احتفلت الطوائف المسيحية في منطقة البترون بعيد الميلاد، وأقيمت القداديس والزياحات في الكنائس والاديار، وألقيت عظات دعت إلى الصلاة من أجل لبنان وشعبه الموجوع فتحل الأعياد المقبلة بأيام أفضل تحمل الاستقرار والطمأنينة.
وترأس راعي أبرشية البترون المارونية المطران منير خيرالله قداس منتصف الليل في كاتدرائية مار اسطفان في البترون وعاونه خادما الرعية الخوري بيار صعب والخوري فرانسوا حرب في حضور النائب جبران باسيل وحشد من المؤمنين. واحتفل بقداس العيد في الكرسي الأسقفي في كفرحي في حضور حشد من المؤمنين.
وبعد تلاوة الإنجيل المقدس، ألقى عظة بعنوان "لنجعلْ من كل بيت مذودًا يولد فيه يسوع" وقال: "في ملء الزمن ولد يسوع المسيح ابنُ الله إنسانًا من سلالة ابراهيم وذرّية داود في مدينة بيت لحم اليهودية ليحقق وعد الله وتدبيره الخلاصي، بينما كان العالم منشغلاً بتنفيذ « الأمر الصادر عن القيصر أغسطوس بإحصاء جميع أهل المعمور » (لوقا 2/1)، وكان الملوك والسلاطين منهمكين بتثبيت مصالحهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكان الشعب رازحًا تحت نير احتلال الامبراطورية الرومانية وظلم الحكام والرؤساء ينتظر ولادة ملك اليهود المخلّص والمحرّر".
أضاف: "ولد الملك الموعود في مذود فقير خارج بيت لحم لأن أبواه « لم يجدا لهما مكانًا حتى في المضافة » (لوقا 2/7). وأرسل الله ملاكه فحضر على « الرعاة الذين كانوا يبيتون في البرّية ويتناوبون السهر في الليل على رعيتهم، وبشرّهم بفرح عظيم قائلاً: ولد لكم اليوم مخلّص وهو المسيح الرب » (لوقا 2/8-11). وقاد نجمُه المجوس الآتين من المشرق إلى حيث ولد « ملك اليهود، فجثوا له ساجدين ثم فتحوا حقائبهم وأهدوا إليه ذهبًا وبخورًا ومرًّا » (متى 2/11). ولدى سماع هيرودس الملك خبر ولادة ملك اليهود "اضطرب واضطربت معه أورشليم كلها». وخوفًا من أن يفقد عرشه، صمّم الإنتقام من الملك المولود؛ ولما لم يجده، « استشاط غضبًا وأرسل فقتل كل طفل في بيت لحم وجميع أراضيها من ابن سنتين فما دون ». (متى 2/16)".
وأردف: "وفيما نحتفل اليوم، أيها الرب يسوع، بذكرى مولدك الألفين واثنين وعشرين، نرى العالم يعيد تركيب أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية، بعد استفحال وباء كورونا، ونراه فريسة حروب قاتلة مدمّرة ومتنقّلة من الشرق الأقصى إلى الشرق الأوسط وافريقيا إلى أوكررانيا؛ ونرى رؤساء الدول والزعماء والقادة يتناحرون في سبيل الحفاظ على مصالحهم وسلطتهم وكراسيهم؛ ونرى المسؤولين عندنا في لبنان يتنافسون على السلطة والمال تأمينًا لمنافعهم غير آبهين بمصير شعبهم الذي أفقروه وجوّعوه وهجّروا شبابه ونهبوا مدّخرات عمره وحرموه من أبسط وسائل الحياة الكريمة، وغير عابئين بمصير وطنهم فأفقدوه رصيده المعنوي والثقافي والاقتصادي والإنساني وأفشلوا دولته فصار في عداد الأوطان السائبة. ونرى السادة النواب عندنا عاجزين عن انتخاب رئيسٍ للجمهورية، أو لا يريدون، تاركين الدولة من دون رأس، وكأنهم ينتظرون كلمة السرّ تأتيهم من قوىً إقليمية ودولية".
وقال خيرالله: "لم يبقَ لنا سوى التمنّي أن تتدخّل أنت يا رب لتختار من ذرّية بني مارون رئيسًا للبنان كما اخترت يومًا داود من ذرّية يسّى ملكًا لشعبك. ذلك أنك عندما نبذت شاول ملك إسرائيل بسبب أفعاله السيئة وسوء إدارته لشعبك، أرسلتَ كاهنك صموئيل إلى يسّى من بيت لحم واخترت من بين بنيه الثمانية داود الصغير ملكًا؛ فأنت « لا تراعي منظر الإنسان وطول قامته، ولا تنظر كما ينظر الإنسان إلى المظاهر، بل تنظر إلى القلب ». (سفر صموئيل الأول 16/1-12)"، سائلا "هل ستُنعم علينا، يا رب، بعيديةٍ تحمل إلينا رئيسًا جديدًا صديقًا لشعبه منتدَبًا لخدمته بإرادةٍ منك؟".
وأضاف: "في ظروفنا المأساوية، وفيما نسير في نفق مظلم لا ضوء ينبئ بقرب نهايته، نؤمن أنك أنت نورنا وأنت رجاؤنا الذي لا يخيّب. وكما أضاء نجمك طريق المجوس وقادهم إلى مذودك فسجدوا لك وقدّموا هداياهم ثم عادوا إلى بلادهم من طريق آخر دون العودة إلى هيرودس، فهو النجم نفسه سيضيء طريقنا ويقودنا إلى المذود الذي ستولد فيه في كل بيت من بيوتنا المتواضعة في الفقر والبؤس والحرمان. إنه النجم نفسه الذي سيقودنا للخروج من النفق من باب آخر حيث تطلّ علينا شمسك ونطلّ على عالمٍ جديد نحمل إليه بشرى الخلاص ونكون فيه أنبياءَ رجاءٍ وصانعي سلام. وترسل إلينا، نحن الرعاة، ملاكك لينقل إلينا خبر ولادة جديدة لوطننا لبنان ويبشّرنا بفرح عظيم أنه قد ولد لنا مخلّص وهو المسيح الرب. فنشدّد السهر على شعبنا ونشاركه همومه وشجونه ومأساة حياته اليومية ونجعل من كل بيت مذودًا يولد فيه يسوع ويحوّل الأسى والحزن والبؤس إلى بهجة وفرح ورجاء بحياة جديدة. ونعمل على إعادة الثقة إلى شبابنا، وندعوهم إلى التضامن والتعاون في سبيل بناء وطن يليق بهم ويحقق أحلامهم فيلبّوا دعوة لبنان التاريخية، ونرسلهم إلى العالم ليكونوا شهود المحبة وأنبياء الرجاء وصانعي السلام".
وختم خبرالله: "إنك تولد اليوم، يا يسوع، في بيوتنا التي تحولت إلى مذود جاهز لاستقبالك، وترفض أن تولد في قصور الملوك والرؤساء والأغنياء ولكنك ترسل إليهم رعاة ومجوسا ليبشروهم بولادتك ملكا ومخلصا لعلهم يرتدعون ويتوبون، فلا تكون آخرتهم كآخرة هيرودس. تعالوا نرنم بالفرح والابتهاج لولادة المسيح الرب ونسأله أن يجسد فينا الرجاء، ويثبّتنا على الإيمان، ويزرع فينا المحبة، ولد المسيح، هللويا".
وبعد القداس استقبل المطران خيرالله المهنئين بالعيد في صالون الدير.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك