قال ديبلوماسي اميركي زار في الماضي القصر الجمهوري وبكركي معبراً عن انطباعاته بعد هاتين الزيارتين: انه رأى في القصر الجمهوري بطريركاً وفي بكركي رئيساً للجمهورية. فهل يمكن ان يخرج هذا الديبلوماسي بالانطباع ذاته لو عاد وزار هاتين المرجعيتين؟
الواقع، ان المواقف بين القصر الجمهوري وصرح بكركي غالبا ما كانت متباينة من بعض القضايا الداخلية والخارجية ولا سيما في عهد البطريرك بولس المعوشي والرئيس كميل شمعون وبعده الرئيس فؤاد شهاب ثم بين البطريرك الكاردينال صفير والرئيس اميل لحود، اذ كان لكل من هذين الموقعين رأي مختلف عن الآخر بحيث يصل هذا الاختلاف احيانا الى حد الخلاف.
لكن بين بكركي زمن البطريرك الكاردينال صفير وخلفه الحالي البطريرك الراعي والرئيس ميشال سليمان لا اختلاف ولا خلاف حول القضايا الأساسية التي تهم الوطن والمواطن. فما يقوم به البطريرك الراعي هو مكمل لما يقوم به الرئيس سليمان في مجالات عدة لا بل مساعد ومساند له. فنظرتهما واحدة بالنسبة الى لبنان بان يكون سيداً حراً مستقلاً. وبالنسبة الى الدولة بان تكون قوية قادرة وعادلة كي تستطيع ان تبسط سلطتها وسيادتها على كل اراضيها. ولا تكون دولة سواها ولا سلطة غير سلطتها ولا قانون غير قانونها ولا سلاح غير سلاحها. كما ان موقفهما واحد بالنسبة الى علاقات لبنان بالدول الشقيقة والصديقة، اي علاقات ود واحترام متبادلين ولا تدخل في الشؤون الداخلية لاي دولة، وان تقوم مع الدولة الاقرب سوريا علاقات حسن جوار بحيث ان ما يصيب احدهما يصيب الآخر سلبا كان او ايجابا، وان يقف لبنان مع الدول العربية وهي متفقة، وعلى الحياد وهي مختلفة كي لا يتحول كما هو حتى الآن ساحة مفتوحة لصراعات المحاور وتصفية الحسابات، فيدفع لبنان ثمن ذلك غالبا من امنه واستقراره ومن سيادته واستقلاله وحريته واقتصاده.
والبطريرك الراعي والرئيس سليمان يكمل احدهما الآخر. فهذا رأس الكنيسة المارونية وذاك رأس الدولة وهما متفقان على ان بعض ما لقيصر لقيصر وما لله لله، وان شعار "الشركة والمحبة" الذي رفعه سيد بكركي هو الشعار الذي يستطيع ان يترجمه مع الرئيس سليمان كونه رئيس الوفاق والتوافق بين اللبنانيين على اختلاف اتجاهاتهم ومشاربهم ومذاهبهم.
ويحاول البطريرك الراعي ترجمة شعاره "الشركة والمحبة" بين المسيحيين اولا ثم بين المسيحيين والمسلمين عندما يكون المقصود بالشركة العمل لما فيه مصلحة لبنان واللبنانيين لبنان السيد الحر المستقل، لبنان الدولة القوية القادرة والعادلة، ولا ولاء لجميع ابنائه الا له ولكي يقوم هذا اللبنان وهذه الدولة. ينبغي الاتفاق على السبل والوسائل التي تؤدي الى تحقيق ذلك مثل وضع قانون جديد للانتخابات يؤمن التمثيل السياسي الصحيح لكل فئات الشعب لتمكين اللبنانيين الموجودين في الخارج من الاقتراع حيث هم وخفض سن الاقتراع لتمكين جيل الشباب من المشاركة في مسؤولية اختيار ممثليه، ومع قيام مجلس نيابي منبثق من هذا القانون الجديد الذي يكون عادلا ومتوازنا، تقوم عندئذ مثل هذه الدولة ويصير في الامكان جعلها دولة مدنية، الغلبة فيها للحق والقانون والعدالة وليس لاي مذهب او طائفة كما تبدو الصورة الملتبسة اليوم، برفع شعار إلغاء النظام الطائفي قبل الاتفاق على نظام بديل يرضي الجميع ويطمئن الجميع.
ان تعاون رئاسة الجمهورية والبطريركية المارونية يوصل بدون شك، الى النتائج المرجوة، فلا يظل لبنان مشكوكا بقوة ومناعة سيادته واستقلاله، ولا يظل اللبنانيون يتقاسمون المناصب والوظائف على اساس طائفي ومصلحي بل على اساس الكفاية والجدارة مع احترام صيغة الميثاق. ولا ان تدخل فئة منهم لعبة المحاور فترد عليها فئة اخرى بالدخول في محاور مضادة فيبقى لبنان كما هو على مدى قرون ساحة مفتوحة للصراعات.
وهناك ثوابت وطنية عديدة يمكن جميع اللبنانيين حولها على اختلاف اتجاهاتهم ومشاربهم ومذاهبهم وذلك بالعودة الى خطاب القسم للرئيس سليمان، وبالعودة الى توصيات "السينودس والى شرعة العمل السياسي" والى غيرها، اذ كلها تلتقي حول الدعوة الى قيام دولة الاستقلال وارساء النظام الديموقراطي الحر والتصدي للاخطار التي تهدد وجود الوطن، ومستقبل الشعب واستمرار الدولة التي لم تعد تقوى على توحيد المجتمع اللبناني والحفاظ على امنه وكرامة الانسان فيه ونيله حقوقه.
لقد احسن البطريرك الراعي بالعمل على مباشرة ترجمة شعاره: "الشركة والمحبة" بالزعماء الموارنة لانه اذا لم تبدأ ترجمة هذا الشعار بهم فقد لا تنتهي مع غيرهم لتكتمل عندئذ حلقة جمع الجميع في اطار الشركة التي لا يمكن ان تتحقق من دون محبة لانها تعطي ولا تأخذ، لا بل تعطي من دون مقابل...
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك