عمدت إلى رفع دعاوى قضائية بحق عدد من المخالفين، غير أن القضاء لم يحرّك ساكناً بحسب شعبان. هذه الصعوبات، ساهمت في هجرة نحو 40% من الأطباء البيطريين إلى الخارج، أما من بقي منهم في لبنان فيجاهد للاستمرار في ظل هذه الظروف الصعبة كما يذكر شعبان.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك