هل ما زال في امكان الرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي القيام بالمهمة التي تصدّى لها طائعاً مختاراً قبل نحو ثلاثة أشهر؟
هذا السؤال دأب على طرحه اخيراً بعض قيادات قوى الاكثرية الجديدة انطلاقاً من تقديرهم ورؤيتهم لكمّ التعقيدات الكبيرة التي باتت تطوق الرئيس المكلف وتحدّ من قدرته على انجاز ما وعد به، وليس من باب التشكيك برغبة الرجل في أن يصير رئيساً كامل الاوصاف والمواصفات لحكومة عادية وليس لحكومة انتقالية عابرة على غرار "التضحية" به في ربيع عام 2005 اي في تلك الظروف الاستثنائية التي كانت تمر بها البلاد في اعقاب الحدث الجلل المتمثل باغتيال الرئيس رفيق الحريري.
اذاً، طرح السؤال السابق بهذه الصيغة ينطوي من جانب طارحيه على تخوفات ومحاذير ثلاثة:
الاول: الخشية الحقيقية من أن تأخذ عملية التأليف وقتاً اطول مما هو مرتقب او متخيل، على نحو تتهاوى معه كل الأجواء التفاؤلية التي سرت منذ نهاية الاسبوع المنصرم.
الثاني: الخشية من ان تكون فرصة التأليف التي سنحت بُعيد تكليف ميقاتي قد تبددت بفعل المستجدات التي لم تكن اصلاً موجودة وقتذاك. ففي ذلك الحين لم يكن الوضع العربي برمته على هذه الدرجة من الغليان والتوتر والانفلاش، وفي ذلك الحين ايضاً لم يكن الوضع السوري على هذا الصفيح الساخن، من دون ان ننسى ان الاشتباك بين ايران ودول مجلس التعاون الخليجي، لم يكن على هذه الدرجة من الحدّة غير المسبوقة حتى ابان الحرب العراقية – الايرانية في الثمانينات من القرن الماضي. وقبل نحو شهرين ايضاً كان "الزخم" الداخلي الذي رافق عملية تكليف ميقاتي في مستوى اعلى مما هو عليه الآن، ولم يكن "الهريان" الامني الذي تجلّت ذروته في انتفاضة سجناء سجن رومية التي كشفت "عورة" النظام الامني والقضائي اللبناني، اضافة الى خطف الاستونيين السبعة في وضح النهار من غير أن تبادر الاجهزة الامنية الرسمية المعنية الى تقديم ايضاحات تبدد الالتباسات المحيطة بهذه العملية وتدرأ عن هذه الاجهزة الشبهات الكثيرة. كذلك لم تكن عملية الاستيلاء الواسعة النطاق على الاملاك العامة في بعض مناطق الجنوب على هذه الوتيرة العالية، والتي تكشف في طياتها الكثير من الثغر.
الثالث: الخشية من أن تكون عملية تأليف الحكومة قد دخلت في مرحلة انكشاف لواقع كان خلال الايام التسعين التي مضت سياسياً يمكن مداراته بـ"مكياج سياسي" يغطي نتوءاته وتجاعيده، وكان هذا الامر يترك الباب مفتوحاً امام امكان تعبئة الوقت واستهلاكه سواء من خلال القول إنه يتعين استنفاد فرصة الاتصال والوقوف على رأي الفريق الآخر (14 آذار) ودعوته الى المشاركة، لسلبه حجة قوية مستقبلاً، وهو امر بقي مفعوله مستمراً اسابيع عدة، او من خلال الزعم ان الرئيس المكلف بحاجة الى حيز من الزمن كي يستطيع ان يتعرف عن كثب على توجهات ورغبات حلفائه ورفاقه الجدد في رحلة الحكم التي توشك ان تنطلق، وكي يستطيع ان يدوّر زوايا العلاقة الحادة بين بعض مكونات هذه الاكثرية ورئاسة الجمهورية، فضلاً عن معادلة "الاحجام" والقوى داخل التركيبة الحكومية الجديدة، ولا سيما ان هذه التركيبة ستكون بشكل او بآخر تكريساً لتجربة سياسية جديدة كل الجدة كونها تخلو للمرة الاولى منذ زمن ليس بالقصير من ظل الحريرية السياسية.
وبعدما مرت الـ48 ساعة ولم تبصر الحكومة الجديدة النور، ظهر في اوساط الاكثرية الجديدة من قال بصراحة ان "المكياج" السياسي الذي استعمل في الفترة الماضية قد فقد قدرته على الفعل والتأثير، والقيام بدوره السابق، وتالياً انكشف الواقع السياسي أمام واقع يبدو مريراً. عنوانه العريض ان عملية تأليف الحكومة ما زالت صعبة، وانها محاصرة بمعطيات ووقائع داخلية وخارجية غاية في التعقيد.
هل هذا يعني ان عملية التأليف بلغت مرحلة المأزق؟
البعض من رموز الاكثرية يفضل أن يطلق عليها "شفا الأزمة" أي انها اكثر من مشكلة وأقل من مأزق.
ثمة في دوائر الأكثرية الجديدة من يجد أن الواقع السياسي الجديد الذي اتضح عجزه عن تأليف الحكومة العتيدة في الوقت المعقول، يطوي في ثناياه العوامل والمعطيات الثلاثة مجتمعة، وبالتالي يفرض معادلة سياسية جديدة، عنوانها العريض المراوحة والمماطلة وانتظار جلاء المشهد الاقليمي وعلى أي صورة سيستقر.
واللافت في الأمر كله ان أياً من الاطراف المعنيين بالعملية السياسية، سواء من الأكثرية أو الأقلية أو ما بينهما لن يرفع عقيرته بالصراخ والاحتجاج على تأخر ولادة الحكومة العتيدة. فالرئيس المكلف الذي اضطر بالامس الى أن يخرج عن الصمت الذي اعتصم به طوال الاسابيع الثلاثة الاخيرة ليبرر الحاجة الى مزيد من التشاور، وهي حجة لم تعد ذات قيمة عالية، سيأخذ وقته لئلا يضطر الى تأليف حكومة ترضي سوريا مثلاً، ولكنها لن تكون موضع رضى السعودية. أما قوى الأكثرية الجديدة فهي ستكيف نفسها وجمهورها على الانتظار، والمراوحة، انطلاقاً من اعتقاد ضمني لديها، بأن لا ضير من الانتظار لاجلاء صورة التطورات الاقليمية ولا سيما في سوريا، خصوصاً انها تقيم على اعتقاد فحواه ان الامور سائرة لمصلحة النظام هناك وخلافاً لرغبات خصومه.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك