كتبت ندى أيوب في "الأخبار":
ليل 30 تشرين الثاني الفائت، وبناءً على إشارة المحامي العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضي سامر ليشع، أوقفت شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي كلّاً من: س. ح. وع. ر. وم. خ. الموقوفون الثلاثة من كبار السماسرة الذين «ينغلون» في «عقارية بعبدا». أحدهم سمسار عتيق، والثاني يتمتع بحظوة كبيرة، والثالث كان موظفاً في أمانة السجلّ العقاري واستمر بالتردّد إلى مقر عمله السابق بعد تقاعده. وغالباً ما يُشاهد الثلاثة متأبّطين معاملاتٍ وعقوداً وملفاتٍ، في مخالفةٍ واضحة للقانون الذي يحصر ذلك بالموظّف ووفقاً للمهام الوظيفية المنوطة به. متابعون للملف يؤكدون أن محققي المعلومات وجدوا في حوزة الثلاثة عدداً كبيراً من الملفات التي يفترض أنها ملك الإدارة. وبعد أيامٍ أخلي سبيل س. ح. وع. ر. وأبقي على م. خ، فيما أُوقف سمساران آخران هما: ط. خ. وم. ش. وتشير المصادر إلى أن «التريو» س. ح. وع. ر. وم. خ. شكّل مصدراً مهماً للمعلومات بما سيؤدي إلى توسيع مروحة التوقيفات لتطال رؤوساً كبيرة - من الموظفين وغيرهم - متورطة في تقاضي رشاوى «مسعّرة» بالدولار، وتختلف قيمتها بحسب أهمية الملف وسعر العقار والسرعة التي يريدها «الزبون» لإنجاز معاملته. هكذا تحوّلت أمانة السجلّ العقاري في بعبدا إلى مكتب عقاري خاص، تديره مجموعة من السماسرة، تعاونهم مجموعة من الموظفين، مستفيدين من رشاوى أعلى بكثير مما يتقاضاه زملاؤهم في دوائر النافعة لتسجيل سيارة أو حيازة رخصة قيادة. فطلب الإفادة العقارية، مثلاً، وهي من أبسط المعاملات، كانت كلفته قبل الأزمة 20 ألف ليرة، فيما تراوح راهناً بين مليون ليرة ومليونَي ليرة، فيما تصل تسعيرة معاملة القيمة التأجيرية لتسجيل أي عقار إلى ما بين 200 و300 دولار. ومن الجمل الشهيرة المنقولة عن المرتشين «ما تلبّكني وتعطيني المصاري باللبناني»!
بدأ تسلسل الأحداث في 15 تشرين الثاني الماضي، حين بدأت أمينة السجل العقاري في بعبدا نايفة شبّو إجازةً كان يفترض أن تمتد أكثر من أسبوع. ووفق متابعين «جرى تكليف أمين السجل العقاري في صيدا باسل حسن بالإنابة عنها لحين انتهاء إجازتها. تسلّم حسن عقارية بعبدا في 15 الشهر، واتخذ على الفور تدبيراً إدارياً منع بموجبه دخول أي معقّب معاملات غير مرخّص. باستثناء المحامين وأصحاب العلاقة ومعقبي المعاملات المرخّصين. وطلب عبر المديرية العامة للشؤون العقارية من جهاز أمن الدولة معاونته في تنظيم الأمور وضبطها، وهو ما حصل بالفعل. بعد ثلاثة أيام، قطعت شبو إجازتها وعادت إلى العمل، رداً على ما بدأ يتردّد عن توقيفها على خلفية ملفات فساد ورشاوى». في الأثناء، تحرّك ليشع والمحامية العامة بالاستئناف في جبل لبنان القاضية نازك الخطيب بعد ورود سلسلة إخباراتٍ عن حجم الفضائح في العقارية. فأعطى ليشع إشارته إلى شعبة المعلومات التي دخل محققوها على مدى أيامٍ إلى العقارية بلباسٍ مدني للتقصي. وتتوقّع مصادر قضائية أن «الأمور لا تزال في بدايتها»، معولةً على ذهاب القضاء والمعلومات في الملف حتى النهاية.
وبحسب المعطيات الأولية، فقد بلغ حجم الرشاوى ذروته في فترة مناقشة مشروع موازنة 2022 وإقرارها مع تزايد الحديث عن زيادة سعر الصرف الرسمي للدولار وإقرار الدولار الجمركي. إذ دخل كثيرون في سباق مع الوقت لتسجيل عقاراتهم قبل أن تدخل الموازنة مع ما تحمل من رفعٍ للرسوم حيّز التنفيذ (قيمة رسم التسجيل العقاري توازي ما نسبته 3 إلى 5% من قيمة العقار، وحتى ما قبل البدء بتطبيق الموازنة كانت تدفع على سعر 1500 ليرة للدولار)، علماً أن هناك ملفات متراكمة نتيجة الإقفال العام عقب جائحة «كورونا» ومناوبة الموظفين لثلاثة أيام وإضرابات القطاع العام وأزمة الكهرباء والمازوت، ما شرّع الباب واسعاً أمام رشاوى تخطّت قيمتها مئات آلاف الدولارات، في دائرة تضم مناطق ذات كثافة سكانية عالية (تدخل الضاحية الجنوبية في نطاقها)، وحجماً ضخماً من العقارات.
يذكر أن قاضية التحقيق الأولى في الشمال سمرندا نصار أجرت منذ أشهر تحقيقاتٍ في أمانة السجل العقاري في زغرتا، إنتهت بحبس أمين السجل مع مجموعة من الموظفين ومعقّبي المعاملات بتهمة تقاضيهم رشاوى.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك