ان يثور الشعب السوري في سوريا وينزل الى الساحات والميادين تعبيرا عن موقف او رأي يخصه وحده مع دولته – امر لا يمكن الا احترامه انطلاقا من حق الشعوب في التعبير الديمقراطي وفي طلب التطوير والتقدم والحرية...
اما ان يثور بعض اللبنانيين في الداخل اللبناني ويهب للدفاع عن نظام اخر غير النظام اللبناني، ويصل به الامر الى حد مخاصمة فريق واسع من الشعب السوري بسبب انتفاضته على واقعه الداخلي في سوريا – انطلاقا من لبنان - فهذه ظاهرة سياسية – اجتماعية يجدر بنا التوقف عندها قليلا بغية استخلاص بعض العبر واستنباط بعض الحقائق...
وان يكون امن لبنان من امن سوريا وبالعكس امر قد يكون فيه شيء من الصحة ان اخذنا الطرح في واقعه الجيو – سياسي في المنطقة...
اما ان يتنبأ ويهول بعض اللبنانيين بسقوط وانهيار لبنان ونظامه وصيغته ان حصل اي تطور دراماتيكي في سوريا ضد النظام القائم – فظاهرة سياسية – اجتماعية – يجدر بنا التوقف عندها قليلا بغية استخلاص بعض العبر واستنباط بعض الحقائق ...
وأهم ما يمكننا استنتاجه واستنباطه الآتي:
اولا: تلك المواقف اللبنانية الموالية للنظام في سوريا تكشف مدى عمق المسألة "السورية في لبنان"، لا بل مدى عمق ازمة ايمان بعض اللبنانيين بلبنان وبقدرة وطنهم على الاستقلال عن الخارج والتركيز اكثر على مصالح لبنان واللبنانيين.
فهكذا مواقف وطروحات، وان دلت على شيء فعلى حقيقة المأزق الوطني الداخلي الذي يواجهه سعي لبنان الى استحصاله على اقرار من كل بنيه بابوته لهم منذ اوائل العشرينات واواخر السبعينات من القرن الماضي واستحصاله على اعتراف وطني جامع بمرجعيته الوطنية الحصرية لكل اللبنانيين.
ثانيا: تلك المواقف اللبنانية الموالية للنظام في سوريا والمهولة على اللبنانيين ان حصل اي مكروه لهذا النظام – تكشف النقاب عن حجم الفضيحة اللبنانية الوطنية التي يرتكبها بعضهم في لبنان بحق لبنان واللبنانيين الشركاء معهم في وطن يراد ان يكون لجميع ابنائه وطنا نهائيا له الولاء اولاً. فضيحة ترقى الى مستوى الخيانة العظمى والاخلال بعلاقات الدولة مع الدول سواء القريبة او البعيدة – الشقيقة او الصديقة – لان مثل هذه المواقف تعتبر في قاموسنا السيادي الاستقلالي الحر "تدخلا لبنانيا سافرا في الشأن السوري الداخلي" – فضلا عن كونه يبني فرضيات على فرضيات لا اساس لها من الصحة والتبرير – لان ما لسوريا يبقى لسوريا وما للبنان يبقى للبنان مع التأكيد سلفا اننا لا نتمنى لسوريا والشعب السوري الا كل نجاح وتقدم وازدهار. ونحن لسنا في موضع التنكر لتأثير ما يجري في سوريا اليوم من حوادث على العالم العربي برمته وليس فقط على لبنان.
فالعودة لدى بعض اللبنانيين الى نغمة وحدة المسار والمصير عودة غير موفقة – خصوصا وان هذا التلازم "اللاسيادي " اصلا اقترن عبر سنوات وسنوات من نظام وصاية وامن واستبداد في لبنان بفشل زريع كانت نتيجته خروج الجيش السوري من لبنان وفك الارتباط بين النظام السوري المحتل انذاك والمسلمين في لبنان – اعتبارا من سنة 2005.
ثالثا: كم هي كبيرة ومرة صدمتنا من تلك الحمية المندفعة والمستشرسة لدى بعض اللبنانيين في الدفاع المستميت عن الاخرين وانظمة ودساتير وحكومات الاخرين، فيما هم انفسهم ابطال اسقاط نظامهم اللبناني وابطال اسقاط المؤسسات ومفهوم المؤسسات الدستورية والدستور في بلادهم من خلال تماديهم في ضرب الدستور والنظام والصيغة اللبنانية التاريخية وميثاق العيش المشترك ووثيقة الطائف وسواها من ثوابت وطنية وتاريخية ودستورية – وصولا الى فرض شروطهم وشروطهم المضادة على تشكيلة حكومة يعتبرونها "حكومتهم" وليدة اكثرية يعتبرونها "اكثريتهم" (مع انها اكثرية انقلابية غاصبة عنوانها القمصان السود وليس صناديق الاقتراع)...
فكم تمنينا ان تنتقل عدوى تلك الحمية والاندفاعة وذلك الاستشراس الى داخل لبنان وتصب في مصلحة صون المؤسسات واحترام الدستور وصلاحيات الحكومة والاسراع بالتالي في تشكيل حكومة تحكم... لا حكومة باتت ملامحها اكثر فاكثر تميل الى صيغة الشركة التجارية ذات الحصص الموزعة بين مساهميها...
رابعا: ان ما سجلته الساحة اللبنانية في الاسبوعين الاخيرين على صعيد رصد تفاعل بعض اللبنانيين مع ما يجري في سوريا – يحملنا على طرح اكثر من علامة استفهام واكثر من تساؤل حول حقيقة ولاء بعض اللبنانيين لوطنهم بقدر ولائهم للاخرين... وهذا التفاعل بالشكل الذي تجلى به يطرح لدينا اكثر من سبب ومبرر في الدعوة الى اعادة تقييم شاملة لنهج هذا البعض بحسب الطائف الذين يزايدون على فريقنا السياسي بادعاء حرصهم عليه... وابرز ما يتوجب تقييمه حول نهائية لبنان لجميع ابنائه ...
لان بعضهم لا يزال بالروحية والايمان بعيدا عن هذه النهائية...
ولان الوطنية لدى هذا البعض باتت مسألة مستأخرة... لا بل وطنية معلقة على شرط خارجي... مع وقف الننفيذ...
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك