أخذ التقرير الذي نشرته "الجمهورية " عن طريقة التعامل القضائي - وضمنا المخابراتي- مع استشهاد النقيب الطيار سامر حنّا، صدى مهما في مراكز الأبحاث الأوروبية، لأنه كشف، من دون أي لبس، سيطرة "حزب الله" على كل مفاصل المؤسسات السيادية في لبنان.
وأودع هذا التقرير، بكل تفاصيله، بتصرف خبراء في السياسة والعلوم الجنائية، من أجل توسله في استخلاص حقائق لبنانية، بدأت تتكشف، بعد طول تكتم عليها.
وفي رصد لأولى التعليقات على هذا التقرير، كان لافتا للإنتباه قول أحد مدراء هذه المراكز، أن "حزب الله" يفتقد الى الحنكة، خلافا لما كنا نعتقد. لقد استعمل، هذه المرة، سلاحه ضد نفسه."
وفي شرح هذه الخلاصة، أشارت الشخصية المؤثرة في تكوين القرار في بلدها: " إن حزب الله ، بإطاحة حكومة سعد الحريري، إنما أطاح بشخصيات لبنانية كانت تمتلك صدقية عالية في المجتمع الدولي، وكانت تملك ما يكفي من رصيد، للتستر- عمدا أو عفوا- عن كثير من أعماله المثيرة للسخط والغضب."
وبالفعل، فإن ملف سامر حنّا، يعتبر من أخطر ملفات لبنان، نظرا لإلقائه أضواء كاشفة على سيطرة "حزب الله" على القضاء العسكري اللبناني الذي يتمتع بصلاحيات واسعة للغاية.
وكانت مراكز الأبحاث العالمية قد أبدت اهتماما كبيرا بالشهيد حنا عند قتله بإطلاق النار عليه في مروحيته العسكرية، ولكنها عادت فأهملت الملف عندما صدرت تأكيدات لبنانية تفيد بأن الملف سلك دربه نحو مساءلة حقيقية.
ولكن الإهتمام عاد الى البروز، مع انكشاف حقائق مهمة للغاية، أبرزها أن المساءلة ليست مسارا قضائيا سليما بل هي "إسفنجة" أريد من خلالها، إمتصاص النقمة العارمة محليا ودوليا، على جريمة فُهم منها أن السيادة اللبنانية هي أسيرة لحزب مسلّح.
وفي هذا السياق، بدأت هذه المراكز تطرح أسئلة كثيرة عن قدرة لبنان – الدولة على الإلتزام القيام بتعهداتها تجاه شعبها، أولا وتجاه المجتمع الدولي، ثانيا ،في ظل سيطرة "حزب الله" على مؤسسات مهمة في هذه الدولة.
وتتركز محاور الإهتمام في ملف سامر حنا على نقاط كثيرة أبرزها الآتي:
أولا، كيف يستطيع "حزب الله" أن يتجاوز عصب المؤسسة العسكرية التي تقوم على معمودية الدماء، وتاليا كيف اقتنع رفاق سامر حنا بالصمت على ما ما حصل ويحصل؟ وهل المسألة تكمن بالقناعات أم بالتخويف؟ وما هي وسائل هذا التخويف وعلى أي مدى يمكن أن تصل؟
ثانيا، هل المؤسسة السياسية اللبنانية مصابة بلوثة السلطة بأي ثمن حتى ترضى بلفلفة ملف سياسي بهذه الطريقة الفاضحة؟
ثالثا، كيف يمكن الركون الى الإعلام اللبناني، طالما أنه يملك قدرة انضباط هائلة، بحيث يكتفي بنقل تصريحات مضبوطة ليمتنع عن كشف معطيات خطرة للغاية، مثل معطيات استشهاد حنا؟
رابعا، هل يعتبر قادة 14 آذار أن مواجهة سلاح "حزب الله" في الداخل، يمكن أن ينتج في حال إبقائه شعارا مجردا، في ظل التهرب الملحوظ من التعاطي مع نتائجه المباشرة، ومن بينها قتل سامر حنا؟
خامسا، كيف يعتقد مؤيدو المحكمة الخاصة بلبنان بقدرتهم على حماية خيارهم هذا، إن لم يبادروا الى تنظيم ملفات تظهر قدرة "حزب الله على التحكم بمسار العدالة؟
سادسا، أمام هذه المعطيات، لماذا لا يعمد عدد من النواب والوزراء الى تنظيم حملة تهدف الى إحالة ملف سامر حنا على المجلس العدلي، بعدما اتضح أن المحكمة العسكرية الدائمة وقفت صامتة أمام فضيحة "التكليف الشرعي" الذي يهدف الى إخفاء حقائق هذا الملف؟
قد تكون الأسئلة التي وضعتها مراكز الأبحاث الأوروبية على جدول أعمالها اللبناني مهمة، ولكن التوصل الى أجوبة شافية عنها، سوف تبقى "مأسورة" الى أن تتضح هويات تلك الأيادي التي امتدت بالإغتيال أو محاولة الإغتيال، على نخبة من السياسيين والإعلاميين والعسكريين اللبنانيين.
مع اتضاح الحقيقة تتولّد الشجاعة. تلك الشجاعة التي تسمح للضحية أن ترفع الصوت بوجه جلادها غير آبهة بقدراته.
وفي ظل الشجاعة، لن يتحرر ملف سامر حنا وحده من الخوف ومن التواطؤ ، بل ستتحرر حقائق كثيرة من "معتقلاتها" !
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك