تكشف مصادر ديبلوماسية قريبة من موسكو، أن لدى روسيا استعداداً قوياً للبحث مع إيران في تسهيل انتخاب رئيس للجمهورية، وروسيا مستعدة للبحث مع كل الأطراف في هذا الملف وسبق أن بحثت مع إيران في تسهيله، وشجعتها على ذلك. إنما روسيا لن تقوم بضغوط قوية وخطوات قوية مع طهران لتسهيل الانتخاب، نظراً إلى أن الأولوية الروسية هي الوضع السوري، وأن هناك تقاطع مصالح روسية - إيرانية في إطار هذا الوضع، لن تضحي بها من أجل أي ملف آخر. وتأتي الأزمة الأوكرانية في الدرجة الثانية من الأولوية. لكن في الوقت نفسه تتمنى روسيا انتخاب «الرئيس المسيحي» للبنان في أقرب فرصة ممكنة.
إلى ذلك، تطرح مصادر ديبلوماسية واسعة الاطلاع، تساؤلات حول حقيقة الموقف الإيراني من انتخاب الرئيس، كما تتساءل، حول من هي الجهة التي تستطيع الضغط على إيران الآن. الدول الكبرى، مثل روسيا، تستطيع القيام بمبادرة لدى الإيرانيين والسعي لديهم للتسهيل. لكن هل سيؤدي ذلك إلى تغيير فعلي؟
وتقول المصادر إنه من المفيد أن يُطلع المسؤولون اللبنانيون الخارج، إقليمياً ودولياً، على آخر الاتصالات والمشاورات حول الملف الرئاسي، علّ ذلك يتعزز بدعم خارجي، لا سيما إذا تم التوصل إلى تفاهم حقيقي ونهائي حوله، وإذا وصلت الأمور إلى تسوية ناضجة ومكتملة. كما أنه من المفيد السعي خارجياً إلى إرساء أي تفاهم لبناني وتخفيف العراقيل إذا كان هناك من عقبات. كما أنه من المفيد الوقوف على رأي الخارج وقراءته للتطورات.
وتفيد المصادر أنه إذا كانت إيران مهتمة بالملف الرئاسي، فإن الأمر سيتوقف على عوامل عدة، في مقدمها، رؤيتها لأوضاع المنطقة لا سيما في كل من سوريا واليمن، ثم الوضع الداخلي اللبناني، بحيث أن أي رئيس للجمهورية يجب أن يكون نتيجة تسوية من شأنها الإقرار بدورها في لبنان والمنطقة، وأن تكون تطلعات هذا الرئيس منسجمة مع هذه الرؤية. إذاً، سيكون من الصعب عليها التنازل عن ملف لها في المنطقة إلا إذا برزت معطيات دولية جديدة تكسب من خلالها في مواقع أخرى. وهذا مستبعد حالياً.
ولو كان النائب ميشال عون مرشح إيران الحقيقي، أو مرشح «حزب الله» لكان تم انتخابه. لكن ليس خصومه الذين لم ينتخبوه، إنما أفراد كتلته من النواب وحلفاؤه الأساسيون.
وتشير المصادر إلى أن إيران لم تغير جوابها في شأن الملف الرئاسي منذ بداية الفراغ في الرئاسة الأولى، بأن على المسيحيين الاتفاق على الرئيس، لكن في الواقع، فإن الرئيس لا ينتخبه المسيحيون فقط، بل هناك آليات دستورية، واكتمال نصاب، وأغلبية الثلثين في الجلسة الأولى للانتخاب، والنصف زائد واحد في الجلسات الأخرى.
في الظاهر الموقف الإيراني فيه حسن نية، لكن في الباطن كأنما إيران تقول إنها تريد أكثر من الرئيس، وطهران لا تشعر بضغط دولي أو غير دولي للتنازل والتسهيل لبنانياً، إنما تريد الرئيس ومعه أكثر بكثير. أكيد تريد أكثر في لبنان وفي ملفات المنطقة، على أن تبدأ مكاسبها في لبنان وتستكملها في المنطقة. وبغض النظر عمّا سيحصل في الوضع السوري في مجالي التهدئة وإعادة الإعمار، فإن جزءاً من الوضع في سوريا يتمثل لاحقاً بعودة «حزب الله» وسلاحه إلى لبنان، ورئيس الجمهورية الجديد يفترض، وفقاً للنظرة الإيرانية، أن يقبل بهذه العودة والسلاح، وبدور إيران في لبنان وفي سوريا وفي المنطقة في هذا المجال. لكن المسائل الداخلية اللبنانية لدى استحقاق الانتخابات الرئاسية، ستكون أولوية لدى إيران. والأمور تخطت مرحلة تقديم الضمانات لإيران وتخطت النظر إلى إيران كمُحاوِر إلى مرحلة الاعتراف بالدور الإيراني. والملف النووي الإيراني ليس فقط ذا طابع نووي، إنما أيضاً له طابع اقتصادي وتجارة وأمن وسياسة ودور. ولا يمكن القيام بالتنمية الاقتصادية في منطقة تعاني صراعات كبيرة وشاء الكثيرون أم أبوا هناك صراع سنّي - شيعي. في الإعلام الغربي، يقوم وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بتقديم نفسه إلى الغرب، بطريقة طلب المساعدة لمحاربة الفكر التكفيري.
وتقول مصادر ديبلوماسية أخرى، إن المسؤولين اللبنانيين لا يحق لهم وضع الشروط على بعضهم البعض والدلع والترف. صحيح أن لبنان مستقر إلى حد ما، لكن وضعه مقلق، والترف لا يجوز لأنه اللعب بالنار بحد ذاته. ويجب عدم انتظار الخارج بل السعي إلى تخليص البلد من التحديات الكبرى التي تواجهه، كما يجب عدم انتظار استحقاقات أحد، وعندما ينفذ أي زعيم قناعاته ويتوجه النواب إلى الانتخاب، لا أحد يستطيع منعهم من ذلك.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك