عن ليبيا وماذا يجري فيها تحدث موظف اميركي سابق مهم عاش عن قرب نهاية ليبيا السنوسي وولادة ليبيا "الفاتح من سبتمبر" اي ليبيا معمر القذافي، ولا يزال يُستشار في تطوراتها، قال: "ذهبت الى ليبيا كديبلوماسي عام 1969 أي قبل مدة قصيرة من انقلاب العقيد معمر القذافي. كنت "جونيور" أي مبتدئا، لكنني كنت اعرف اللغة العربية قراءة وكتابة وتكلُّماً، لذلك كان السفير والديبلوماسيون الآخرون الاعلى رتبة مني يأخذونني معهم الى الاجتماعات سواء قبل الانقلاب الذي سموه ثورة او بعده. يعرف الجميع ان ايطاليا احتلت ليبيا في اواسط عشرينات القرن الماضي، ربما عام 1926. بنى الايطاليون بعض المدن وارسلت حكومتهم "آلافاً مؤلفة" من الايطاليين للعمل في مزارع ليبية وفي مجالات أخرى. لكن ايطاليا لم تنجز أي عمل كان فيه فائدة عملية لليبيا. أثناء احتلالها لها كانت ليبيا تصدّر فقط "سلعتين" إلى الخارج. الاولى "الخردة" التي خلفتها الحربان العالميتان الأولى والثانية في الاراضي الليبية. واخرى كانت نوعاً من العشب لم أعد أذكر ما هو. لا علم ولا تعليم ولا جامعات ولا شيء. يقال انه عندما جلت ايطاليا عن ليبيا، او عند تحرر ليبيا من احتلالها بعد خسارتها في الحرب العالمية الثانية، كان في ليبيا كلها ثلاثة أو أربعة أشخاص يحملون شهادات جامعية.
اثناء بحث "الحلفاء" في مصير الاراضي المحتلة، وتحديداً في آخر اجتماع لقادتهم في بوتسدام، قال جوزف ستالين زعيم الاتحاد السوفياتي لهاري ترومان الرئيس الاميركي: لماذا لا تنتدبون أنتم على ليبيا؟ رفض ترومان بحجة أن "عندي ما يكفيني من العاطلين عن العمل من الايطاليين في اميركا. فهل تريدني أن احمل همَّ الايطاليين العاطلين عن العمل في ليبيا؟ طبعاً كان يُقلق اميركا في ذلك الوقت دخول الاتحاد السوفياتي افريقيا وتحديداً منطقة شمال افريقيا. وكانت تسعى بكل قوة لتجنب ذلك".
ماذا حدث عندما حصل الانقلاب في ليبيا التي كنتَ عاملاً فيها سألت. أجاب الموظف الأميركي المهم السابق نفسه: "استمر الوجود الديبلوماسي الاميركي في ليبيا حتى سنة 1972 أي ثلاث سنوات تقريباً بعد الانقلاب. وكنت لا أزال جزءاً منه. كنا نجتمع مع اعضاء "مجلس قيادة الثورة". لكننا لم نكن نعرف من هو قائد الثورة. قيل لنا ان معمر القذافي هو الناطق الرسمي أو الإعلامي باسم الثورة. ولم نكن نعرف ايضاً اسماء اعضاء "مجلس قيادة الثورة". كانوا يعطوننا اسماء مختلفة ومختلَقة. لكننا تمكّنا بواسطة البريطانيين وعبر اتصالاتنا الشخصية من معرفة كل الأسماء. لذلك فوجئ مرة عبد السلام جلود عندما حييته باسمه لدى لقائي به بقولي: هاي عبد السلام. سألني كيف عرفت اسمي؟ في اختصار عرفت وعرفنا كلنا ان قائد الثورة هو القذافي. اذ حصلت معي حادثة اثناء اجتماع لي بجلود اخذني في نهايته إلى اجتماع مع القذافي. كان جلود يدخن كثيرا. وكانت في يده سيجارة "والعة". قبل وصولنا الى مكتب "العقيد" رمى السيجارة على الارض وأطفأها بحذائه. سألته: لماذا فعلت ذلك؟ أجاب: "ما يحبوه" (أي القذافي لا يحب التدخين). في الاجتماعات كان القذافي يتكلم بالعربية دائماً. اعتقدت انه لا يعرف الانجليزية أو لا يحسنها. الآن نكتشف انه ملم بها. كان جدياً لم يكن "ينكِّت" في الاجتماعات. عندما عرفت انه قائد الانقلاب عدت الى السفارة واخبرت رئيسي أي السفير بذلك. فقال: مستحيل. انه شاب في أواخر عشريناته. فتش عن القائد الحقيقي للانقلاب. اصررت على معلوماتي. غضب مني. لكنني كتبت تقريراً رسمياً فعلياً بمعلوماتي ووضعته على مكتبه (اي السفير) لكي يرسله إلى واشنطن. عاد إليّ حانقاً ومزمجراً. لكنني تمسكت بمعلوماتي ونظريتي. أثناء اتصالاتنا مع ضباط كبار في الجيش أي الضباط الأرفع رتبة كنا نسمع ان هناك ضباطاً كباراً يمكن ان يقوموا بانقلاب على القذافي. لم يكونوا مقتنعين بأنه جدي وبأنه المعد الفعلي للانقلاب".
ماذا كان يحرّك القذافي برأيك، أو ما الذي حرّكه؟ سألت. أجاب الموظف الاميركي المهم السابق نفسه: "عبد الناصر كان يحرّكه، والعروبة. كان في رأسه، أي في مخططه ان يكون خليفة ناصر وربما أفضل منه.
ماذا فعل الاميركيون عندما دخلوا الحرب العالمية الثانية؟ سألت. بماذا أجاب؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك