أكثر من قراءة واحدة تكونت لدى من هم على تماس دائم مع رموز فريق الاكثرية الجديدة، لدى سماعهم نبأ حضور رئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي اجتماع المجلس الاسلامي الشرعي الاعلى في دار الفتوى أول من أمس، ولدى سبرهم أبعاد البيان الذي صدر عن هذا الاجتماع والذي انطوى ربما للمرة الاولى على تأييد صريح وإن مشروطا لميقاتي في رحلته الصعبة، من أعلى مرجعية شرعية سنية في لبنان.
بالطبع ثمة من يأخذ المشهد برمته على محمل، أنه اشارة معينة الى تحول داخل المرجعية السنية التي لم تخف منذ البداية جنوحها الى دعم الرئيس سعد الحريري وأن تسبغ عليه صفة الممثل الشرعي الحصري للزعامة السياسية السنية في لبنان وسعيها الجلي لقطع الطريق على أي شخصية سنية اخرى تسعى الى تبوؤ مكانه في سدة رئاسة الحكومة، وقد كان ذلك جليا في 25 كانون الثاني في دار الفتوى وفي زيارة ممثلي هذه الدار للرئيس ميقاتي قبيل ساعات من اختياره رئيس وزراء في مكتبه في بناية الستاركو في الوسط التجاري في مهمة واضحة لثنيه عن عزمه.
وهي قراءة وإن صحت انما تعطي ميقاتي المتمهل الى حد التعثر في مهمة التأليف، دفعا قويا جدا للمضي في مهمته وتجاوز ما يعترضه من عقبات وعراقيل بعدما بدا في وضع القاصر عن انجاز ما تعهده.
لكن هذه القراءة على أهميتها وبلاغتها لا توصد الابواب على قراءات اخرى برزت لدى أوساط في الاكثرية الجديدة.
إذ ان ثمة من يرى في حضور ميقاتي اللقاء اياه انه رسالة لمن يعنيهم الامر سواء بين الحلفاء أو في صف الخصوم، فحواها ان رئيس الوزراء المكلف قد نال "حصانة" جديدة من مرجعية كانت حتى الامس القريب تعتبر "مربط خيل" الشخصية السنية التي ناصبته الخصام المعلن وشهرت في وجهه العديد من "الاسلحة"، وهددته علنا بأنها حرب ستمتد في المكان والزمان حتى وإن صار رئيسا أصيلا للحكومة،ـ ونال الثقة اللازمة تحت قبة البرلمان.
وليس سرا ان ثمة استتباعا لهذه القراءة وفحواه أين سيستخدم الرئيس ميقاتي هذا الرصيد الذي حصل عليه حديثا، وصار ورقة من أوراق القوة لديه، وخصوصا في المطرح الذي كان البعض يراه نقطة ضعف أساسية تعتري رحلته السياسية الجديدة!
ومبعث السؤال ان هناك من يرى أن ميقاتي الذي صار يواجه في الآونة الاخيرة ضغوطا من حلفائه الجدد الذين أطلقوا اكثر من رسالة في اتجاهه تطالبه بالتعجيل في تأليف الحكومة لدرجة أن ثمة معلومات ذكرت ان هؤلاء الحلفاء حددوا له مهلة زمنية عليه في نهايتها ان يؤلف او يعزف ويعتذر، وهو أمر، وإن نفته أوساط الاكثرية الجديدة لاحقا، يشي برغبات الاكثرية الجديدة في مواجهة تحدي الفريق الآخر لهم واتهامه إياهم بالعجز عن الحكم وادارة اللعبة السياسية من دون دعم هذا الفريق. فضلا عن الضغوط التي لم تنِ تأتيه من الفريق الآخر، أي فريق 14 آذار، والذي يتربص به الدوائر "ويتصيد" مسألة تعثره في تأليف الحكومة ويعتبر ذلك "جزاء" له وعقابا على مواقفه.
لذا فان ثمة من يراهن على أن ميقاتي سيعرف كيف يوظف هذه الورقة الجديدة المضافة الى أوراق القوة لديه ليخفف من هجمات خصومه المستمرة عليه والتي تحولت أخيرا من هجمات مباشرة الى هجمات غير مباشرة، من عناوينها العريضة اطلاق قفاز التحدي في وجهه وخصوصا حول تجاوزه المهلة المعقولة لتأليف الحكومة وعجزه عن التأليف في خلالها. وفي الوقت عينه، من الواضح ان رئيس الوزراء المكلف لن يتوانى عن "استخدام" هذه الورقة المتحصلة أخيرا لديه للتخفيف من غلواء مطالب حلفائه الذين لهم عليه فضل التسمية وفي الحد من دفتر شروطهم ولم يعد خافيا في الاوساط السياسية، أن مرور ما يزيد عن الـ65 يوما على اختياره رئيس وزراء مكلفا، وفتح الابواب أمام تجربة سياسية بمعايير مختلفة وصعبة في آن، صار الرئيس ميقاتي، في حاجة ماسة الى "عناصر قوة" ودفع جديدة، وهو ما وجده في اجتماع المجلس الشرعي وبيانه الاخير.
واذا كان ذلك عوضه بعضا مما فقده في الاونة الاخيرة والى نزفه من رصيده، فان السؤال الذي يبقى وجيها هو هل سيدفعه ذلك الى تجاوز ما يعترضه من عقبات ويصير رئيسا للوزراء في وقت قريب؟
الواضح أن ميقاتي يحرص أكثر ما يكون على أمرين أساسيين منذ أن تصدى لمهمته الجديدة وهما:
- عدم اطلاق تعهدات ومواقف محددة تلزمه لاحقا وتجعله في موضع المساءلة والمحاسبة.
- رفضه المطلق تقييد نفسه بمواعيد معينة لانجاز مهمته، من بعد ان بادرت جهات في الاكثرية الجديدة الى ابلاغه ولو بشكل غير مباشر، أن الامر قد صار بين يديه وأن جوهر المشكلة ليس عند حلفائه الجدد في دمشق التي بادر أخيرا الى استمزاج موقفها الجلي والحاسم وعبر موفده الدائم والمعروف اليها، فكان جوابها قاطعا وهو الرغبة في عدم التدخل، وأن جلّ ما تريده وتتمناه هو الاستعجال في التأليف.
ولا تخفي أوساط الاكثرية الجديدة أنها "قدمت اليه الكثير من التنازلات" في سبيل تسهيل مهمته وأبلغته غير مرة، أنها "مقتنعة" تمام الاقتناع به وأنها لم تفكر اطلاقا في البحث عن بديل منه.
وبحسب هذه الأكثرية فان الامور بينها وبين ميقاتي بقيت في اطار سلس جدا، ولم يحصل أي صدام يجعلها تندم على خيارها، وباستثناء أمر واحد هو ابلاغها اياه رفضها سلفا اي تفكير في حكومة أمر واقع، ونصحها اياه بعدم اللجوء الى مثل هذا النوع من الخيارات ومن جانبه استجاب للأمر فعادت المياه الى مجاريها الطبيعية في انتظار ان يقضى الامر، ويصير مفعولا.
وفي كل الاحوال لا تخفي مصادر الاكثرية الجديدة ارتياحها إذا كان ميقاتي قد حصل من خلال اجتماع دار الفتوى الاخير عنصر قوة يضاف الى رصيده في الساحة السنية التي كان يحذرهم دوما من عدم اضعافه فيها.
ومهما يكن من أمر فان مصادر الاكثرية الجديدة تشير الى أن آخر لقاء عقد بينها وبين ميقاتي (حصل قبل لقاء دار الفتوى) حمل ايجابيات عدة وانطوى على تقدم ما، إذ جرى تحديد للاشكاليات واتفق على آليات المعالجة، وبمعنى آخر حسمت نقاط خلافية وبقيت أخرى عالقة في انتظار التفاهم والحسم لاحقا.
لذا فهي ثابتة حتى الآن على هذا "التفاهم" ومن جهتها لا تغيير وهي لا تعرف اذا كان موقف ميقاتي الاخير وخصوصا بعد لقاء دار الفتوى امتدادا للتفاهم او أنه خلاف ذلك!
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك