ست وثلاثون سنة مرّت من 13 نيسان 1975 يوم مجزرة بوسطة عين الرمانة الى مسلسل المجازر في لبنان والحروب وتهجير القرى واحراقها، واقامة المتاريس وكل ذكريات الحرب والصور السوداء التي عشناها.
مضى قطار العمر ونحن في سن الـ 18 سنة ووصلنا بعد 36 سنة وقد مضى قطار العمر وما زلنا في الأزمات. في عام 1975 كان الانقسام بين الجبهة اللبنانية والحركة الوطنية، وكان انقساما حادّاً لم يكن احد فيه وسطياً، وكان الوسطي هو الخائن وهو المتخاذل والجبان برأي فريقيّ الصّراع، اي الجبهة اللبنانية والحركة الوطنية. من كان يقول انّه مع السلاح الفلسطيني ضدّ اسرائيل وليس في الداخل كان الاتهام يوجّه اليه انه يخون سيادة لبنان ومن كان يقول بـ «لا للسّلاح» كان عميلا اسرائيلياً، تلك كانت لحظات وايام سنة 1975 عشناها، قرأناها في الصحف، سمعناها في الخطابات، امضينا الوقت في التصريحات بشأنها، وكان قطار العمر يمضي، وكل شهر نقول الشهر القادم تنتهي الازمة وتتألف الحكومة، وكانت الحكومات تتساقط الواحدة تلوى الأخرى، من حكومة الرئيس رشيد الصلح الى حكومة الرئيس امين الحافظ الى حكومة الرئيس نور الدين الرفاعي الى حكومة الرئيس كميل شمعون بالوكالة، الى حكومة الرئيس الشهيد رشيد كرامي، والى حكومات وحكومات لم تكن تعيش الا لأشهر وأحياناً لأيام، وكان الصّراع على وزارتي العدل والخارجية، والجبهة اللبنانية كانت تريد وزارة الخارجية والزعيم الراحل كمال جنبلاط كان يريد وزارة الداخلية وكان الصراع على الحقائب والحكومة غير موجودة.
مضى قطار العمر يومها والى لحظتنا هذه، ونحن نعيش المنظر ذاته، ونحن نشهد الصورة ذاتها، ولكن أموراً كثيرة تغيّرت، استشهد 200 ألف لبناني، هاجر مليون ونصف لبناني، تمّ تهجير نصف مليون لبناني واكثر داخل لبنان، حمل اللبنانيون امتعتهم وهاجروا وفي قلبهم غصّة على الوطن الى كندا الى اوستراليا الى اميركا الى البرازيل والى فنزويلا تاركين وراءهم أمّاً أو أباً في منزل فارغ من الأولاد او تاركين وراءهم قراهم وملعب صباهم وذكريات عمرهم. اما الذين تهجّروا داخل لبنان فكان التنفيذ بقرار لبناني بوحشية بحرق البيوت، بقطع رؤوس الناس من اللبنانيين الأبرياء، وعشنا انقسام الجيش اللبناني، وعشنا انقسام المؤسسات.
اليوم في عام 2011 يأتي 13 نيسان مجدّداً وهي ذكرى مؤلمة للغاية، والانقسام حادّ الى اقصى الحدود بين جبهتي 14 آذار و8 آذار والشهداء كثيرون والإغتيالات تواصلت وتوقّفت ولا احد يعرف متى تعود، وفرغت سدّة رئاسة الجمهورية لأشهر، ثم انعقد مؤتمر الدوحة وتمّ انتخاب العماد ميشال سليمان على اساس وفاقي، لكن الوفاق لم يحصل فلا طاولة الحوار موجودة، ولا الحكومات استطاعت ان تفعل شيئا، ونحن اليوم من دون حكومة، والغريب في الامر أنه يوماً تكون الاكثرية في هذه الضفّة ويوماً تكون الأكثرية في الضفّة الأخرى، فيما احداث عربية غير مسبوقة تحصل على مدى العالم العربي كلّه حتى انها وصلت الى حدود لبنان في سوريا وذلك ضمن مخطّط اميركي ـ اسرائيلي لتقسيم المنطقة العربية كلّها وإفراغ ثرواتها تحت عنوان مشروع هو الديموقراطية، لكن هذه الديموقراطية لم تؤت لنا الا بالتقسيم والفوضى. ولكن لنفرح قليلاً، لننظر الى عام 2011، استباحتنا اسرائيل طوال 30 سنة قاومناها وحرّرنا الجنوب واستعاد لبنان سيادته على الجنوب والقسم الأكبر من البقاع الغربي، ولنفرح لاننا هزمنا اسرائيل سنة 2006 في حرب عدوانية شنتّها طوال 33 يوماً واندحر جيشها ولم يستطع التقدّم كما كان يتنزّه من مستعمرة كريات شمونه الى بيروت دون ان يقول له احد كلمة او يجري اطلاق الرصاص عليه، لنفرح قليلاً بأن عملاء الموساد باتوا يقعون في شباك اجهزتنا الامنية وانه بات لدى لبنان اجهزة امنية قادرة على محاربة جهاز الموساد الخطير ومنع الاختراق الإسرائيلي، ولنفرح لأن اسرائيل لم تعد تستطيع فرض توطين 400الف فلسطيني في لبنان، طالما ان صواريخ حزب الله موجودة في الجنوب او في لبنان من الضاحية الجنوبية الى البقاع الى الجنوب، وان فرض اي تسوية اسرائيلية على لبنان لن تمرّ، فالشعب اللبناني سيرفض التوطين والجيش اللبناني لا يريد ولا يستطيع مهاجمة اسرائيل، لكنه سيقاومها ولا يتركها تدخل وزارة الدفاع كما فعلت سنة 1982. اما المقاومة فهي عنوان الحفاظ على السيادة والقدرة على الردع ومقاومة الهيمنة الاسرائيلية وفرض شروط اسرائيلية علينا، ولن تستطيع اسرائيل فرض التوطين طالما ان هنالك مقاومة مستعدّة للقتال ضدّها، ولن تمرّ سنوات، كما يحلو لإسرائيل ان تفعل، وتترك الشعب الفلسطيني في المخيمات، بل ان زمناً قريباً آت قد يخرج فيه الفلسطينيون من المخيّمات ويقاتلون اسرائيل على الحدود الجنوبية مقابل الجليل المحتلّ، ونحن لسنا دعاة حرب بل نحن شعب منفتح ومتميّز، فتح ثغوره البحرية عبر التاريخ باتجاه العالم من حيفا الى صور الى صيدا الى جبيل الى طرابلس الى رأس شمرا الى اوغاريت. وكنّا رسل حضارة وانفتاح على العالم ومازلنا، مقابل شعب اسرائيلي لا يؤمن الا انه شعب اللّه المختار ويريد اغتصاب فلسطين وتهجير شعبها وترك المشكلة لدى الدول العربية بشأن اللاجئين في وقت تقوم فيه اسرائيل بتغيير هوية القدس المقدّسة لدى المسلمين والمسيحيين، وان زمناً آت لن يُسمح فيه لإسرائيل بأن تتصرّف كما تريد.
من 13 نيسان 1975 الى 13 نيسان 2011 الإنقسام الداخلي ما زال، وهو محزن، ومن 13 نيسان 1975 الى 13 نيسان 2011 التصريحات والهجومات متواصلة بين الأفرقاء السياسيين وهو امر مؤسف للغاية، كأن الفريق السياسي اللبناني الذي يحكم لبنان لم يأخذ العبر ولم يتعلّم شيئا، فمضى قطار العمر من عام 1975 الى عام 2011 والانقسام ما زال على اشدّه في لبنان ولكن امراً تغيّر، وهو اساسي، ان لبنان بات يمتلك مقاومة تدافع عن ارض لبنان، عن سيادته، عن عزّه، عن شعبه وعنفوان لبنان وارض لبنان وتهزم اسرائيل، وان الاجهزة الامنية اللبنانية تعتقل عملاء اسرائيل وتمنع اختراقها للساحة اللبنانية، فلنفرح بهذا الأمر، ولنطلب من 8 آذار و14 آذار ان يرحموا الشعب اللبناني وان يتركوا خلافاتهم وانقساماتهم، وان يقولوا ان مصلحة لبنان العليا هي فوق مصالح 14 آذار و8 آذار، ، لعلّ الفريق السياسي يكون بعد 36 سنة قد تعلم عبرة اساسية وهي الوحدة الوطنية، ولنفرح بالمقاومة القادرة على ردع اسرائيل، ولنفرح انه بات لنا قوّة من جيش ومقاومة قادرين على الوقوف في وجه اسرائيل لان مشكلة لبنان الاساسية هي اسرائيل، هي ذاك العدوّ الذي يتربّص بنا، لا يريد الخير لنا، هذا العدوّ الإسرائيلي الذي كان يفرح لأنهر من الدمّ اللبناني الذي يسيل في الحرب الداخلية.
تعالوا نفرح عام 2011 ونقول ان لبنان لم يعد ضعيفاً، بل اصبح قوياً ولكنه ضعيف بخلافاته السياسية الداخلية، فهل تستيقظ 14 آذار و8 آذار على المشهد الذي كان سنة 1975 بين الجبهة اللبنانية والحركة الوطنية، وتقرّر التوحّد على مبادئ لبنان وهي ان السلاح يكون ضدّ اسرائيل فقط، وانه لا بدّ من ان تأخذ العدالة مجراها بشأن سقوط الشهداء واغتيالهم ولكن على ادلّة واضحة وليس على اساس شهود زور. في كل الاحوال يستحقّ لبنان التضحية، فهل حركة 8 آذار مستعدّة للتضحية والخروج من بعض الانانيات؟ وهل 14 آذار مستعدة للتضحية من اجل مصلحة لبنان؟
كدنا نصل الى الحلّ في المؤتمر الذي جرى الإعلان عن انه كان سيتمّ انعقاده في الرياض للمصالحة الشاملة، وكان حلم في ليلة ظلماء ذهب ورحل. فهل يمكن ان نعود الى الوحدة الوطنية لتكتمل صورة لبنان القويّ بجيشه ومقاومته وشعبه؟
ليت 8 آذار و14 آذار يقومان بذلك، ويجعلاننا نخرج من نفق الظلام، من نفق تأليف الحكومات، من نفق توزيع الحقائب، من تفاصيل توزيع الاسماء على الحقائب، وكلّها تفاصيل تافهة امام المخاطر الكبرى التي يتعرّض لها لبنان ويتعرّض لها العالم العربي كلّه.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك