يوم 24 آب 2006 (06BEIRUT2735)، التقى رئيس تيار المستقبل سعد الحريري أحد كبار الموظفين في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، بنيت تالوار، وأحد الدبلوماسيين السياسيين العاملين في السفارة الأميركية في بيروت. جزء كبير من اللقاء خصّصه الحريري للحديث عن الشؤون الإقليمية، وخاصة في سوريا. قال إن النظامين السوري والإيراني يمثّلان العقبة الكبرى أمام السلام في المنطقة. وبرأيه، حاولت حكومة الولايات المتحدة الأميركية «تغيير سلوك النظام» السوري، لكن من دون جدوى. فـ«إسرائيل تحمي النظام السوري بسبب خوفها من المجهول». وبحسب الحريري، «فإن اللحظة مؤاتية لكي يُضعف المجتمع الدولي بشّار». حكومة الولايات المتحدة الأميركية «بحاجة إلى سياسة واضحة وجديدة لعزل سوريا». باعتقادي، يقول الحريري، «إذا لم تعزلوا سوريا ولم تفرضوا حصاراً، فإنهم لن يتغيروا. عبر إخضاع سوريا، تزيلون الجسر الإيراني الرئيسي لأداء دور مثير للمشاكل في لبنان وفلسطين». إذا أضعفتم سوريا، أضاف سعد، فستكون «إيران مضطرة للعمل وحيدة. السعوديون والدول العربية الأخرى ضاقت ذرعاً بالشاب بشّار، ولم تعد تريد محاولة استخدام مقاربة تصالحية مع النظام السوري. وبعد الخطاب الأخير لبشار الذي هدّد فيه بحرب أهلية في لبنان، لم يعودوا مهتمّين بالتحدث مع دمشق». يقول سعد إنه «سمع ذلك من السعوديين مباشرة، وإن الأمير بندر ينقل هذه الرسالة إلى واشنطن حالياً».
وحاجج سعد الحريري قائلاً «يجب التخلص من النظام السوري كلياً. لطالما عاش هذا النظام على النزاعات. وهذه النزاعات ستنتهي عند التخلص من النظام».
سُئل الحريري عمّن يمكن أن يملأ الفراغ في حال سقوط النظام في دمشق، فأجاب بالحديث عن النسب الديموقراطية المذهبية في سوريا، قبل أن يقترح «شراكة بين الإخوان المسلمين السوريين، وبعض الشخصيات التي كانت جزءاً من النظام في السابق، كعبد الحليم خدام وحكمت الشهابي («رغم أن الأخير لا يزال قريباً من النظام») لملء الفراغ». وعلى ذمّة البرقية الأميركية، زعم الحريري أنّ حركة الإخوان المسلمين في سوريا «مشابهة في صفاتها للإسلاميين المعتدلين في تركيا. سيقبلون مسيحياً أو امرأة في رئاسة الجمهورية. إنهم يقبلون حكومة مدنية. كما في تركيا كذلك في سوريا. حتى إنهم يدعمون سلاماً مع إسرائيل». وقال الحريري إنه يحافظ على صلات قوية بكل من خدام ومرشد الإخوان المسلمين في سوريا المنفي علي البيانوني، ملحّاً على الأميركيين بأن يتحدثوا «مع البيانوني: انظروا كيف يبدو. سترون العجائب».
لكن الحريري لفت إلى أن «سوريا ليست سوى جسر لمشكلة أكبر هي إيران، وشبكتها لدعم الإسلاميين، بينهم حزب الله وحماس، هي مركز التحكّم».
كان النظام السوري في تلك الأيام مصدراً لكل الشرور بالنسبة إلى الحريري. وصل به الأمر إلى حدّ البعث برسالة إلى السفارة الأميركية في بيروت (06BEIRUT3021، 18 أيلول 2006) يقول فيها إنه تلقّى معلومات من مصدر لم يسمّه تتحدث عن استيراد الاستخبارات السورية لمواد كيميائية عبر ميناء طرطوس، مشيراً إلى أن هذه المواد، وهي كناية عن غاز أعصاب، ستستخدم خلال شهر أيلول 2006 ضد هدف من قوى 14 آذار أو من الأمم المتحدة في لبنان. ولفت تقرير الحريري الاستخباري إلى أن هذا الاعتداء سيُنسب إلى تنظيم القاعدة. ويتضمّن التقرير معلومات تفصيلية عن الإجراءات التي اتخذتها السلطات السورية خلال نقل هذه المواد، بعدما سقطت إحدى الحاويات وسبّبت وفاة خمسة بحارة سوريين وإصابة 47 آخرين. وبعد سوريا، يأتي حزب الله في ميزان العداء عند الحريري. كان الحصار الإسرائيلي لا يزال مفروضاً على لبنان بعد حرب تموز 2006. رأى الحريري (في البرقية 06BEIRUT2735، 24 آب 2006) أنّ استمرار الحصار يؤدي إلى «قتل ثورة الأرز». كذلك هو يُظهر الحكومة اللبنانية بلا سلطة، في مقابل صوَر انتصار حزب الله، الذي يوزع مبلغ 10 آلاف دولار أميركي على كل عائلة دُمّر منزلها. وأعلن الحريري أمام زائره الأميركي أن لبنان هو «الديموقراطية المعتدلة الوحيدة في الشرق الأوسط، لكنها تتعرض للقتل ببطء».
يؤكد سعد أن إيران وسوريا تهرّبان السلاح إلى لبنان عبر البرّ، لا عبر البحر والجو، متحدثاً عن نشر 8400 جندي من الجيش اللبناني في منطقة الحدود اللبنانية ـــــ السورية، بصمت. وأثار رئيس تيار المستقبل مسألة حاجة الجيش للتجهيزات والمعدّات، سائلاً «عن جدوى توقّع أن يمثّل الجيش اللبناني عقبة في وجه حزب الله، فيما ذخائره لا تكفيه أكثر من أربع ساعات»، قبل أن يعلّق قائلاً «إن هذا سخيف».
ينفي الحريري أن يكون الجيش اللبناني مُختَرَقاً من حزب الله، مؤكداً أن المؤسسة العسكرية صادرت أخيراً صواريخ تابعة للحزب. وفوجئ الزائر الأميركي بالحريري يصف مدير استخبارات الجيش اللبناني العميد جورج خوري بأنه مقرّب من سوريا، في مقابل وصف قادة 14 آذار الآخرين، مثل وليد جنبلاط، لخوري، بأنه «رجل جيّد».
كان الحريري في تلك الأيام لا يزال يراهن على أن الشيعة في لبنان سيتخطّون سريعاً الشعور بالانتصار، وسينتهي مفعول المال الذي وزّعه حزب الله على أصحاب المنازل المدمرة، ليتساءلوا «عما سيشتغلونه، وعمّا سيأكلونه». يضيف الحريري أنه سيكون من الصعب تشجيع أي نوع من الاستثمارات في لبنان إذا بقي حزب الله مسلّحاً.
يؤكّد زعيم تيار المستقبل أنّه قطع كل علاقاته بحزب الله. فهو يريدهم أن «يغيّروا سلوكهم، وأن يسلّموا أسلحتهم، وإلا فسيواجهون مشكلة معي». يجزم بأنه لن يعود إلى طاولة الحوار قائلاً لسائله: «ماذا؟ الحوار الوطني من جديد؟ أتريدني أن أجلس في الغرفة نفسها مع حسن نصر الله في الوقت الذي يعرف الإسرائيليون أين هو بالتحديد؟».
يريد الحريري من حزب الله أن يسلّم أسلحته، ويطلب من الأميركيين تسليح الجيش اللبناني. لكن زعيم الغالبية النيابية في بلاد خارجة للتو من حرب مدمرة، يؤكد لوفد من الكونغرس الأميركي زاره بعد أقل من 45 يوماً على وقف الأعمال العدائية (06BEIRUT3126، 27 أيلول 2006) أنّ لبنان «لم يطلب، وليس بحاجة إلى صواريخ باتريوت ولا لطائرات أف ـــــ 15 أو أف ـــــ 16 ولا لمروحيات أباتشي، بل إلى أسلحة خفيفة وبعض المروحيات ليفرض سيادته على كل أراضيه». وبرأي الحريري أن انتشار الجيش اللبناني في الجنوب هو أكبر ضربة تلقّاها حزب الله. «فهم لا يستطيعون إطلاق الصواريخ من الجنوب بعد اليوم. حتى السكان الشيعة في الجنوب سينقلبون عليهم. الشعب بدأ حالياً يقتنع بأن حزب الله مسؤول عن تدمير حياته. وإذا تمكّن الجيش من إعادة تثبيت وجوده وسيادته، فسيدركون أن الحكومة اللبنانية هي حلّال مشاكلهم لا حزب الله، وأن حزب الله ليس سوى عميل لإيران». أضاف الحريري أمام أعضاء الكونغرس الأميركي أن «أولئك الذين كانوا يعارضون حزب الله سابقاً، سيكونون مطلَقي الحرية في معارضته، وربما سيبدأون بمواجهة بعض نشاطاته، ومنها سرقة الكهرباء وتبديدها».
رئيس الوفد الأميركي، عضو الكونغرس راي لحود، سُرَّ بما سمعه عن كون الجنوبيين بدأوا يتحرّرون من سطوة حزب الله، فقال له الحريري: «ستسمع المزيد من ذلك». كذلك أكّد زعيم الأغلبية النيابية حينذاك التزامه بالقرار 1701، مشيراً إلى وجود فرصة لإخراج لبنان من المسار الإقليمي الذي حوّل لبنان إلى «ساحة حرب بين جيرانه. لبنان هو الديموقراطية المعتدلة الوحيدة في الشرق الأوسط. نحن النموذج، لا الإخوان المسلمون في مصر، على سبيل المثال».
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك