لأكثر من اعتبار يصعب على خبر حريق قصر قريطم ان يمرّ مرور الكرام. البيان «الرسمي» الصادر عن المكتب الإعلامي لرئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري قدّم مشهدا روتينيا لحادث قد يقع في أي منزل لبناني... لكن مضمونه بدا غير منسجم مع المكان والزمان. هو قصر قريطم وليس أي قصر آخر، أي قصر الملياردير والشهيد والزعيم والرمز، والحادث يسبق العودة التي يكثر الحديث عنها مؤخرا للسيدة نازك الحريري، عقيلة الرئيس الراحل رفيق الحريري، من باريس لتستقرّ في القصر الذي جمعها مع رفيق الدرب. الحريق «الصغير والمحدود» الذي وقع في احد المخازن تحت الارض، كما ورد في بيان المكتب الاعلامي، دحضته روايات شهود عيان تحدثوا عن حريق هائل غطّى دخانه قصر قريطم وادى الى وقوع اصابات وضيق تنفس في صفوف رجال الاطفاء والدفاع المدني الذين بقوا يعملون لنحو أربع ساعات في محاولة احتوائه، فيما منع المصورون الصحافيون من الاقتراب من القصر، بفعل طوق أمني مفاجئ.
إذا الحريق في «قصر الوالدة»، كما يسميه سعد الحريري، يستولد علامات استفهام ترتسم في محيط دائرة قريطم النموذجية ليصل صداها الى باريس حيث تقطن وريثة املاك رفيق الحريري. لم يقع الحادث في مبنى القصر القديم (فيلا نجيب صالحة) بل في احدى الطبقات الارضية للمبنى الجديد العمودي الذي اضافه الحريري الأب الى الفيلا القديمة، والذي يضم غرفة كبيرة للرماية تحت الأرض كانت تشكّل فسحة لـ«فشّة الخلق» لمن يريد ممارسة هواية الرماية. سعد وبهاء وعبد عرب وهاني حمود واصدقاء «الشهيد» كانوا من المنتمين الى «نادي الرماية» في قريطم.
في الطابق الرابع مكتب الرئيس رفيق الحريري الذي يحرص المسؤولون في القصر على الابقاء على كل تفصيل فيه كما تركه الشهيد الراحل. الطابق الثالث من هذا المبنى هو بمثابة «الذاكرة» الحريرية. هنا نتحدث عن ارشيف ضخم من الصور والملفات وخزان معلوماتي لعدد لا يحصى من المراسلات والخطابات والبيانات ومحاضر الاجتماعات في لبنان والخارج والاف «الفايلات»... ويتحدث البعض هنا عن ان العديد من الاسرار الحريرية يمكن ايجاد اجابات لها في البئر الارشيفي الكامن في الطابق الثالث.
واذا كان جيران قريطم الذين غطتهم في غرفهم سحب الدخان الأسود، يجزمون بان الحادث هو الاول من نوعه منذ دخول الحريري الاب الى القصر في الثمانينيات، فان العارفين في خفايا «قصر الوالدة» يضيفون مجموعة من المعطيات على شكل أسئلة تظلّل سر حريق قريطم: كيف يمكن تفسير حدوث احتكاك في الاسلاك الكهربائية في مبنى يتمتع بأعلى درجات انظمة الحماية والتي تتوافر عادة في اهم منازل وفيلات وقصور اغنياء العالم؟ وكيف يمكن لاحتكاك صغير ان يؤدي الى هذا الحريق الهائل الذي تكتّمت مصادر قريطم وبيت الوادي عن كشف حجم أضراره؟ ما الرابط بين حصول الحريق وقرب عودة السيدة نازك الحريري الى القصر للسكن فيه، في وقت يتردّد فيه ان الأخيرة قد أرسلت عبر نزار دلول صهر الرئيس الراحل رسالة إلى جهة إقليمية بارزة تطلب فيها ما يشبه الضمانات بالعودة الآمنة الى قريطم؟ أين نظام الأمان وألم يكن لعشرات الكاميرات الموزعة في ارجاء مباني قريطم ان تلتقط لحظة حصول الاحتكاك بما يؤدي الى تجنّب اندلاع الحريق؟ والى اي مدى تصحّ نظرية المؤامرة والافتعال في حادث من هذا النوع، أم يجب الاكتفاء ببيان المكتب الاعلامي؟
انتقال الرئيس سعد الحريري الى بيت الوسط وبقاء الوريثة في العاصمة الباريسية لم يؤد الى اقفال باب القصر. فقسم من الموظفين التابعين لفريق عمل رئيس حكومة تصريف الاعمال يداوم هناك. و«كتلة المستقبل النيابية» تعقد اسبوعيا اجتماعاتها في احدى القاعات الكبيرة. وعادة ما يستعين «الشيخ سعد» بـ«اوبشن» قاعات قريطم الفسيحة حين يدعو الى مآدب الغداء والعشاء الموسّعة اضافة الى مآدب الافطار، ذلك ان المطبخ الضخم لـ«قصر الوالدة»، الموجود ايضا في الطابق الأرضي، هو الذي يعدّ يوميا وجبات الافطار والغداء والعشاء لـ«الشيخ سعد» ولكل فريقه المساعد ولموظفي بيت الوسط.
هكذا يبدو القصر كخلية نحل، تنتظم فيه ساعات العمل على ساعة بيت الوسط. لا احد ممن يدور في الفلك الحريري يقرّ باحتمال الأخذ بنظرية الحريق المفتعل. لكن هؤلاء تحديدا لا يجدون تفسيرا منطقيا لحدوث هذا النوع من الاحتكاكات في قاعة قصر يخضع لاعمال صيانة روتينية على مدى أشهر السنة. وتحلو لهم النكتة في زمن الاسئلة المشروعة: يكفينا الحديث عن المؤامرة لدى «جيراننا». نحن لسنا من اصحاب نظرية المؤامرات...!
ترى هل أصبح القصر مهجورا حتى يصبح الحريق مشروعا، أم أن اهمالا ما حصل؟
الجواب تنتظره السيدة نازك الحريري التي هالها خبر الحريق وبدت منفعلة عندما كانت تتحدث مع بعض الأصدقاء في بيروت، وأعطت أوامرها بأن تبدأ ورشة الترميم سريعا.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك