في الشام الآن هنا، سواء كنت معارضا أو مواليا، يلتبس عليك الموقف بين أحقية الدماء، وبوادر الإصلاح. سواء كنت أمام الإعلام الرسمي السوري أو أمام فضائيات العرب والغرب ووكالات الأنباء، الخبر المؤكد أن يوم الجمعة الذي كان مرتقباً كامتحان للسلطة وللثورة، مر من دون ضربة كف تذكر، مثلما جرى في الأسابيع الماضية. وبرغم التحركات التي تراجع عدد متظاهريها، لم يقع عمل عنفي واحد.
وفي الشارع الدمشقي وجهات نظر جديدة، أبرزها:
الجيش السوري خط أحمر، والمساس به شوّه مطالب الحرية... ما حدث في درعا خطأ، يجب محاسبة من كان مسؤولا عنه رغم صلاته بالرئيس.
الإصلاحات بدأت تصبح ملموسة أكثر، وراحت تكر سبحة القرارات. تم عصر دملة الغضب في درعا مساء الخميس في لقاء الأهالي مع الرئيس. فوعدهم ألا يدخل الجيش والأمن إلى مواجهة التظاهرات شرط تعهدهم بعدم التعرض لمباني الحكومة بالإحراق والعنف.
هذا بشكل عام، أما بشكل خاص، فلنموذجين من المواطنين السوريين الكلام:
موالٍ مع بعض التعديلات
أولهما تلميذ فنون من اللاذقية ويدرس في الجامعة اللبنانية في بيروت، أرجأ فصله الدراسي بسبب أحداث سوريا. فلم يستطع أن لا يكون في قلب الحدث. يمضي نهاره بين تناقل الأنباء عبر الهاتف والإنترنت والتلفاز، وبين المشادات الكلامية والنقاشات السياسية في المقهى. صباح الجمعة، كان صالح خائفا من مفاجأة تستفيق في جامع ما. «تنطلق التظاهرات من حيث ما يحل القرضاوي، وتنقل كلمته متلفزة، هناك تحل المفاجأة».
هو ضد التحركات التي تناهض النظام، رغم حرصه على انتقاد النظام والمطالبة بإعدام من كان مسؤولاً عن خطأ درعا. هو التعديل الذي أصاب موالاة سوريا: مع الرئيس، ومع النظام، و مع الجيش السوري، لكنه متضامن مع الدماء، ويعارض نهج القسوة المطلقة الذي يؤذي النظام ويهدر دماء الأبرار. صالح الموالي النموذجي يخاف من خطر يتهدد بلاده ويكره الفرز الجديد الذي يصطدم به على الطاولات مع أصدقائه.
صباح الجمعة كان خائفاً، منتظراً، مترقباً. وكلما اقترب موعد خطبة الجمعة، ازداد توتره. إلى أن مضت الخطبة ومضت الجمعة من دون رنين الهاتف، ومن دون أخبار سوى في فضائيات لم يصدقها يوما. بعد الخطبة عند الظهر، انفرجت أساريره فوق طاولة الزهر في وسط البلد وانقلب تعليقه القلق إلى مزايدة وطمأنة وفرح وبسمات: «قلت لك انتهت، الجيش السوري خط أحمر».
معارض دوما الذي لم يكن في التظاهرات
على بعد خمس دقائق من منزله في دوما، يعمل «محمد سكرية» كغالبية أهل دوما، قصّاباً. في «ضاحية الأسد» في حرستا، يرتفع صوت العشريني المعارض الذي أعلن امتناعه عن التظاهرات مؤخراً.
خلف وجهه الغاضب، يتكلم محمد سكرية بتردد، وبكثير من الجرأة. كما معظم «الثوار»، تأخذ مطالبه شكلاً عاماً : «الحرية» المجرّدة من أي شرح. وبعد الإصرار يشرح مطالبه ويفصّلها، يرتفع الصوت ويلمع الغضب: كنا نحتاج إلى إذن الأمن إذا أردنا أن نقيم عرسا أو أي نوع من التجمعات، الحرية هي بتخفيف قبضة الأمن على حياتنا وأعمارنا. مخالفات البناء تكسر الظهر، والبناء القانوني يكلّف أضعاف البناء المخالف. كنت أطالب بالعمار من دون رخصة، نعم، فالعمار المخالف يكلف 500 ألف ليرة سورية بينما العمار القانوني يكلف 3 ملايين... ومنذ فترة تم توحيد النقل العام لشركة خاصة إسمها «ملوك»، انا تظاهرت أمام الجامع ضد «ملوك» التي حلت محل 400 عائلة تعيش من دوما كانت ترتزق من العمل في النقل. لكن الجميع في حالة تريّث، فقد قيل إن المطالب وصلت، واجتمع الأهالي مع الرئيس.
بين الموالي الذي يريد إعدام مسؤول درعا، والمعارض الذي كف عن التظاهر بعد الاجتماع مع الرئيس، مرة أخرى تقول دمشق: أنا مختلفة. مرة أخرى تبرهن دمشق أن لكلمات معارضة وموالاة، قدرة مطاطة على الاتساع لتشمل تناقض وجهات النظر واختلافها. وقد مرّ يوم الجمعة، بحكومة جديدة من 14 وزيرا جديدا وشارع دمشقي مر في امتحانه من دون ضربة كف.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك