كتب د. جورج حرب في موقع mtv:
ليست سوى أرقام، ومهما تقادمت، يبقى جوهرها هو الأساس،
ففي عيد رأس السّنة، تحتسب الناس أرقام السنين، وتنسى أن تحتسب أرقام إنجازاتها وإخفاقاتها، وأرقام سقطاتها وقياماتها، لأنها سمحت للآخرين العبث بها، كالمستقبل والمصير والقرارات وحتّى المشاعر والتفكير عبر التضليل والإعلام.
إن كنتم تريدون أن تعيشوا سنيكم، عليكم أن تصالحوا الماضي، وألّا تخافوا من المستقبل، ولا تتردّدوا في عيش الحاضر.
أوقفوا تلك الحسابات القديمة، وكفّوا عن تصديق كذبات الزمن التي لا تُحصى إلّا بأرقامها، واستردّوا لسنيكم زمام مبادرتها، ولا تحتفلوا بموائد نهاية كلّ سنة أو بدايتها، بل احتفلوا فقط باسترداد أنفسكم من الغربة التي أرادوكم أن تعيشوا فيها.
توقّفوا عن الأوهام وعن تجميع أرقامٍ وأصدقاء مزيّفين على هواتفكم أو على حساباتكم في مجموعات التواصل الاجتماعيّ، ولتكن ابتسامتكم حقّ الردّ الوحيد أمام كلّ من أراد أن يزرع اليأس فيكم لأغراض دنيئة، ولا تفرّطوا بأناسٍ يزرعون فيكم الأمل لأهدافٍ نبيلة، فتّشوا عن أناسٍ يحتاجون إليكم في هذا الكون ولا تعبثوا مع من تشكّلون لديهم إضافةً لا يحتاجون إليها، وكونوا كما تريدون لا كما هم يريدون، في تلك اللحظة تكونون قد تحرّرتم، ودخلتم إلى السّنة الجديدة، غير محمّلين بأيّ عائقٍ من سنين مرّت، من صداقات وإملاءات وعلاقات وهموم وأفكار وأوهام.
إذا أزعجكم أحدهم فأبعدوه، وإذا أُهِنتمْ في عملكم فاتركوه، وإذا عبث أحدٌ بحياتكم فامنعوه، واصنعوا باستمرار فرصكم الجديدة، وإذا أردتم تغييراً في حياتكم فقوموا به..
هي الحياة، تكره المتردّدين وتحتقر معتنقي ديانة الأرقام، بالمال والعمر والقياسات والأخطاء والأعداد وحتى العلامات.
سِمة الحياة اليوميّة لسنيكم هو التشويش، عندما تفتّشون في هواتفكم وتجدون أنّ آخر اتّصالٍ بصديقٍ يحبّكم كان منذ أكثر من شهر، فاعرفوا أنّ حياتكم مشوّشة، وعندما تنسون أن تعايدوا أحبّاءكم في يوم عيدهم، فاعلموا أنّ حياتكم مشوشة أيضاً، وعندما ينسى الأبناء عيد والديهم وينسى الأهل في أيّ صفّ وأيّ شعبة أبناؤهم وبناتهم، فاعلموا أنّ حياتهم مشوّشة، وعندما تستحوذ اتّصالات المصلحة، التي تسترونها بعلاقة عمل أو غيرها، على أكثر من 95 % من قائمة اتّصالاتكم، فاعلموا أيضاً أنّ حياتكم مشوّشة.
السّنون تكره لغة الأرقام، وتمقت لغة الوهم، إنّها تعشق لغة الحقيقة وتعيش انسجاماً بينها وبين الواقع الصادق. فعندما تدركون أنّ أجمل العيون هي الشّبِعَة، وأروع الأصوات هي الحنونة، وأفضل المصافحات هي الحارّة، وأصدق العلاقات هي المخلصة، وأصوب القرارات هي تلك التي تحدّيتم بها الجميع، وأرقى حبّ هو مع من حفّزكم ولا يزال يحفّزكم كي تبقوا على طبيعتكم، وأغرب رحلة وأصعبها هي تلك التي حملتكم إلى داخلكم وإلى أنفسكم بعد غربة عنها، وعندما تؤمنون أنّ أغلى هديّة تلقّيتموها يوماً ، دموع شخص أحبّكم، وعندما تعترفون أنّكم تؤمنون وأنا أؤمن معكم، بإله واحد لا إلهين، (الله أو المال) عندئذٍ فقط يمكنكم أن تحتسبوا وأنا أحتسب معكم السنين، بموائد واحتفالات وسهرات وإنجازات.
وكلّ سنة، ليست أيّ سنة، ونحن وأنتم بخير.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك