الرد الاميركي على ما يجري في سوريا آخذ في التصاعد، وهو لا يمكن ان يقارن بردود الفعل العربية او التركية او الايرانية، التي تخفي اكثر مما تفصح عن حقيقة المواقف والمشاعر، تجاه النظام والشعب والدولة الواقعة اليوم في قلب عاصفة عاتية، يمكن ان تغادر الحدود السورية في اي لحظة، وفي الاتجاهات الاربعة معا.
من بيانات الادانة الاولى التي حملت النظام المسؤولية عن قمع المتظاهرين لكنها ايضا ألمحت الى مسؤولية المعارضة عن العنف، الى الانعقاد في مجلس الامن الدولي خلف الاوروبيين، قطع الاميركيون خلال اقل من شهرين شوطا بعيدا، لم يقطعوه مع الثورة التونسية ولا المصرية، ولم يلتزموا به في الثورتين الليبية واليمنية. لكن موقفهم ما زال يتسم بقدر كبير من الالتباس، لا سيما عندما يخضع لمعايير السياسة الامبراطورية التي اعتمدوها في السنوات العشر الماضية.. والتي انسحبوا منها في عهد الرئيس باراك اوباما.
لم تعد اميركا شرطي العالم ولا مرشده الروحي او السياسي. ولم يكن انكفاؤها عن الحرب الليبية وتنصلها من الازمة اليمنية وليد حكمة مستجدة او عقدة مستديمة. ثمة حدود طارئة للقوة الاميركية العسكرية والسياسية والاقتصادية لا يمكن تخطيها حتى بالنسبة الى التعامل مع بلد عائم على النفط مثل ليبيا او بلد متاخم لآباره مثل اليمن. هذه الحدود تحكم بلا شك التعامل الاميركي مع المعضلة السورية، وتفاقمها، لانها من جهة تعتمد على آليات سابقة لغزو العراق في العام 2003 مثل العقوبات، ومن جهة اخرى تفسح المجال لاضطراب سوري واقليمي لم يسبق له مثيل.
مثلما قرئ بطريقة خاطئة التصريح الاول لوزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلنتون عن سوريا، تقرأ اليوم بطريقة خاطئة ايضا التصريحات الاميركية الاخيرة، التي لا يميزها سوى تلك الاشارة المتكررة الى ان النظام السوري يستعين بإيران لقمع شعبه، استنادا الى طلب وزارة الداخلية السورية شراء معدات لمكافحة التظاهر من نظيرتها الايرانية.. وهو ما يمثل انذارا لطهران من مغبة التدخل في الشأن الداخلي السوري، وتحذيرا لدول الخليج العربي من مغبة التورط في اي موقف غير مدروس من الازمة السورية.
لن تصل اميركا الى حد الدعوة الى تغيير النظام في سوريا، الا بناء على سلوكه الامني والسياسي الذي لا يزال في مراحله التجريبية الاولى، كما هو الحال بالنسبة الى الشارع السوري الذي لا يزال ايضا في مرحلة اختبار نفسه وقوته وقدرته على الحشد. لكن حتى ولو انفجر الوضع السوري واتسع مدى ذلك الانفجار فان الاميركيين لن يكونوا على الارجح طليعة الحملة من اجل التغيير في سوريا.. حيث لا نفط ولا مخاطر اقليمية كبرى تستدعي تدخلا اميركيا مباشرا. وعدا اسرائيل التي يمكن ان يشاطرها الاميركيون قلقها، فان احدا في واشنطن لن يأخذ في الاعتبار المشاعر او المصالح التركية او العراقية او الاردنية او طبعا اللبنانية، التي يمكن ان تتاثر بشكل جوهري في مثل هذه الحالة.
الموقف الاميركي من سوريا يتصاعد، لكنه لن يحسم اي امر سوري، ولن يؤثر على سلوك النظام او الشارع، ولن يكون معيارا دقيقا لاي دولة مجاورة تبحث عن مخرج من الفوضى والفراغ.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك