يوحي بعض التحليلات والمواقف بأنّ انتخاب رئيس الجمهوريّة بات مسألة أيّام أو، في أسوأ الأحوال، أسابيع. إذا ابتعدنا قليلاً عمّا نشاهد ونسمع ونقرأ، واستخدمنا المنطق لا العاطفة، لوجدنا أنّ الرئاسة أبعد بكثير ممّا يظنّ المتفائلون...
في سوريا حربٌ دوليّة يكاد يشارك العالم كلّه فيها، ولو بأحجام ونسبٍ مختلفة. ويروي مصدر دبلوماسي أنّ مرجعاً لبنانيّاً سمع في روسيا كلاماً عن أولويّة الحدث السوري على ما عداه. وفي العراق حربٌ تتداخل فيها عوامل كثيرة، ويشارك فيها لاعبون كثر حتى تكاد أرض ما بين النهرين تتحوَّل الى مستنقعٍ كبير. وفي اليمن غير السعيد دمٌ يهرق وشعبٌ يدفع ثمن الصراعات الكبيرة، وحربٌ قد تطول كثيراً وهي واجهة لحربٍ أخرى، مباشرة أو بالواسطة، بين السعوديّة وإيران.
وبعيداً عن شرق الحروب، ينشغل العالم في الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة التي من شأن نتائجها أن ترسم تحوّلات في المنطقة لن يكون أيّ بلدٍ بمنأى عنها، علماً أنّ هذه التحولات التي قد تنتج عن تغييرات في السياسة الخارجيّة الأميركيّة لن تتبلور قبل الربيع القادم.
فهل يُعقل، في ظلّ هذه اللحظة الإقليميّة المشتعلة والدوليّة المفصليّة، أن يخرج لبنان - الساحة كالشعرة السليمة من عجين الصراعات وينتخب رئيساً بفعل إرادة داخليّة أو يقظة ضمير أو تلاقي مصالح؟
ثمّة واقع آخر، يضاف الى ما سبق...
يدفع حزب الله ثمناً كبيراً للحرب التي يشارك فيها في سوريا، حيث يواجه، من بين دولٍ أخرى، المملكة العربيّة السعوديّة التي تملك موقفاً علنيّاً واضحاً من هذه الحرب، فهل من الممكن أن يوافق "الحزب" على وصول ممثّل السعوديّة الأول في لبنان الى رئاسة الحكومة في مثل هذا التوقيت؟ وهل بلغ "الحزب" مرتبةً من الغباء، هو الأبعد بين الفرقاء السياسيّين اللبنانيّين عنها، كي ينتشل رئيس تيّار المستقبل سعد الحريري من أزمتَيه السياسيّة والماليّة عبر تغطية مجيئه الى رئاسة الحكومة، مع ما سينتج عن ذلك من نتائج من أبرزها استعادة الحريري لما فقده في الشارع السنّي لصالح زعامات تخدم حزب الله استراتيجيّاً ولو عارضته بشدّة. فـ "الحزب"، بالتأكيد، من أكثر المستفيدين من سقوط أحاديّة الزعامة السنيّة أو زعزعتها، بأحسن الأحوال، فهل يتخلّى عن ذلك ليقدّم رئاسة الحكومة الى الحريري على طبقٍ برتقاليّ؟
وبعد، هل يذهب حزب الله الى الرئاسة، ولو بمرشّحه المعلن، من دون الاتفاق على هويّة وزير الداخليّة الذي سينظّم الانتخابات النيابيّة، ومن دون التأكّد من الحجم الوزاري الذي سيناله حزب القوات اللبنانيّة في الحكومة، ومن دون إرضاء حليفه سليمان فرنجيّة لإقناعه بالانسحاب، ومن دون ضمانات تتعلّق بالبيان الوزاري، الى ما هنالك من أسئلة تشكّل سلّةً كبيرة توازي تلك التي يطالب بها رئيس المجلس النيابي؟
أمّا بالنسبة الى الأخير، أي الرئيس نبيه بري، فهو لن يكون متساهلاً في تغطية عهدٍ يدرك مسبقاً بأنّه سيواجه صعوبات عدّة في التعامل مع سيّده، بالإضافة الى الضمانات التي يطلبها، بدءاً بقانون الانتخاب وامتداداً الى حجم وشكل تمثيله الحكومي الذي يبدأ من وزارة المال التي من شأن تولّيها أن يكبّل العهد الجديد والحكومة معاً، الى ما هنالك من تفاصيل يبرع بري في إخراجها، كالأرانب، من قبّعته.
ما سبق كلّه، ويمكن بعد إضافة الكثير عليه، يشكّل عائقاً كبيراً أمام الانفراج الرئاسي القريب. نكاد نجزم بأن لا رئيس في 31 تشرين الأول، ولا في التاريخ الذي سيُحدّد للجلسة التي ستليها، إلا أنّنا في لبنان والمستحيل قد يصبح ممكناً بين ليلةٍ وضحاها. أما إذا اعتمدنا على الواقع والمنطق معاً، فعبثاً نتفاءل...
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك