إذا صحّ أن الرئيس نجيب ميقاتي أطفأ مع الغالبية نار الأحجام، فالأصحّ أيضاً أن نار الحقائب ستحتاج إلى وقت طويل لإطفائها. يقارب ميقاتي والرئيس ميشال عون توزّع الحقائب من منطقين متناقضين، لا يجمع بينهما سوى تأخير التأليف إلى أمد جديد
لا يبرّر عدم استعجال تأليف الحكومة إلا وطأة السقوف العالية التي يرفعها الأفرقاء المعنيون به. وهم بذلك يتساوون بلا استثناء في حمل وزر التأخير ما داموا محوراً رئيسياً من المشكلة، ومحوراً رئيسياً كذلك من الحلّ. ووفق مبدأ أن المسمار يخلع آخر، ما إن يصير تفاهم على تذليل جزء من العقبات حتى يطفو على السطح جزء آخر يضاعف من العراقيل، ويدفع بالتأليف إلى أجل غير مسمى.
وهو الانطباع الذي يسود المراجع المعنية بتأليف الحكومة في ضوء معطيات اليومين المنصرمين، وقد عزّزت لدى الفريقين المعنيين الشكوك في أن أياً منهما لا يستعجل التأليف في ظلّ إصراره على إبقاء السقوف أعلى من أن تطال.
يتطابق هذا الانطباع مع موقف سوري لامبال حيال المأزق الحكومي، عبّر عنه الاثنين الماضي الرئيس السوري بشّار الأسد لدى استقباله طه ميقاتي، شقيق الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، متسائلاً عن الدوافع الكامنة وراء تأخير تأليف الحكومة. ومن غير أن يسهب في موقف لم يتعدَّ الاستفسار، حضّ الأسد على استعجال إنجاز التأليف. بعد عودته إلى بيروت، سافر طه ميقاتي إلى أوروبا في زيارة خاصة تستمر أسبوعاً، هي بدورها مؤشر إجازة لأسبوع إضافي من تأجيل التأليف، نظراً إلى الدور الذي يضطلع به الشقيق الأكبر لدى دمشق، كمعاون رئيسي للرئيس المكلف.
والواقع أن الرئيس المكلف يتفادى زيارة دمشق قبل إبصار حكومته النور، كي لا يُستشم من الزيارة المبكرة أنها طلب للمؤازرة على تذليل العراقيل من طريق التأليف. وكان ميقاتي أسرّ لشخصية بارزة أن زيارته الرسمية الأولى خارج لبنان، بعد صدور مرسوم التأليف ونيل حكومته الثقة، ستكون للعاصمة السورية، تليها زيارة للسعودية ثم فرنسا. وحتى ذلك الوقت، يفضّل ميقاتي إبراز دوره في التأليف تبعاً لعاملين متلازمين:
أولهما، أنه يستمده من صلاحياته الدستورية التي تنيط به وبرئيس الجمهورية التأليف.
ثانيهما، أنه يريد لبننة الاستحقاق الحكومي على نحو يُظهره، أكثر من أي وقت مضى، على أنه إنجاز لبناني محض أتمّه وفق أحكام الدستور، وبتوافق مع الأفرقاء شركائه في مجلس وزراء الحكومة الجديدة، ومن دون أي تدخّل خارجي من أي جهة أتى.
مع ذلك، يواجه التأليف في مرحلة ما بعد تحديد الأحجام المتقابلة في الحكومة، وهو حصول قوى 8 آذار على 19 وزيراً وفريق المستقلين (الرئيسان ميشال سليمان وميقاتي ورئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط) على 11 وزيراً، عقبات لا تقلّ تعقيداً عن الأيام الـ79 المنصرمة منذ التكليف، وخصوصاً ما يتصل منها بتوزيع الحقائب على الطرفين. ورغم أن تقاسم بعضها بات من باب لزوم ما لا يلزم لجهة تحديد مرجعيتها السياسية وتسمية مرشحيها كحقيبتي الخارجية والصحة عند رئيس المجلس نبيه برّي، وحقيبة الأشغال العامة والنقل عند جنبلاط، والمال عند الوزير محمد الصفدي حليف ميقاتي، ويصحّ ذلك على حقائب أخرى، بات معلوماً المكان الذي سترسو عليه كالتربية عند السنّة، إلا أن فضّ الاشتباك الجديد بين الرئيس المكلف والرئيس ميشال عون، في توزيع الحقائب بعد تحديد الأحجام، دونه صعوبات مماثلة، يتركز بعضها حول المعطيات الآتية:
ـــــ يرفض ميقاتي إعطاء عون حقيبتي الاتصالات والطاقة معاً، وهو يفاضل بينهما وفق معادلة أن الاتصالات التي تدخل مداخيل ضخمة إلى الخزينة والطاقة التي تستنزف مداخيل ضخمة منها، ينبغي ألا تؤولا معاً إلى فريق واحد، أياً يكن، وخصوصاً ـــــ وفق ما يورده الرئيس المكلف ـــــ أن وزير الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال يحتجز مبلغاً ضخماً من إيرادات وزارته لا يودعه في وزارة المال. لا يريد ميقاتي تكرار السابقة في حكومته.
مغزى ذلك أن على عون أن يختار إحداهما: الطاقة أو الاتصالات، لكن ليستا معاً. في المقابل يتمسّك الجنرال بحقيبة الطاقة، ويتمسّك وحزب الله بحقيبة الاتصالات التي يريدها الحزب في يد حليفه عامل اطمئنان إلى الدور الذي يمكن أن تضطلع به ما دامت الحقيبة تدخل في نطاق سلامة المقاومة وحماية سلاحها من أي اختراق. أما ميقاتي، فيقرن فصله بين حقيبتي الطاقة والاتصالات بالتأكيد أنه لا يريد الثانية في حصته.
ـــــ يرغب الرئيس المكلف في تحميل عون 4 وزراء دولة من 6 وزراء دولة تتكوّن منهم في الغالب الحكومة الثلاثينية، من مجموع حصة تكتل التغيير والإصلاح التي تضم 10 وزراء، ولا يبقى عندئذ من وزراء الدولة سوى اثنين يوزّعان على القوى الأخرى.
ـــــ يتحفظ ميقاتي عن وضع حقيبتين في يد النائب السابق فايز غصن ممثلاً النائب سليمان فرنجية في الحكومة، ويفضّل أن يقصر حصته على وزارة الدفاع الوطني، على أن يسمّي نائباً لرئيس مجلس الوزراء من حصته، وهو الأرثوذكسي نقولا نحاس. بيد أن فرنجية يصرّ بدوره على الحقيبتين ما دام سيحوز وزارة دولة لوزير ماروني يسميه هو النائب سليم كرم.
ـــــ طرح الرئيس المكلف توزير أرثوذكسي في حصة رئيس الجمهورية هو جورج عسيلي، ونظر إليه على أنه يمثل تقاطعاً بين الرئيسين. وعسيلي صناعي ومستشار مالي لمصارف عدة، ويتداول الرئيس المكلف اسمه من ضمن سلة وزراء تكنوقراط يطعّم بهم حكومته.
ـــــ لا يزال ميقاتي متشبّثاً بعدم توزير فيصل نجل الرئيس عمر كرامي، وكان أرسل إلى الأخير اقتراحاً بأن يسمّي وزيراً آخر غير نجله يختاره من عكار أو من المنية أو من الضنية. لا يتحمّس لتوزير أحد من المعارضة السنّية التي يريد حزب الله تقدير وقوفها إلى جانبه. وما يصحّ على كرامي الابن يصحّ أيضاً على النائب السابق عبد الرحيم مراد. وكان ميقاتي بذل جهداً لدى الوزير السابق بهيج طبّارة، الأسبوع الماضي، عبر وسيط جسّ فيه مجدّداً نبض إمكان مشاركته في الحكومة، مقترحاً عليه حقيبة التربية. اعتذر طبّارة للوسيط، ولم يرَ الوقت ملائماً للاضطلاع بدور في المرحلة المقبلة.
ـــــ يريد ميقاتي لحصة التيّار الوطني الحرّ ثلاثة وزراء موارنة من دون إعطائه حقيبة الداخلية، على أن يكون الماروني الرابع لفرنجية، والمارونيان الآخران أحدهما لرئيس الجمهورية والآخر يمثّل تقاطعاً بين ميقاتي وسليمان، الأمر الذي ينظر إليه الجنرال على أنه استفزاز متعمّد، في وقت أكد فيه تمسّكه بأربعة وزراء موارنة على الأقل لتيّاره، وخامس لفرنجية، ومن غير أن يؤيّد توزير ماروني لرئيس الجمهورية.
كل ذلك قبل أن يؤتى على ذكر المشكلة الأم في الحقائب، المتشعّبة النزاعات، والواقعة بين سليمان وعون وميقاتي وعون، وهي حقيبة الداخلية.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك