وفق احصاءات الجمارك، استورد لبنان من اليابان عام 2010 نحو 12 طناً من الاسماك الطازجة والمجلدة والمبردة بقيمة 251 ألف دولار، بالاضافة الى استيراد الكافيار ومشتقاته والسلمون والسردين على أنواعه والتونا والانشوا والسلاطعين والكركند والقريدس وغيرها من ثمار البحر، من ضمن مجموعة من المواد الغذائية الأخرى المحضرة وصلت الى 74 طناً في العام الماضي بقيمة 856 ألف دولار.
لكن، هل سيكون الاستيراد آمناً في المرحلة المقبلة بعد كارثة مفاعل "فوكوشيما" الياباني؟ وهل سيصل السمك وثمار البحر الملوثة الى بلادنا؟ وكيف تتأثر الاسماك والحياة البحرية بالتلوث الاشعاعي؟
مدير معهد الدراسات البيئية في جامعة البلمند الدكتور منال نادر تحدث الى "النهار" عن "التلوث البيئي من جراء المواد المشعّة التي تستخدم في انتاج الطاقة. فعندما يبدأ التفاعل النووي المتسلسل يؤدي الى تكسّر الذرة، وينتج منها أكثر من 400 نوع غالبيتها مشعة. وقد يختلف عمر الاشعاعات يختلف من نوع الى آخر، فـ"الكاربون" مثلاً يخسر نصف طاقة اشعاعاته بعد 5 آلاف و700 سنة تقريبا، بينما نصف حياة "الفوسفور" هو اسبوع ونصف فقط، و"اليود 125" يخسر نصف الطاقة الاشعاعية فيه بعد 30 سنة، اما "اليود 131" فبعد 8 أيام. والمشكلة اليوم في اليابان تكمن في "سيزيوم 137" الموجود بنسب اقل من "اليود 131" حول المفاعل النووي، وحياته النصفية هي 30 سنة، إذ ظهرت آثار للـ"بلوتونيوم" في التربة المجاورة ونصف حياته 24 الف سنة! من هنا لا بد من متابعة انواع المواد المشعة التي تسربت، وقد تتسرب من مفاعل "فوكوشيما" في مياه اليابان، لمعرفة تأثيرها في الحياة البحرية والسلسلة الغذائية والامن الغذائي الذي هو أساس في المجتمعات المعتمدة على البحر مصدراً اول للغذاء.
ثمة قرار اتخذ في اليابان يقضي بطمر المفاعل النووي بنوع خاص من الباطون المسلح او الرمل الذي يمنع تسرب المواد المشعة التي تؤدي الى تلويث البيئة المحيطة من هواء ومياه وتربة. واظهرت الدراسات التي اجريت في ستينات وسبعينات القرن الماضي، حين جرى العديد من التجارب على السلاح النووي في البحر، ان كمية السمك خفت في هذه الاماكن فوراً وبعد فترة.
وضع الثروة السمكية اليوم في اليابان والدول المجاورة يحتاج الى مراقبة، فتعرض السمك للاشعاعات الموجودة في المياه من الطعام والبيئة المحيطة، ينجم عنه ضرر كبير على اعضائه قد يؤدي الى نفوقه، والمشكلة ان الاشعاعات لا تزول، اذ تبقى في جسم السمك النافق الذي تأكله الاسماك الاخرى او تقبع في اعماق البحار.
وتؤثر الاشعاعات على الحمض النووي، فتتغير جزيئات داخل اجسام السمك تمنعها من التكاثر وتسوء نوعية السائل المنوي. وقد تتمكن الاسماك من الاباضة، الا ان النوعية تكون غير صالحة للتكاثر ومنها من يتوقف كلياً عن الاباضة وفق كمية التعرض للاشعاعات مما سيؤثر على الامن الغذائي عالمياً، لأنه من المتوقع ان تنخفض الثروة السمكية في الاعوام المقبلة، وهذا ينعكس ارتفاعاً في الاسعار.
وتخفض الاشعاعات جهاز مناعة الكائنات التي تتعرض لها، ومن بينها الاسماك، فتخف قدرتها على مقاومة انواع البكتيريا الموجودة اصلاً على جلدها والفيروسات، وتتعرض للامراض وقد تنفق من جرائها.
قد لا تَنْفَق هذه الاسماك من قلة المناعة، لكن يخف مستوى دفاعها عن نفسها فتتعرض للافتراس، وهذا الأمر يخلق مشكلة أخرى لأن السمك الخالي من الاشعاعات يتأثر بها، فيؤدي الى ما يعرف بالتركز البيولوجي للاشعاعات. وهنا لا بد من الانتباه الى تراكم الاشعاعات في السلسلة الغذائية، فالاعشاب البحرية مثلاً تتعرض أيضاً للاشعاعات، وتأكلها أنواع من الاسماك التي تلتهمها اسماك اخرى.
تكون نسبة الاشعاع مضرة وفق الكمية التي نتناولها، وتظهر الاعراض تبعاً لأجسام الاشخاص. والمشكلة حالياً لا تزال محصورة في عشرات الكيلومترات اي في موقع الكارثة عند السواحل الغربية للمحيط الهادئ. من هنا لا بد من مراقبة الاسماك هناك والمواد المستوردة من اليابان.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك