ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الاحد في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، عاونه فيه المطرانان بولس صياح وعاد أبي كرم، أمين سر البطريرك الأب بول مطر، في حضور وزير العمل سجعان قزي، قائمقام كسروان - الفتوح جوزف منصور وحشد من الفاعليات والمؤمنين.
بعد الانجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان: "من تراه الوكيل الأمين الحكيم" (متى24: 45)، جاء فيها:"إنجيل اليوم جزء من خطاب الرب يسوع عن النهايات: نهاية حياة الإنسان، ونهاية العالم، والدينونة، والثواب بالخلاص الأبدي، والعقاب بالهلاك الأبدي. فيكلمنا اليوم تحديدا عن الموت الذي يسميه مجيء الرب، المشبه بالموكل، وعن الدينونة التي يؤديها كل إنسان المشبه بالوكيل المؤتمن على تأمين الطعام لمن هو موكل عنهم. ما يعني أن الحياة بكل أعمارها وحالاتها وظروفها وكالة ومسؤولية، فيطلب الرب أن "يكون الوكيل أمينا وحكيما" (راجع متى 24: 45).
أضاف: "يسعدنا أن نحتفل معا بهذه الليتورجيا الإلهية، في هذا الأحد الرابع من زمن الصليب، المعروف بزمن النهايات. إني أرحب بكم جميعا وعلى الأخص بمعالي الأستاذ سجعان القزي، وزير العمل الذي يعمل في قطاعات وزارته "كوكيل أمين حكيم".إننا نلتمس لكل واحد وواحدة منا نعمة الإدراك الواعي لمسؤوليته ولكونه وكيلا، سواء في العائلة أم في الكنيسة أم في الدولة".
وتابع: "ففي العائلة السيد الموكل هو الله وشريعته، لكونه هو مؤسس الزواج لخير الزوجين والأولاد. والوكلاء هم الأزواج والوالدون المؤتمنون على تقديم "طعام" الإعالة والفرح ونقل الحياة البشرية وتربيتها. في الكنيسة، الموكل هو المسيح الرب، مؤسسها ورئيسها غير المنظور.والوكلاء هم الرؤساء الكنسيون، الذين يتم انتخابهم أو تعيينهم وفقا لقوانين الكنيسة.إنهم مؤتمنون على تأمين "طعام" الحياة الروحية والراعوية وخدمة الفقراء في حاجاتهم. في الدولة الموكل هو الشعب، والوكلاء هم ممثلوه في البرلمان والسلطة الإجرائية والمؤسسات العامة، المؤتمنون على توفير "طعام" الخير العام وتنظيم الحياة العامة بكل قطاعاتها. عندما نقول "وكيل" و"موكل" نقول أيضا "مساءلة ومحاسبة" وتأدية حساب".
أضاف: "بالإضافة إلى هذه المسؤوليات الخاصة كوكالات، توجد مسؤولية مشتركة هي حماية الحياة المعطاة من الله لكل واحد وواحدة منا. كلنا موكلون على تنميتها جسديا وروحيا وعلميا. وبما أنها هبة من الله، ومخلوقة على صورة الله ومثاله، فإنها توجب علينا المحافظة عليها، فينا وعند غيرنا، بكل بهائها، من خلال الاتحاد الدائم بالله: بالصلاة وأفعال العبادة وممارسة الأسرار والتنشئة الروحية. هذه الحياة تُحترم في كرامتها وقدسيتها، وتنمى، وتحمى. ولا يحق لأحد الاعتداء عليها، فهي خاصة الله سيدها وحده".
وقال: "لا يمارس الوكيل مهامه وصلاحياته باسمه الشخصي، بل باسم موكله. فعندما يعمل باسم موكله وبالإخلاص له، ينال ثواب الخلاص.أما إذا تناسى أنه وكيل، ويسيء استعمال مسؤولياته ويستبد ويخالف واجبه، فيعقابه سيده بالهلاك الأبدي".
وتابع: "يطلب الرب يسوع من كل وكيل ان يتحلى بميزتين:الأمانة والحكمة. الأمانة هي صفة الوكيل المحب. وهي أمانة لثلاثة: للموكل، وللأشخاص الموكل عليهم، وللواجب. والحكمة فضيلة تتصف بفطنة التصرف بدون نقص وعيب مقصودين. وهي من مواهب الروح القدس وتعني النظر إلى الأمور وتعاطيها من منظار الله. وتتصل بموهبة أخرى من مواهب الروح، هي مخافة الله. ولذا "رأس الحكمة مخافة الله" (مز 111: 10). ما يعني أن ممارسة المسؤولية بحكمة إنما تبغي أساسا مرضاة الله ومخافته في عباده".
أضاف: "عندما خاطبنا المسؤولين السياسيين، كتلا سياسية ونيابية، في عظة الأحد الماضي، وفي نداء السادة المطارنة الأربعاء الفائت، كنا نتكلم باسم الشعب اللبناني، ونحن منه وجزء أساسي فيه. ففعلنا بحكم مقدمة الدستور التي تنص على أن "الشعب هو مصدر السلطات وصاحب السيادة، يمارسها عبر المؤسسات الدستورية" (فقرة د). ما يعني أن الشعب هو "الموكل"، والسلطات والمؤسسات الدستورية "الوكيل". فيرى الشعب اليوم أن الممارسة السياسية والإدارية تناقض هذا الواجب. ولذا، جاءت ردات الفعل إيجابية من أكثر من مصدر، ومن مختلف مكونات لبنان السياسية والمدنية، افرادا وأحزابا ومؤسسات، سواء عبر الوسائل الإعلامية، أم عبر لقاءات مع شخصيات سياسية في الكرسي البطريركي".
وتابع: "لقد طالبنا بما يسمى في إنجيل اليوم "تأمين الطعام" أي "تأمين الخير العام" المطلوب من "الوكيل". "الوكيل" هو السلطة السياسية. وعليها إحياء المؤسسات الدستورية، وفي مقدمتها انتخاب رئيس للجمهورية بموجب المواد 73 و74 و75 من الدستور وروح الميثاق الوطني الذي يوجب على كل شريك في الوطن حماية حق الشريك الآخر، ليتمثلا معا تمثيلا سليما ومتوازيا في الحكم والإدارة، وبعيدا عن "ثنائيات" و"ثلاثيات" تقوم على حساب هذا الحق الوطني. وبذلك تعود الحياة الطبيعية إلى المجلس النيابي وإلى مجلس الوزراء. أما سائر المواضيع التي طرحت على طاولة الحوار، أو في لقاءات ثنائية، فهي على أهميتها، لا يمكن أن تكون ممرا إلزاميا لانتخاب الرئيس أو شروطا أو قيودا على المرشح أو على الرئيس المنتخب، لكونها تخالف الدستور نصا وروحا. بل يترك للرئيس أن يقود عملية طرحها ومعالجتها في المجلس النيابي ومجلس الوزراء وفقا للدستور، شرط أن يكون هذا الرئيس حكيما وفطنا وصاحب دراية، وكما جاء في نداء السادة المطارنة، "الرئيس الحكم"، لا "الرئيس الطرف"، ولا الرئيس الصوري".
أضاف: "الطعام المطلوب من السلطة السياسية هو النهوض بالاقتصاد اللبناني بكل قطاعاته التجارية والصناعية والزراعية والصحية والبيئية والسياحية والمالية، لكي يتوفر لكل المواطنين العيش الرغيد والآمن. و"الطعام" على المستوى الوطني هو تحقيق لبنان الساهر على أمنه واستقراره ومصالحه ورسالته، لبنان الدولة العادلة والقادرة والمنتجة، لبنان المجتذب إليه نخبة الشباب وأرباب العمل والمثقفين القادرين على بناء مؤسسات عالية الجودة وإدارتها، لبنان الضنين على بيئته ومياهه وجمال طبيعته، لبنان القادر على تخطي الأزمات الكبرى، بحيث يتوصل دائما إلى التسويات السلمية، وإلى إزالة الغموض، وإيجاد الحلول المناسبة".
وتابع: "من أجل تأمين هذا "الطعام الوطني"، ينبغي البحث عن "وكلاء أمناء وحكماء"، يوكل إليهم تقديم "الطعام" للعائلة اللبنانية الكبرى، وفي مقدمهم الشخص المناسب على رأس الدولة. واليوم، بعد سنتين وخمسة أشهر من الفراغ الهدام في سدة رئاسة الجمهورية، بات من واجب الكتل السياسية والنيابية أن تعلن بوضوح وتصارح، إيجابا أو سلبا، الأشخاص الذين صار ترشيحهم معروفا، منعا لرهن البلاد وشعبها ومؤسساتها للعبة سياسية نجهل أهدافها ومآلها. لقد آن الأوان كي يفعلوا ذلك، ويتوجهوا إلى المجلس النيابي، ويجروا عملية الانتخاب وفقا للدستور وللنظام البرلماني الديموقراطي، الذي يقره في مقدمته (الفقرة ج)".
وختم الراعي: "إننا نأمل من ذوي الإرادة الحسنة في المجتمعين المدني والسياسي في العمل من أجل هذه الغاية. ونرفع الصلاة إلى الله، بشفاعة أمنا مريم العذراء سيدة لبنان، وقديسي لبنان، كي يقود خطى الكتل السياسية والنيابية نحو الهدف المنشود منا جميعا. فنرفع نشيد المجد والشكر للآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك