تعددت الأنظمة العربية والقاسم المشترك بينها واحد: حاكم فرد وسجن جماعي. ولكل نظام تاريخان: واحد مزيّف للحاكم مكتوب على ورق الخطابات الرسمية، وآخر حقيقي للشعب مكتوب على جدران الزنازين في السجون. فلا أحد يجهل أسماء السجون الرهيبة في العالم العربي التي صارت أشهر من الجامعات. ولا شيء في مصر ينافس الأهرام في الشهرة أكثر من سجن (ليمان طرة). واذا كانت الأهرام شاهداً على تاريخ مصر القديم وحضارتها، فان سجن (ليمان طرة) شاهد على تاريخها الحديث أيام الملكية والجمهورية معاً. فالطريق اليه كما الى سواه من السجون هو في اتجاه واحد: النزلاء هم معارضو النظام. وعلى مدى عقود من الملكية ثم الجمهورية، فان النزلاء تنوّعوا من دون أن يتبدّل الاتجاه. والكل تقريباً مرّ من هنا: الشيوعيون، الأخوان المسلمون، الليبراليون، الأصوليون، الصحافيون، المدونون، رجال الفكر، وأهل الرأي. أما الآن، فان الاتجاه تبدّل.
ذلك ان مصر تكرر مفاجأة نفسها والعرب والعالم: من (ثورة 25 يناير) الى حبس فرعون. فالثورة الشعبية خربطت حسابات كانت تبدو ثابتة بالنسبة الى أصحابها في الداخل والخارج. وإصدار القضاء مذكرات توقيف في حق الرئيس السابق حسني مبارك ونجليه علاء وجمال ورموز نظامه من قادة الحزب الوطني ورؤساء مجلسي الشعب والشورى والحكومات والوزراء ورجال الأعمال هو سابقة مهمة في كتاب المراقبة والمحاسبة الذي لا مكان له في الأنظمة العربية. فضلاً عن ان التهم خطيرة: الأمر بقتل المتظاهرين، استغلال النفوذ، سرقة الأموال العامة والخاصة، الفساد، وما يسميه القضاء (التربح).
لكن حكام الأنظمة يكرّرون طمأنة أنفسهم الى الثبات في السلوك الذي يغضب الشعوب ويترك العالم حائراً. فالسجون مفتوحة لاستقبال المعتقلين. والرصاص جاهز للقتل وقمع التظاهرات. لا هم يصدّقون ان ما يرونه في الشارع هو مشهد يعبّر عن غضب الشعب وشوقه الى الحرية والكرامة والمشاركة: ولا هم يتعلمون من درس حسني مبارك الذي يقول وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس في حديث مع المعلق ديفيد اغناشيوس انه (لو قدّم التنازلات بصورة أبكر وأكبر لكان الآن لا يزال رئيس مصر). إذ ما يمارسونه هو شيء معاكس لدرسين قدمهما غيتس للقادة العرب: أولهما (السير الى أمام في التغيير عبر التبكير بالاصلاح). وثانيهما (تجنّب العنف لأنه يعطي مفعولاً عكسياً). وما يراهنون عليه هو لعبة التخويف والتخوين.
وحين تتخلص مصر من فرعون وتصدر مذكرة بسجنه. يتصرّف كل من العقيد معمر القذافي والرئيس علي عبدالله صالح كأنه فرعون ثابت والشعب موقت. لكن الدرس المصري سيف مصلت فوق رؤوس الأنظمة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك