من الفان المنتقل من المدينة الصناعية في زحلة إلى قرية كفرزبد، سحب فرع المعلومات الخيط الأول لجريمة خطف الاستونيين السبعة.
في ذلك الفان الذي أجبره أحد منفذي العملية على التوقف لحظة تنفيذ الجريمة، خرج من يقدم بعض الأوصاف التي رُسمت، فتحولت إلى شخصية لم يكن من الصعب التعرف عليها لاحقاً. في موازاة ذلك، قادت بعض المعلومات الاستخبارية سريعاً إلى إحدى السيارات الثلاث التي استعملت في تنفيذ العملية.
بعد اكتشاف هذين الخيطين، صار من السهل بالنسبة للفرع حياكة ثوب العملية ومعرفة كيفية تنفيذها، لا سيما بعد توقيفه لمعظم المشاركين واعترافهم بما ارتكبت أيديهم.
القصة بدأت في مرأب صغير على الحدود اللبنانية السورية (عند المقلب السوري)، حيث وصل رجلان وامرأة بسيارة «جي أم سي» كارافان (لوحتها كويتية)، سعياً لركنها. رحب بهم صاحب الموقف م. ص. مشيراً إلى ان البدل اليومي هو خمسة آلاف ليرة. تركوا السيارة ووضعوا على زجاجها الخلفي عبارة «برسم البيع».
بعد شهر من الحادثة وصل ر. ص. إلى الموقف ومعه مفتاح السيارة، ألقى التحية على قريبه صاحب الموقف، وأعلمه أنه اشترى الفان، مظهراً مفتاحه، وواعداً بأنه سيدفع بدل وقوف السيارة لمدة شهر أي مئة دولار، في وقت لاحق.
قبل أن ينطلق بالسيارة استبدل لوحتها الكويتية بأخرى لبنانية مزورة، وانطلق باتجاه الحدود اللبنانية ملؤه الثقة بأنه قادر على إدخالها إلى لبنان بدون الحاجة إلى أوراقها الثبوتية. وبالفعل هذا ما كان، فشبكة علاقاته الواسعة بين القوى الأمنية الموجودة على الحدود، سمحت له بتنفيذ المهمة بالقليل من التحيات وبلا أي سؤال.
أوصل ر. ص. «الوديعة» إلى منزل و. ع.، في مجدل عنجر، بحسب الاتفاق. نقده الأخير، الذي تبين لاحقاً أنه مسؤول مجموعة الخطف، بأتعابه (مئة دولار)، ثم باع السيارة في وقت لاحق إلى صديقه م. ن. الذي كان قد طلب منه منذ مدة تأمين سيارة غير شرعية له (تباع بسعر أرخص) لاستعمالها داخل البلدة.
قبل أسبوعين من عملية الاختطاف، انتقل و. ع. إلى مرحلة التنفيذ. دعا كلاً من م. ن. وشاب آخر من البلدة يُدعى أ. ع. إلى منزله، وأعلمهما ان شخصاً يرغب بقيامهم باختطاف أجانب لقاء مبلغ كبير من المال. وبالفعل، سرعان ما وافق الرجلان.
مرت الأيام من دون أي جديد. التقى «الأصدقاء» مرات عدة، من دون التطرق إلى العملية. في اليوم المحدد أي في 23 آذار، زار رئيس العصابة و. ع. يرافقه م. أ. منزل م. ن. بسيارة مرسيدس سوداء اللون بدون لوحات، طالباً منه أن يتبعه بسيارة الفان. وبعدما التقى الثلاثة، إضافة إلى ن. أ. هـ. في منزل الأول، أبلغهم أن أ. ع. بالاضافة الى أ. ي. يراقبان مجموعة من الأجانب على طريق المصنع، وأنه حان وقت العملية، موزعاً عليهم السلاح (كلاشينكوف ومسدسات).
استقل م. ن. سيارته الفان فيما البقية استقلوا المرسيدس السوداء حتى مفرق عنجر حيث انتقل قائد المجموعة إلى الفان. واتفق مع المراقبين، اللذين يستقلان سيارة مرسيدس لون جردوني تعود ملكيتها له، على اللقاء قرب «أفران تفاحة». صعد الاثنان في الفان وتركا السيارة في المكان نفسه. اما السيارة السوداء فقد تابعت طريقها باتجاه مفرق دير زنون حيث وصل الأجانب في هذه الأثناء. وفيما الفان يودّ اللحاق بسيارة «الزملاء»، وصل السياح إلى حاجز الجيش المتمركز على مثلث كفرزبد – رياق- المدينة الصناعية في زحلة. عندها ترجل أ. ع. من الفان وصعد في سيارة المرسيدس، وبعد الحاجز فعل و. ع. الأمر نفسه.
قامت السيارة بالدوران مرات عدة حول الأجانب، الذين تبين بحسب التحقيقات أن الخاطفين لم يكونوا على علم بجنسيتهم، وإن رجحــوا أنهم قد يكونون فرنسيين.
في هذه الأثناء تقدّم الفان من الدراجين. اصطدم عمداً بثلاثة منهم فأوقعهم أرضاً، ما أضطر البقية إلى التوقف. عندها بدأت العصابة في إصعاد المجموعة الاستونية إلى الفان، تحت تهديد السلاح، ومن دون أن تشهد أي مقاومة تذكر، باستثناء محاولة أحدهم الفرار إلى الحقول، والذي سرعان ما أعيد سحبه. في المقابل، كان اثنان من الخاطفين، أحدهما ملثم، يعملان على إيقاف السيارات، التي كان أحدها الفان الذي أقلّ الشهود من زحلة، والذي لم يتردد سائقه لاحقاً في تعقب الخاطفين. وإبلاغ حاجز الجيش بما رآه.
بعد إنهائهم للعملية، استقلّ الخاطفون سيارة المرسيدس والفان، والتفوا في وسط الطريق عائدين باتجاه طريق كفرزبد – ديرزنون، وقبيل حاجز الجيش سلكوا طريقاً فرعية. وفيما كانت المرسيدس في المقدمة، فوجئت بحفرة في وسط الطريق، وقد أدى تخفيفها لسرعتها إلى ارتطام مقدمة الفان بها. عندها انفعل سائقه وتخطى السيارة التي أمامه ليخرج مجدداً على طريق دير زنون.
بعد الوصول إلى مجدل عنجر، وانتهاء العملية التي نفذت بساعة ونصف الساعة، «بنجاح»، توجّه الجميع إلى منزل و. ع. حيث أنزل الاستونيون ووضعوا في غرفة الدرج. إلى أن وصل عند الثامنة مساء عنصران جديدان في العصابة، هما ك. ي.، وم. ج. اللذان لم يشاركا في عملية الخطف ومعهما شخصان ملثمان، لتسلم المختطفين. وفيما الشخصان معروفان للخاطفين، إلا ان زعيمهم وصف ك. ي. بالوسيط مع شخص مهم خارج لبنان مستعدّ للتفاوض على قبض فدية، متوقعاً أن تصل إلى عشرين مليون دولار.
بعد أيام أبلغ و. ع. رفاقه أن الاستونيين وصلوا إلى نقطة في سوريا، مشيراً إلى أنه زارها برفقة م. ج. والتقى الشخص المعني.
بالنتيجة أوقف فرع المعلومات كل المجموعة المنفذة إضافة إلى المشاركين والمتسترين، ولا سيما منهم م. ي. الذي لجأ إليه صاحب الفان طالباً منه إخفاءه، من دون إخفاء السبب عنه.
وحده رئيس المجموعة ما يزال متوارياً عن الأنظار، وعلى أهمية القبض عليه إلا أن المعلومات تضاربت حول ما يخبئه. وفيما يتوقع البعض أنه لن يفيد في معرفة مصير السياح الاستونيين، على اعتبار أن العملية نفذت عبر مجموعات مستقلة، تم اكتشاف مجموعة التنفيذ منها، يرجح آخرون أنه سيقود حكماً إلى المخطوفين. وأصحاب وجهة النظر هذه يؤكدون أن المجموعة المنفذة هي المسؤولة عن إخفاء الاستونيين وأن ما قيل في التحقيقات عن طرف سوري إنما يأتي في سياق تضليل التحقيق، عبر خلق حلقة إضافية، غير موجودة على أرض الواقع.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك