قد يكون أصدق تعبير عن واقع المشهد السياسي اللبناني وآفاقه المستقبلية ما عبر عنه اخيرا السفير السوري عبدالكريم علي باعلانه ان أمن لبنان من أمن سوريا وذلك في تحذير مبطن الى لبنان بقوله "ان اي أذى يلحق سوريا سيتأذى منه لبنان إن لم نقل سيتأذى أكثر".
وهذا الموقف يفسر الكثير من اللغط الذي ساد مسار تأليف الحكومة قبل نحو 3 اشهر وعطله تحت عناوين مختلفة وادوار تقلب عليها حلفاء الداخل. والواقع ان ما يصح في الامن يصح ايضاً في السياسة وفي الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي الواقع ضحية تقلب المشهد السياسي على ما يبينه مخاض الحكومة الذي بدأ على وقع الاجواء المتفائلة ولم ينته بعد تحت وطأة المطالب التعجيزية ضمن الفريق الواحد.
فالولادة الحكومية المضبوطة على ساعة دمشق ارتأى القيمون عليها التريث والاستمهال لمزيد من الوقت يمتد بين شهر وستة اشهر. " ولمَ العجلة؟ تسأل اوساط اقتصادية ومصرفية، " فلبنان معتاد غياب حس الوعي والمسؤولية السياسية عندما يتعلق الامر بالاستحقاقات الكبرى. وليس أقلها في الظرف الراهن تحديان: اولهما اسناد حقيبة الداخلية الى الشخصية المؤهلة التحضير لادارة الانتخابات النيابية سنة 2013 والتي ستقرر نتائجها وحسن ادارتها الرئيس الذي سيشغل قصر بعبدا حتى السنة 2020. اما التحدي الثاني فيتعلق بحسن اختيار الوزراء السنة المؤهلين ملء الشغور الناجم عن خروج الرئيس سعد الحريري من الرئاسة الثالثة تمهيدا لانجاز الاقصاء النهائي للحريرية السياسية والاقتصادية من السلطة.
أما التحديات الاخرى فترى الاوساط عينها انها لا تجد لها موقعاً على أجندة القوى السياسية الرامية الى تولي السلطة على رغم اهميتها وانعكاساتها على الاوضاع اللبنانية الداخلية.
واذ لا تفرق الاوساط بين أولويات هذه التحديات "باعتبارها على القدر ذاته من الاهمية، تشير الى ان لبنان مقبل على تراجع في غالبية مؤشراته الاقتصادية في ظل الخيارات المطروحة. فسيناريو الترقب والتريث في ظل غياب سلطة تنفيذية فاعلة قد يكون الاقل ضررا أمام السيناريو الاخطر اذا اقحم لبنان فعلا لا قولا في سياسة المحاور الاقليمية، او تطورت الاضطرابات في سوريا لتحول التهديد بـ" الاذى الاكبر للبنان" الى واقع وحقيقة ملموسة وخصوصا في ظل الانكشاف الامني الذي تعيشه البلاد بدءا من خطف الاستونيين السبعة، مرورا بتفجير الكنيسة في زحلة وصولا الى الاتهامات المسوقة لـ"تيار المستقبل" بتورطه بحوادث سوريا. وكل المؤشرات تدل على ان النأي بالبلاد عن هذا التوجه بات أكثر صعوبة وتعذراً في ظل مواقف القوى السياسية المترجمة لسياسة المواجهة. وقد عززه اخيرا موقف السفير السوري مما يدفع في اتجاه الخيار الاصعب الذي يهدد الاستقرار الامني، كما عززه من جانب آخر حال الطلاق بين قوى الاكثرية الجديدة والمعارضة رغم محاولة الاختراق التي أجراها رئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط قبل نحو اسبوعين والتي لم يكشف عنها الا قبل أيام. فبحسب ما افادت مصادر مطلعة "النهار" ان اللقاء الذي ضم جنبلاط ورئيس كتلة "تيار المستقبل" الرئيس فؤاد السنيورة الى مأدبة عشاء أقامها صديق مشترك والذي جاء بعد ايام على اتصال جنبلاط برئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري، لا يمكن ان يبنى عليه الكثير وان كان فتح قناة اتصال مقطوعة بين الجانبين "على زغل" منذ حسم جنبلاط موقعه بالتراجع عن التصويت للحريري لتأليف الحكومة.
وفي حين وضعت المصادر السياسية عينها مبادرة جنبلاط في اطار فتح الباب امام استعادة الحوار تمهيدا ربما لاحياء الاتصال بين الحريري والامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله وخصوصا ان جنبلاط اعرب عن اقتناعه بأنه لا يجوز استمرار القطيعة واستمرار الوضع على ما هو عليه مما يؤدي الى اعادة تسعير أجواء الفتنة، الا ان المناقشات التي جرت بين جنبلاط والسنيورة والتي أفاض فيها الرئيس السابق للحكومة في استعراض ما شاب المرحلة، توقفت عند هذا الحد من دون ان يسفر عنها اي التزام او طرح .
اما مسألة تشكيل الحكومة فبقيت بحسب المصادر عينها خارج نطاق البحث بعدما آثر الزعيم الجنبلاطي تجنب الحديث فيها وان كان طرح السنيورة في هذا المجال تمحور حول الاقتراح الذي سبق ان قدمه الى رئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي كمخرج للوضع الراهن بتشكيل حكومة تكنوقراط.
وبالحديث عن الحكومة، فان دعوة رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون الى تمضية الاعياد قد لقيت صداها. اذ كشفت أوساط الرئيس المكلف لـ"النهار" ان لا جديد ولا حكومة قبل نهاية الاعياد وان الاستشارات ستدخل بدورها في عطلة تمهيدا لتهدئة الاجواء والمزيد من التأمل.
وتستغل أوساط الرئيس المكلف مناسبة الحديث عن الحكومة لتؤكد ان المشاورات لم تصل بعد الى مرحلة تسمية الحقائب، نافية ما نسب الى عون عن رغبة ميقاتي في الحصول على وزارة الاتصالات من ضمن حصته مشيرة الى ان هذا الكلام يأتي في اطار تشويه صورة الرئيس المكلف عبر ربط هذه الوزارة بمصالح مالية سابقة له. وتضيف هذه الاوساط بحزم قائلة: "ان الرئيس المكلف لا يقول ماذا يريد فالحكومة حكومته وهو الذي يقرر ماذا يختار".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك