يخوض مجلس التعاون الخليجي اخيراً معمودية الوحدة الفعّالة والقبضة الواحدة، في مواجهة المشاكل والتدخلات التي تهدد الأمن والاستقرار في تلك المنطقة المهمة والحيوية للأمن والاستقرار، ليس في الشرق الاوسط والخليج فحسب، بل في العالم كله، اذ تعتبرها دول كثيرة في مقدمها اميركا، حيوية لأمنها القومي، وذلك على خلفية ان خزَان النفط في المنطقة يبقى احد الشرايين الحيوية للدورة الصناعية الدولية، وكذلك للتوازن الاستراتيجي الدولي.
بعد اقفال "البوابات البحرينية" في وجه التسرّب الإيراني وسياسة التأجيج، جاء الآن دور اليمن الذي يغرق في ثورة تدعو الى التغيير وانهاء حكم الرئيس علي عبد الله صالح، وهو ما يثير المخاوف من قيام فوضى نارية عارمة، يمكن ان توقع اليمن في الصوملة التي قد تجعل منها "افغانستان خليجية" تستطيع احراق النفط وتهدد العالم.
معنى هذا الكلام، ان مجلس التعاون وخصوصاً السعودية، انتقل من سياسات رد الفعل الى سياسات الفعل، سواء على الصعيد الامني كما حصل في البحرين، عندما دخلت وحدة رمزية من قوات "درع الجزيرة" لحفظ الأمن والنظام بطلب من البحرين، بعدما كانت التدخلات الايرانية قد افشلت مفاوضات إيجابية بين السلطة والمعارضة الشيعية، للاتفاق على سلسلة من الاصلاحات كانت قد اقتربت من النجاح، وسواء على الصعيد الديبلوماسي السياسي الذي يتبلور الآن عبر المبادرة السعودية التي تشارك فيها دول مجلس التعاون الخليجي، وتهدف الى جمع القيادات اليمنية في الرياض، للاتفاق على خريطة طريق لتغيير السلطة عبر مرحلة انتقالية تقوم في خلالها ما يشبه "لويا جيرغا يمنية" تنهي حكم علي صالح وتمهد لانتخابات عامة بعد ثلاثة اشهر.
واذا كانت تصريحات وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس في الرياض عن "ان لدى واشنطن ادلة على التدخلات الايرانية لاستغلال الوضع في البحرين وحتى في اماكن اخرى يريدون اثارة المشاكل فيها"، تمثل تصحيحا للمقاربات الأميركية السابقة حيال البحرين وبعض ما يجري في المنطقة، فان تصعيد التهديدات الايرانية للسعودية والبحرين والكويت ودولة الامارات، يؤكد قطعا سعي طهران المحموم لاثارة المشاكل في كل دول الخليج. وما تكشّف من التورط الايراني في الكويت والمحاولات المتكررة لتوسيع حلقة النار في اليمن عبر الحوثيين، يضع دول الخليج كلها وكذلك دول العالم امام مسؤوليات ساخنة، حيث من الضروري منع هذه التدخلات المؤذية.
والمثير ان النظام الايراني الذي يمضي في سحق الانتفاضة الخضراء عنده، لا يتوانى في القول ان حركات التغيير العربية تستلهم ما جرى في طهران وهذا غير صحيح قطعاً. وفي أي حال، يبدو واضحا تماما ان انتقال دول مجلس التعاون الخليجي من سياسة رد الفعل والتأني والاستيعاب، حرصا على الهدوء الاقليمي، لم تعد تجدي، ولهذا نشهد الآن بداية الانتقال الى سياسة الرد الحازم ومواجهة التدخلات الايرانية بموقف موحد رافض وصريح. ولا شك في ان التصعيد الايراني غير المسبوق ضد السعودية انما هو دليل صارخ على مدى الضيق في طهران، اولا من نجاح دول الخليج في اقفال بوابات التسرب الايراني الى البحرين والذي يريد التمدد في كل المنطقة، وثانياً من التحرك السعودي الخليجي للحيلولة دون وقوع اليمن في فوضى عارمة، تتيح لطهران التدخل لفرض دورها كقوة اقليمية اوصلت نفوذها الى شاطئ البحر الابيض المتوسط. وعندما ينظر الرئيس محمود احمدي نجاد الى دول الخليج العربي على انها دول اجنبية، يصبح مفهوما مدى خطورة هذه المرحلة التي تستدعي مزيدا من الوعي والتكاتف العربيين !
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك