اذا كان البطريرك مار بشارة بطرس الراعي نجح في جمع الاقطاب الموارنة الاربعة فجعلهم يتصافحون ويتصارحون لترجمة أول كلمة من شعاره وهي "الشركة"، فهل ينجح في جعلهم يتسامحون ويصفحون ويغفرون" ترجمةً لكلمة "المحبة" المكملة لهذا الشعار؟
لا شك في ان مجرد جمع هؤلاء الاقطاب في بكركي هو إنجاز مهم يجدد اعطاء مجد لبنان لهذا الصرح، لا بل اعطاء المجد للبنان كله، اذا تم التوصل الى تحقيق الانجاز الأهم وهو وحدة هدف المسيحيين في ترسيخ لبنان كيانا وهوية وفي قيام الدولة القوية القادرة والعادلة فيه.
واذا كان اللقاء الرباعي الماروني في بكركي قد توصل الى فصل الخلاف الشخصي عن الاختلاف السياسي، وجعل الخيارات تتم بإرادة حرة لا تبعية فيها ولا مصلحية، بل ظنا من كل زعيم ماروني ان خياراته هي في مصلحة لبنان، وهي الافضل والأصلح، فلا بأس، على أن يُترَك للأيام وللتاريخ اثبات من أصاب ومن أخطأ. فالزعماء الموارنة انقسموا في الماضي وينقسمون في الحاضر من باب الصراع على السلطة بين مناصر لفرنسا ومناصر لبريطانيا، وحسمت التطورات هذا الانقسام وتوحد الزعماء المسيحيون في مواجهة التيار الناصري عندما شعروا بأنه يهدد كيان لبنان بالذوبان، وتوحدوا مرة أخرى في مواجهة الوجود الفلسطيني المسلح عندما شعروا بأن هذا الوجود قد يشكل خطرا على لبنان الهوية والكيان والدولة، لكنهم عادوا وانقسموا حول الوجود العسكري السوري في لبنان، فاعتبر بعضهم هذا الوجود حماية لسيادة لبنان، فيما اعتبره بعضهم الآخر انتهاكا لها. وها هم ينقسمون اليوم بين من هم مع المحور السوري – الايراني، ويرون ان هذا الخيار هو في مصلحة لبنان، فيما ينظر اليه آخرون على انه ليس في مصلحته فوقفوا ضد هذا المحور. وقد ولّد هذا الانقسام خلافا شديدا حول سلاح "حزب الله" فبعضهم يجد فيه وسيلة قوية للدفاع عن لبنان ورادعا لأي عدوان اسرائيلي، وآخرون يعتبرونه خلاف ذلك، ويرون فيه سببا يبرر هذا العدوان الذي قد لا يقع عندما تكون القوات المسلحة اللبنانية وحدها المسؤولة عن المواجهة وللدولة وحدها اتخاذ قرار الحرب والسلم وليس أي دويلة أو حزب او فئة او طائفة.
وكما أن التطورات هي التي حسمت الخلاف بين اللبنانيين ووضعت حدا لانقسامهم بين هذا المحور أو ذاك وأنهت الجدل حول أي منهما هو في مصلحة لبنان وهل يتأتى الخطر عليه من هذا المحور أو ذاك، فلا بد من انتظار التطورات والتحولات في المنطقة لمعرفة مصير صراع المحاور ولوضع حد للجدل القائم حول أي منهما هو الافضل والأصلح للبنان والمنطقة.
لذلك لا سبيل الى التقاء الزعماء الموارنة حول موقف واحد من سلاح "حزب الله" ومن قيام الدولة القوية القادرة على بسط سلطتها وسيادتها على كل أراضيها او التوصل الى اتفاق على تحييد لبنان عن صراعات المحاور، إلا بعد أن تنجلي صورة التغييرات في المنطقة. فالزعماء الموارنة الذين هم مع المحور السوري – الايراني قد لا يلتقون مع من هم ضد هذا المحور ليكون لهم موقف واحد من السلاح خارج الدولة ما لم ينته صراع المحاور في المنطقة وتهدأ الثورات الشعبية فيها وتستقر على النظام السياسي الذي تطمح اليه ارادة الشعب في كل دولة. فكما انتهى انقسام اللبنانيين حول الوجود الفلسطيني المسلح بإخراجه من لبنان الى تونس، وانتهى انقسامهم حول الوجود العسكري السوري بخروجه او اخراجه من لبنان، فان انقسامهم حول وجود السلاح خارج الدولة لكي يصير في الامكان قيام الدولة القوية الواحدة، لن ينتهي الا بانتهاء التغييرات التي تعصف بدول المنطقة ومعرفة نتائجها.
الى ذلك قد لا يكون في مقدور البطريرك الراعي في المرحلة الراهنة وفي اللقاءات المقبلة سوى تحقيق التقاء الزعماء الموارنة حول المواضيع التي لا خلاف عليها أو التي يمكن تحقيق اتفاق حولها مثل قانون الانتخابات النيابية بما فيه تقسيم الدوائر واعتماد قاعدة الاكثرية او النسبية، وخفض سن الاقتراع وتمكين اللبنانيين في الخارج من الاقتراع حيث هم، ومن موضوع التوطين، ومن موضوع التجنيس وموضوع بيع الاراضي والتعيينات، ومن موضوع اتفاق الطائف لجهة سد ثغر فيه وازالة شوائب ظهرت بالممارسة وذلك بإعادة النظر في صلاحيات السلطات الثلاث لجعلها أكثر توازنا ولا سيما منها صلاحية رئاسة الجمهورية كي يصير في الامكان اخراج البلاد من الازمات التي تواجهها من دون اللجوء الى أي خارج، وأخيرا، وليس آخرا، من موضوع المحكمة الخاصة بلبنان، والذي كان موضوعا لا خلاف عليه ثم صار موضوعا مثيرا للخلاف الحاد لدوافع سياسية أو شخصية.
لا شك في أن تكرار عقد اللقاءات بين الزعماء المسيحيين وتحديدا الموارنة برعاية البطريرك الراعي، يبقى مفيدا وإن لم يسفر عن نتائج مهمة لأنها تذيب الجليد المتراكم مع الوقت، ولا يبقى الجفاء مع استمرار البعد والتباعد، ويكفي أن تحقق هذه اللقاءات الالتقاء حول نقاط الاتفاق وابقاء باب البحث مفتوحا حول نقاط الخلاف، علّه يأتي وقت يصير في الامكان تشكيل لوائح ائتلافية في الانتخابات النيابية المقبلة تجنب الساحة المسيحية الصراعات، كما يجنّب تحالف "حزب الله" وحركة "أمل" الساحة الشيعية مثل هذه الصراعات حتى لو ظلت المواقف السياسية متباينة من قضايا عدة والتعددية سائدة داخل المجتمع المسيحي للحؤول دون قيام "فيديرالية الطوائف".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك