فيما اللبنانيون مشدوهون بصور المأساة السورية وقلوبهم مع الابرياء الذين تسفك دماؤهم بوحشية قد عهدها اهل حمى قبل ثلاثة عقود من اليوم، عينهم ايضا على دولتهم التي تبدو على حافة الانهيار ليس هتك املاكها العامة الا اخر فصولها.
قيل ان من يزرع الرياح يحصد العواصف، ونحن ما فتئنا نزرع الرياح منذ اقرينا اتفاق الطائف وامعنا في عدم تنفيذ بنوده، خاصة تلك التي تصالح اللبنانيين بعضهم ببعض وتعيد لهم امنا واستقلالا فقدوه ايام الحرب الاهلية.
ليس ما نعيش اليوم من ازمات سياسية تهدد الكيان اللبناني مجرد صدفة، فرحلة اللبنانيين الى المجهول بدأت عام 1992، وكانت أولى محطاتها عندما قرر الوصي السوري مع اعوانه اللبنانييين نحر اساس الديمقراطية التوافقية وتجاهل مبدأ العيش المشترك والمضي قدما باجراء انتخابات نيابية –الاولى بعد الحرب- بالرغم من المقاطعة الكبيرة للمسيحيين لها احتجاجا على توقيتها وتفصيلها على قياس المطيعين للنظام السوري. حينها لم يتنبه احد الى خطورة خروج طائفة برمتها من الحياة السياسية، معتبرين ان قطار الوطن سينطلق بمن حضر.
ولتعبيد سكة القطار كان ضروريا اقرار قانون تجنيس مجرم امعن في تدمير النسيج الاجتماعي اللبناني، وهدف الى انشاء خلل ديمغرافي واتاح خنق الصوت المعارض او في اقل تقدير جعله غير ذي فعالية في صندوق الاقتراع الاختياري او البلدي او النيابي.
وحتى تكتمل خطة تدمير بنية لبنان كان لزاما اخضاع القضاء لمشيئة الوصي السياسي. فكان ان سجن سمير جعجع لما اقترف ايام الحرب المشؤومة، وحل حزب القوات دون غيره وجرد من سلاحه في حين احتل آخرون واياديهم الملوثة بوساخة الحرب نفسها اعلى المناصب واهم المراكز، وظل سلاح البعض خارج عن الشرعية، ونمت احزاب لتصبح اكبر من الدولة، وكل ذلك فيما تقمع حرية الراي والاعلام وتهتك كرامة الانسان في لبنان من جراء الاعتقالات التعسفية والتعذيب والاغتيالات لكل من يعارض قوى الامر الواقع وصولا الى 7 آب.
ثم انتقل المخطط لتدمير مالية الدولة من خلال الاكثار من الهدر، وانشاء صناديق دعم لبعض زعماء الطوائف كي يثبتوا زعامتهم على حساب المهجرين او اعمار بلدات الجنوب. تدمير مالية الدولة حصل ايضا من خلال تلزيمات تفوح منها رائحة الفساد ولا يستفيد منها الا حاميها، واتى التدمير ايضا من خلال السماح بوجود ماليات موازية لجماعات وطوائف تغذى من دول مجاورة ولا تمر عبر الدولة او تخضع لقوانينها، لم يكن بنك المدينة او البنك اللبناني الكندي سوى احد ابطالها.
اما القوى الامنية النظامية كان لها ايضا سيناريو معد سلفا يهدف الى تدجينها ان من خلال تغيير عقيدتها القتالية لصالح سياسة اوصياء لبنان، او من خلال تعايشها مع سلاح آخر او من خلال تحييدها عن اي صراع داخلي كما حصل في احداث مار مخائيل عام 2008 حيث تحمل الجيش كامل اللوم عن اعمال الشغب التي قامت يومها.
هذا ناهيك عن 7 ايار، وعودة شبح الحرب الاهلية، والولادة القيصرية لاي استحقاق، يتعلق بانتخاب رئيس للجمهورية او يتصل بتشكيل حكومة، والحال هل لنا ان نتعجب ان انتهكت املاك الدولة او قرر امير الجنوب منع بيع الكحول فيها؟
تلك المراجعة السريعة للاحداث التي شهدها لبنان تؤكد بما لا بقبل الشك ان الطريق التي نسلكها اليوم لن تؤدي الى التغيير المنشود اذا كان التغيير لا يعني التقسيم او حتى الحرب، وان اي تقدم لن يتم الا بازالة التعديات على الصيغة اللبنانية، وعلى من تعدى عليها طوعا، والبدء باحترام ميثاق العيش المشترك والدستور واتفاق الطائف، وبطبقة سياسية جديدة لا تفوح منها رائحة النتن. في ظل الثورات العربية هل لنا ان نحلم؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك