لا يزال بعض السياسيين في لبنان من الذين انعم عليهم "نظام الاسد" بمناصبهم ومراكزهم يصرون على تصوير ما يجري في سوريا على انه مجرد مؤامرة خارجية تهدف إلى اضعاف نظام "الممانعة والصمود" التي يدعي الرئيس بشار الأسد قيادته في وجه اسرائيل والولايات المتحدة. وهم يصرون على اقامة مهرجانات تأييد للنظام متجاهلين صور المأساة التي تأتي من معظم مدن وأحياء سوريا، غير آبهين بهيبة الموت أو كرامة الشهيد.
البعض لم يستمع الى اعترافات الرئيس الاسد نفسه في خطابه الاخير بأن الشعب غاضب وعن حق، وان البطالة هي المشكلة الاكبر التي تواجه سوريا، وان الفساد والرشوة مستشريان, وان الخدمات والامن مفقودان.
الاعترافات تلك لم تثبط عزيمتهم في التشبث بنظرية المؤامرة، بل بعضهم امعن في استخدام واستغلال آلام الشعب السوري في الصراع الداخلي اللبناني. جهات سياسية لبنانية جندت وسائلها الاعلامية لتسويق اتهامات ضلوع تيار المستقبل في احداث سوريا وتصويره على انه الرأس المدبر "للمؤامرة" التي تستهدفها. وقد فاتهم ان المسألة السورية اكبر من اصطفافات 14 و 8 آذار، بالرغم من تأثيرها على الداخل اللبناني.
طبعا لا تيار المستقبل ولا النائب جمال الجراح، ولا شبكات التواصل الاجتماعي ولا حتى قناة الجزيرة او قناة العربية تتحمل مسؤولية ما يجري في سوريا. هو قانون الطوارئ المعمول به منذ 48 عاما في سوريا والذي يتيح للرئيس ان يلغي احكام الدستور بكل بساطة، كوضع قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والانتقال والإقامة ومراقبة الرسائل والصحف والنشرات والمطبوعات وكافة وسائل التعبير والدعاية والإعلان قبل نشرها وضبطها ومصادرتها.
ما يجري في سوريا مرده غياب سياسة اقتصادية عصرية تواكب التطور وتحدث وسائل الانتاج وتنفتح على الاسواق العالمية لتؤمن فرص عمل اكبر للانسان السوري، وهو ايضا فقدان بنية اقتصادية متينة تقي الاسواق السورية من الخضات والازمات الاقتصادية العالمية. ثم هو الفساد، وسيطرة العائلة الحاكمة على كل مفاصل الحياة الاقتصادية والتجارية... اضف غياب الحرية عن العمل السياسي وفقدان الاعلام الحر. لهذه الاسباب وغيرها طبعا يتحرك الشارع السوري، ويدفع بنسائه وشبابه واطفاله إلى التظاهر غير آبهين بالخوف.
بالاذن منكم يا رواد العقل المؤامراتي، ليست اسرائيل او الولايات المتحدة من يحرض على النظام في سوريا. بل على العكس تماما هم يغضون الطرف عن تجاوزات النظام بحق كرامة الانسان هناك بشكل مخزي، ولم يكن تصريح وزير خارجية بريطانيا المؤيد لخطاب الاسد، او حتى تطمينات السفير الفرنسي ان كل شيء في سوريا على ما يرام، سوى نموذج لاستعمال الغرب مكيال حقوق الانسان والديمقراطية في ليبيا عندما تدعو حاجاته النفطية الى ذلك، ومكيال تأييد الاصلاحات المستحيلة فوق دماء الابرياء في سوريا، عندما تدعو براغماتيته السياسية الى ذاك.
وبين الخوف من التغيير او عدمه، يبقى السؤال عن البدائل لنظام الاسد اذا ما تواصلت الثورة؟ البعض يبشر بالمتشددين الاسلاميين من القاعدة وغيرهم، ولكن اليس ما نراه اليوم من مظاهر راقية لدى الشعب السوري في التظاهر والاعتراض لا يشبه ابدا ما نراه في افغانستان الطالبان، او ما رأيناه في العراق ايام جزاري القاعدة.
وثمة من يبشر بحرب أهلية اذا ما تغير نظام البعث، لكن وبعد مرور اكثر من خمسة اسابيع على بدء الانتفاضة السورية، لم نسمع بنداء واحد من قبل المعارضة يستعدي طائفة أو يستثير الغرائز أو ينادي بالانتقام، ولم يواجه الشعب العنف الممارس بحقه، بعنف مقابل، إنما مطالبة سلمية بالتغيير.
طبعا يبقى البديل الاقرب الى الواقع والتمنيات، هو نظام متنوع تستولده البرجوازية السورية وتحافظ فيه على العيش المشترك وتكون ربما نموذج أنجح في التعايش بين الاديان من جاره الأقرب لبنان.
وعلى أمل أن يزهر ربيع دمشق نتمنى ان يتسلح الشعب السوري بكثير من الحكمة كي لا تغرق البلاد في الفوضى علما ان ثمة من يستجلبها ليؤكد للعالم انه لا بديل عن نظامه سوى المجهول.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك