كتب محمد شقير في "الشرق الأوسط":
يُفترض أن يحضر الاعتداء على عناصر من الوحدة الآيرلندية العاملة في عداد «يونيفيل» المنتشرة في منطقة جنوب الليطاني لمؤازرة الجيش اللبناني لتطبيق القرار الدولي (1701)، على طاولة المحادثات التي سيجريها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي مع نظيره الإسباني ووزير الخارجية الإيطالية لدى زيارتهما الخاطفة لبيروت بين عيدي الميلاد ورأس السنة، وانتقالهما إلى جنوب لبنان لتفقّد وحدتي بلديهما العاملتين في نطاق القوات الدولية.
ويقول دبلوماسي أوروبي، فضّل عدم الكشف عن اسمه، في سياق تعليقه على الاعتداء الذي استهدف عناصر من الوحدة الآيرلندية، إن هناك ضرورة لإلقاء القبض على المتهمين بإطلاق النار عليها قبل وصول رئيس الحكومة الإسبانية ووزير الخارجية الإيطالية إلى بيروت. ويؤكد لـ«الشرق الأوسط»، أنه لا يريد أن يستبق التحقيق لتحديد المسؤولية، وأنه يترك الحكم للقضاء اللبناني بالتنسيق مع قيادة القوات الدولية التي يُفترض أن تشارك فيه، خصوصاً أنه لا يزال في بدايته، ما دام أنه لم يتم حتى الساعة إلقاء القبض على المتهمين، لكن الاعتداء بحد ذاته، رغم أنه حصل على مشارف المنطقة الملاصقة لمنطقة العمليات المشتركة لـ«يونيفيل» والجيش اللبناني، فتح الباب أمام البحث في العمق في طبيعة العلاقة بين القوات الدولية و«حزب الله»، وضرورة تنقيتها من الشوائب.
ويلفت الدبلوماسي الأوروبي الذي ينتمي لدولة أوروبية مشاركة بكثافة في القوات الدولية، إلى أنه لا يتّهم «حزب الله» بالوقوف وراء الاعتداء الذي حصل في بلدة العاقبية الساحلية، لكنه يود الوقوف أمام الأسباب الكامنة وراء استمرار حملات التحريض على هذه القوات، والعمل على تعبئة الجنوبيين وتجييشهم ضدها، مما يتسبّب بإعاقة دورها في مؤازرة الجيش اللبناني في تطبيق القرار (1701).
ويغمز الدبلوماسي الأوروبي من قناة «حزب الله» في التحريض على القوات الدولية التي سبق التجديد لها من قبل مجلس الأمن الدولي في أيلول الماضي، الذي منحها الحق في حرية التحرك وتسيير الدوريات من دون مواكبة الجيش اللبناني، وقوبل باعتراض من «حزب الله»، بذريعة أن التعديل الذي أُدخل على قرار التمديد لها سيؤدي إلى تغيير في قواعد الاشتباك.
ويكشف أن الوحدات العاملة في نطاق القوات الدولية، بصرف النظر عن الدول التابعة لها أكانت أوروبية أم آسيوية، تتصرف حسب الأصول مع الجنوبيين، وتحديداً لدى مرورهم أمام الحواجز التابعة لها، ويؤكد أنها تتقيّد بآداب السلوك المنصوص عليها في الكتيّب الذي وُزّع على عناصرها، بما فيها كيفية التعاطي مع النساء.
ويسأل: من المستفيد من وراء شحن نفوس الجنوبيين ضد القوات الدولية، خصوصاً لدى تسييرها للدوريات، ويعمل على تعبئتها تارة تحت ستار تجاوزها للخطوط الحمر المرسومة لها في منع دخولها للأحياء السكنية، وتارة أخرى بقيام عناصرها بالتقاط الصور المشبوهة، وهذا ما أدى إلى افتعال أجواء غير مريحة في تعاطيها مع الأهالي وإلصاق التُّهم بها؟
كما يسأل عن الجدوى من إصدار أحكام مسبقة على بعض الوحدات في القوات الدولية تحت عنوان أنها تعمل لصالح إسرائيل بتجميعها للمعلومات الأمنية، وكأن تل أبيب تفتقد إلى التقنيات التي تُستخدم عادة في رصدها لما يحصل في منطقة جنوب الليطاني، وليس لديها من طائرات الاستطلاع والمسيّرات لالتقاط الصور وتحليلها. ويقول إن التذرُّع باحتجاج الأهالي على ما يسمى بوجود تجاوزات لمهمة «يونيفيل» في جنوب الليطاني، يخفي الوجه الآخر لـ«حزب الله» الذي يقف في ضوء ما لديه من معلومات وراء التحريض على القوات الدولية.
وفي هذا السياق، يتوقف الدبلوماسي الأوروبي أمام الأسباب التي تدفع باتجاه تبدُّل العلاقة بين القوات الدولية وبعض «الأهالي» إلى رفع منسوب الاحتقان والتحريض، بخلاف ما كانت عليه منذ وصولها إلى لبنان وتمركزها في الجزء الحدودي الأكبر للبنان الذي احتلته إسرائيل في اجتياحها الأول للجنوب عام 1978، والعمل على تطبيق القرار الدولي (425) لتحرير هذه المنطقة من الاحتلال الإسرائيلي.
ففي الانتشار الأول للقوات الدولية في جنوب لبنان كانت الدولة اللبنانية غائبة كلياً، كما يقول الدبلوماسي الأوروبي، وعملت هذه القوات على سد الفراغ على المستويات كافة، وإقامة علاقات طيبة مع الجنوبيين بلا استثناء، وقامت بتوفير المساعدات لهم، وعملت على تأمين الخدمات الصحية والاجتماعية، وأبقت مراكزها مفتوحة أمامهم، وسارعت إلى التدخّل في الوقت المناسب لوضع حد للتعدّيات الإسرائيلية على الجنوبيين، لكن المشهد السياسي سرعان ما أخذ يتبدّل مع توسيع رقعة انتشار القوات الدولية بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز 2006 بهدف مؤازرة الجيش اللبناني لتطبيق القرار (1701)، ويعود هذا التبدّل الذي طرأ على تعاطي «الأهالي» مع القوات الدولية، بحسب الدبلوماسي الأوروبي، لطريقة يشوبها الحذر الشديد وتدعو للقلق؛ لأنها أحدثت شعوراً لدى معظم الوحدات المنتشرة في جنوب الليطاني بأن هناك من يحرّض عليها لتحويل البيئة الحاضنة لها إلى بيئة معادية، رغم أن حالات من الانصهار حصلت بينها وبين عدد من العائلات الجنوبية على خلفية مصاهرة العشرات من عناصرها لها بزواجهم من نساء جنوبيات.
ويؤكد أن هناك ضرورة للعودة إلى تعويم العلاقة الطبيعية التي أقامتها القوات الدولية مع الجنوبيين فور الاستعانة بها عام 1976 لتطبيق القرار (425). ويقول إن لـ«حزب الله» دوراً في تنفيس الاحتقان؛ لما يتمتع به من نفوذ في منطقة العمليات في جنوب الليطاني، وهذا يستدعي منه إعادة النظر في تعاطيه مع «يونيفيل» بمنأى عن إصداره سلسلة من الأحكام على النيات، بخلاف تعاطي حركة «أمل» مع القوات الدولية.
ويدعو الدبلوماسي الأوروبي ليكون الاعتداء الذي استهدف الآيرلنديين فرصة لإعادة تطبيع علاقة «حزب الله» بـ«يونيفيل» بمنأى عن الاتهامات المسبقة التي تؤدي إلى انعدام الثقة بينهما، ومن ثم بات من الضروري إشعار «يونيفيل» بأن عناصرها بأمان بفتح صفحة جديدة للتعاون الإيجابي، بدلاً من الإبقاء على حالة الاستنفار السلبي التي تؤدي إلى تعميق أزمة الثقة بين الطرفين.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك