هل صحيح، كما تعتقد أوساط سياسية مراقبة، أن قوى 8 آذار تسعى منذ أن نشأت الى الاستيلاء على السلطة والحكم، وان التعثر الذي تتعمده عند تشكيل الحكومات هو احدى الوسائل لبلوغ ذلك؟
الواقع أن هذه القوى راهنت على الفوز بأكثرية المقاعد في انتخابات 2005 ثم في انتخابات 2009، وعندما سقط رهانها وفازت قوى 14 آذار بالأكثرية أصرّت على أن تكون شريكة في أي حكومة يتم تشكيلها بذريعة الحرص على تحقيق "الشركة الوطنية" بحيث لا تستأثر الأكثرية باتخاذ القرارات ولا سيما منها المهمة. فكان لها ما ارادت وتحولت هذه "الشركة" الى مشاكسة داخل مجلس الوزراء عطّلت اتخاذ القرارات رغم ضرورة اتخاذها تسييراً لعجلة الدولة وتأميناً لمصالح الناس.
وفي الانتخابات الرئاسية عمدت قوى 8 آذار الى تعطيل هذه الانتخابات وعرّضت أعلى مركز في الدولة للفراغ، آملة ان تختار هي رئيس الجمهورية فحضّت لبلوغ هذه الغاية، العماد ميشال عون على الترشح للرئاسة الأولى وعدم الانسحاب فكانت النتيجة ان فرض مؤتمر الدوحة حلاً للأزمة اللبنانية المستعصية وإن مخالفاً للدستور، وذلك توصلاً الى سدّ الفراغات الحاصلة في السلطة اللبنانية، فصار اتفاق على انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية باعتباره توافقياً وليس من قوى 8 ولا 14 آذار وتشكيل حكومة "وحدة وطنية"، تضم ممثلين عن هذه القوى بنسب متفاوتة حددها المؤتمر نفسه. لكن قوى 8 آذار خالفت منطوق هذا الاتفاق سواء لجهة استخدام السلاح في الداخل أو لجهة الاستقالة من الحكومة، فأنهت بذلك مفاعيل مؤتمر الدوحة.
ولأنّ القرار السوري صدر بابعاد الرئيس سعد الحريري عن السرايا كونه لم يتجاوب مع دمشق في موضوع المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، كان لا بدّ من نقل الأكثرية من قوى 14 آذار الى قوى 8 آذار كي تسمي الرئيس نجب ميقاتي لتشكيل الحكومة العتيدة. ولأن العودة الى صيغة حكومة "الوحدة الوطنية" لم تعد تلائم 8 آذار اشترطت على قوى 14 آذار لتقبل مشاركتها في الحكومة ان تخرج موضوع سلاح "حزب الله" من التداول وتقبل بالمعادلة التي وردت في في أكثر من بيان وزاري وهي: "الجيش والشعب والمقاومة"، في التصدي للعدو الاسرائيلي، وان تقبل أيضاً بانسحاب لبنان من المحكمة الدولية بحجة انها محكمة مسيسة لا تصلح لمعرفة الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه. وعندما طلبت قوى 14 آذار من الرئيس المكلف نجيب ميقاتي رأيه في هذين الموضوعين المهمين، رفض اعطاء رأيه، بدعوى أنه لا يريد أن يلتزم اي موقف مسبق من مطالب 8 و14 آذار على السواء.
وهكذا اصبح تشكيل الحكومة يقتصر على الاكثرية الجديدة المتمثلة بقوى 8 آذار والمتعاونين معها. وقد ظن الكثيرون ان عملية التشكيل لن تطول لأن من يشارك فيها هم من خط سياسي واحد ولون واحد ولهم ارتباط خارجي واحد.
لكن تبين ان هناك رأيين داخل هذه الأكثرية الجديدة: رأياً لمتشددين فيها يقول بتشكيل حكومة منها ولا مانع من تطعيمها بسياسيين مستقلين من خارج 8 آذار، ورأياً آخر لمعتدلين لا يمانع في تشكيل حكومة من سياسيين وتكنوقراط مطعمة بوزراء من الأكثرية الجديدة. وقد فتح وجود هذين الرأيين المتباينين باب الخلاف على الحصص والحقائب داخل صفوف الأكثرية التي تم تركيبها في ظرف عابر وفي ساعة غفلة. وقد تبين أن هذه ا لأكثرية وان كان يجمعها خارج واحد، فلا شيء يجمع صفوفها في الداخل، لأن لكل حزب او تكتل فيها مصالح ومطامع تجعله يحاول الحصول على الحصة الكبرى في التشكيلة الوزارية، حتى إذا كان لهذه الأكثرية ثلثا عدد الوزراء فان رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وكتلة جنبلاط يريدون ان يكون لهم الثلث الآخر، لئلا يتكرر ما حصل مع حكومات سابقة بحيث تحول هذا الثلث الذي تمثله في حكومته قوى 8 آذار، عندما كانت أقلية، ثلثاً معطلاً لكل القرارات غير المقبولة منها، لا بل مقرراً مصير الحكومة ومصير جلسات مجلس الوزراء أيضاً إذا ما هدد بالاستقالة. فكان لا بد في هذا الوضع المعقد من البحث في تشكيل حكومة تكنوقراط إذا ظل متعذراً التوصل الى تشكيل حكومة مختلطة، لكن المتشددين في قوى 8 آذار وضعوا رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف بين خيارين: أما تشكيل حكومة منها ومن المتحالفين معها مطعمة بأقلية من التكنوقراط أو لا حكومة وفراغ، لأن حكومة تكنوقراط بحتة مرفوضة منها، وستكون معرضة لحجب الثقة.
وهكذا وضعت قوى 8 آذار عندما أصبحت أكثرية، رئيس الجمهورية بين القبول بتوقيع مرسوم تشكيل حكومة منها اي حكومة اللون الواحد فتكون حكومة تحد واستفزاز تمارس سياسة الانتقام والكيدية من قوى 14 آذار، أو برفض توقيع هذا المرسوم وعندها يواجه ازمة وزارية يستعصي حلها وتتحول الى أزمة حكم وأزمة نظام لا خروج منها إلا بانتخاب رئيس جديد للجمهورية يجاري سياسة قوى 8 آذار، أو تشكيل حكومة مهمتها الاشراف على انتخابات نيابية مبكرة، بحيث يتولى المجلس الجديد الذي ينبثق منها انتخاب رئيس للجمهورية وإجراء الاصلاحات الدستورية اللازمة بواسطة حكومة تنبثق من الأكثرية النيابية الجديدة وتكون حكومة وحدة وطنية، ان أمكن لان من مهماتها اجراء هذه الاصلاحات التي تحتاج الى موافقة الجميع.
لكن قوى 8 آذار التي خسرت في الماضي رهاناتها، قد تخسر رهاناتها الجديدة هذه المرة وتعود اقلية، لأن الرئيس ميقاتي ومن معه والنائب جنبلاط ومن معه لا يجارون رأي المتشددين في هذه القوى، وسيختيرونهم بين تسهيل تشكيل حكومة متوازنة تمارس سياسة الاعتدال والاهتمام بأولويات الناس أو التسليم بتشكيل حكومة تكنوقراط موقتة منعاً لاستمرار الأزمة الوزارية والفراغ، وتعطيل مصالح البلاد والعباد.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك