أجرت لجنة الأمن الداخلي في الكونغرس الأميركي بناء لطلب رئيسها بيتر كنغ "عملية فحص للإسلام" لتحديد ما إذا كان المسلمون الأميركيون يستحقون المواطنة الأميركية.
هدف الفحص الذي أجرته اللجنة الإجابة على الأسئلة التالية: السؤال الأول هو لماذا استطاع تنظيم القاعدة بعد أن عجز عن مواصلة توجيه الضربات من الخارج الى الأمن الأميركي، أن يجنّد مسلمين أميركيين ليوجهوا اليها الضربات من الداخل؟
ومن الأمثلة على ذلك :
أنور العوقلي وهو من أصل يمني إلا أنه عاش ودرس وعمل في نيومكسيكو.
ومن الأمثلة كذلك عدنان شكري وهو من أصل سعودي نشأ في بروكلين وعاش لسنوات عديدة في فلوريدا، ويُعتقد أنه رئيس جهاز العمليات الخارجية في تنظيم القاعدة.
ومن الأمثلة أيضاً دافيد هيلي وهو من أصل أميركي من شيكاغو اعتنق الإسلام وتحوّل الى مستشار لتحديد العمليات الإرهابية، وكان منها العملية التي استهدفت مدينة مومباي في الهند في عام 2008.
ومن أكثر الأمثلة خطورة، نضال مالك حسن، العقيد في الجيش الأميركي، وهو من أصل فلسطيني. وقد قام في عام 2009 بقتل 13 عسكرياً أميركياً داخل ثكنة للجيش الأميركي في مدينة فورت هود بتكساس.
ومنها أخيراً، لا آخراً، الأميركي من أص باكستاني فيصل شهزاد الذي اعترف بوضع سيارة ملغومة في ساحة "تايم سكوير" التي تُعتبر قلب مدينة نيويورك بقصد تفجيرها وسط المارة في ساعة الذروة.
السؤال الثاني الذي تطرحه لجنة الأمن الداخلي في الكونغرس الأميركي هو هل يتعاون المسلمون الأميركيون مع أجهزة الأمن المختصة للمساعدة في الكشف عن العناصر الإرهابية من المسلمين المتطرفين الذين يوظفهم تنظيم القاعدة للقيام بالعمليات الإرهابية؟
لقد سبق لكل من رئيس جهاز الأمن الداخلي الأميركي (أف.بي.آي.) روبرت موللر والمدّعي العام الأميركي أريك هولدر أن اعترفا رسمياً بأن المسلمين الأميركيين يتعاونون بشكل إيجابي وبنّاء ومفيد جداً للكشف عن أمثال هؤلاء الإرهابيين.
ففي العام الماضي جرى اعتقال خمسة شبان أميركيين من أصل باكستاني في ضوء شهادات قدمها ذووهم أنفسهم الى سلطات الأمن الأميركية تتهم هؤلاء الشبان بأنهم توجهوا الى الباكستان وعادوا الى الولايات المتحدة بعد أن خضعوا لتدريبات عسكرية للقيام بأعمال إرهابية في الولايات المتحدة. ومن دون مبادرة عائلات هؤلاء الأشخاص ما كان للأمن الأميركي أن يكتشفهم، وبالتالي أن يحول دون قيامهم بالأعمال التي كلفوا بها وجرى تدريبهم على القيام بها.
وتضم لائحة أف.بي.آي. أسماء 120 أميركياً مسلماً متهمين منذ عام 2001 بالتخطيط للقيام بأعمال إرهابية تستهدف شخصيات حكومية ومواقع رسمية أميركية. إلا أن 48 إسماً من هؤلاء تمّ التعرف على أصحابها بمبادرات من المسلمين الأميركيين أنفسهم. وهذا يعني أنه ليس صحيحاً أن المسلمين الأميركيين أعداء لوطنهم الجديد وأنهم لا يستحقون المواطنة.. وبالتالي يجب توجيه الإدانة الجماعية لهم.
أما الأمر الثالث والأهم الذي تريد لجنة الأمن الداخلي الإجابة عليه، فإنه يطرح السؤال الخطير التالي: هل يوجد بين المسلمين متطرفون يقومون بأعمال إرهابية، أم أن الإسلام نفسه في عقيدته وفي ثقافته هو الذي يدعو الى الإرهاب ويحضّ عليه؟
كانت الإجابة على هذا السؤال بسيطة وواضحة. ففي عام 1995 قام مواطن أميركي مسيحي ينتمي الى الطائفة الإنجيلية ويدعى تيموثي ماك فاي بعملية إرهابية استهدفت مبنىً حكومياً في أوكلاهوما. أدت العملية الى تدمير المبنى والى مقتل المئات. وكان ذلك قبل ست سنوات من جريمة نيويورك التي استهدفت برجي التجارة العالمية. يومها سارعت أجهزة الإعلام وحتى مؤسسات أهلية ورسمية الى اتهام الإسلام.. ولكن تبين في ما بعد أن التهمة كانت تعكس ثقافة نمطية معادية للإسلام.. وهي الثقافة ذاتها التي تقف اليوم أيضاً وراء السؤال المطروح أمام لجنة الأمن الداخلي.
فالواقع هو أنه، كما قال البابا الراحل يوحنا بولس الثاني بعد جريمة 11 أيلول 2001 مباشرة، "لا يوجد دين إرهابي ولكن يوجد إرهابيون في كل دين".
يبقى السؤال الرابع الذي طرحته لجنة الأمن الداخلي في الكونغرس. وهو: لماذا يعتبر المسلمون الإرهابيين الإسلاميين أبطالاً لهم؟ لقد طرح هذا السؤال رئيس اللجنة نفسه بيتر كنغ. وهو بالمناسبة كاثوليكي من أصل إيرلندي. وكان خلال الاضطرابات الأمنية التي شهدتها إيرلندا بين الإيرلنديين الكاثوليك والإيرلنديين البروتستانت، يؤيد الإيرلنديين الكاثوليك، ويدافع عن قضيتهم، فيما كانت الحكومة البريطانية تدعم الإيرلنديين البروتستانت.
وكان يصف جيري أدامس قائد تنظيم "سن-فين" الجناح العسكري لحركة تحرير إيرلندا بأنه "جورج واشنطن القرن العشرين". وذلك في الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة تصنف هذا التنظيم بأنه تنظيم إرهابي.
قد تكون ارتفعت أصوات إسلامية متطرفة تشيد بأيمن الظواهري أو بأسامة بن لادن. ولكن لم يكن بين تلك الأصوات أي مسؤول إسلامي في مستوى بيتر كنغ. ولم يصف أي باكستاني مثلاً بن لادن بأنه "محمد علي جناح القرن العشرين!!".
ومهما يكن من أمر، فإن مجرد إجراء "تحقيق" حول ولاء أو عدم ولاء طائفة محددة على خلفية عنصرية أو دينية يعتبر انتهاكاً ليس فقط للقيم التي تدعي الولايات المتحدة التمسك بها والتي تدعو العالم الى الالتزام بها، ولكنها تشكل انتهاكاً للدستور الأميركي ذاته على النحو الذي أشار اليه عدد من الصحف الأميركية الكبرى مثل نيويورك تايمز والواشنطن بوست.
ذلك أن مجرد وضع الإسلام -أو أي دين آخر- في قفص اتهام لجنة الأمن الداخلي، يسيء الى الولايات المتحدة ذاتها أكثر مما يسيء الى الإسلام.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك