احتفلت نقابة المحامين في بيروت بـ"يوم المحامي"، في قاعة المحاضرات الكبرى في "بيت المحامي"، شارك فيه، الى خطباء الاحتفال، عدد من نقباء المحامين السابقين واعضاء مجلس النقابة الحاليين والسابقين والقضاة وحشد من المحامين والمتدرجين وطلاب معهد المحاماة.
بدأ الاحتفال بالنشيد الوطني فنشيد النقابة، وألقى كلمة الافتتاح امين سر مجلس النقابة المحامي جميل قمبريس الذي قدم للخطباء، وقال: "10 تشرين الأول من كل عام، هو يوم أغر من أيامنا، ولا شك في أن نقابة المحامين، أضافت إلى تراثها العريق مأثرة جديدة بإحيائها يوم المحامي".
اضاف:"في هذا اليوم بالذات، يقتضيني الإنصاف بأن أبرز بعضا من تطلعاته، وفاء لرسالة الحق التي نذر نفسه لها مذ نال ثقة زملائه لسنة خلت.
لن أبدأ بتعداد مزاياه إلا بالقليل، فما أنا بقادر، ولا هو يريد. إلا أنه مجموعة شمائل إذا عددناها أعيان الحساب".
وختم: "هو كاهن هذا المحراب، هاشمي الإلهام. حبه لنقابته ولزملائه - العائلة الأحب على قلبه كما يردد - هو في شكل صلاة. والصلاة وحدها لا تجدي إن لم يكن على رأس هذه النقابة نقيب نسج للأناقة الخلقية والمهنية وشاحا خيط إسمه عليه بأحرف بيض.
ثقتنا كبيرة، بأن عهدا من الإنتصارات المهنية الإستحقاقات والوطنية أطل معه على المحاماة، وهو بهذه الثقة لجدير.
وتلاه نقيب المحامين أنطونيو الهاشم، بكلمة قال فيها: "ليس العاشر من الشهر العاشر وحده "يوم المحامي"، فالذين نذروا أنفسهم لخدمة الحق، يومهم كل يوم.
أرحب بكم ويعز علي أن تغيب عن إحتفالنا اليوم رعاية رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، ولعلكم تشعرون مثلي بالخجل والغضب لأن المؤتمنين على الدستور فشلوا في حفظ الأمانة.
أرحب بكم، ونحن في مستهل سنة قضائية جديدة، تشعرون مثلي بتخاذل السلطة المؤتمنة في إصدار التشكيلات القضائية من دون أي مبرر.
سنة رفعنا فيها الصوت دفاعا عن الدستور وحقوق المواطن، فلا من يسمع ولا من يجيب.
إنتهاكات بالجملة للدستور ولحقوق الناس. أما ردة الفعل الخجولة للمجتمع اللبناني فليست بمستوى الأذى اللاحق به.
فيا أيها اللبنانيون، لننتفض معا لأن اليأس والإحباط ليسا من صفات شعبٍ كافح وقاوم وبنى عبر العصور حضارةً عريقة بين حضارات العالم.
تحملنا ظروف الوطن مسؤوليات إستثنائية. نحن مدعوون الى أن نقرع كل يوم جرس الإنذار تنبها وخوفا من موت الجمهورية".
اضاف: "نحن مدعوون الى ان ننشر في مجتمعنا حركة الوعي الوطني لإدراك الأخطار الناجمة عن فراغ رئاسة الجمهورية وتعطل عمل الحكومة وشلل مجلس النواب الممدد لنفسه بأعذار لا تقنع جاهلا ولا عاقلا.
نحن نرفع الصوت مجددا، وهذا واجبنا، وسنحرك المجتمع دفاعا عن بقائه.
لقد شبعنا كلاما عن إعادة تكوين السلطة والعبور الى الدولة، فالمبشرون بهذه المثل يخربون السلطة كل يوم، يدفنون الديموقراطية كل يوم ويمنعون بأفعالهم قيام الدولة ويكادون يعلنون وفاتها.
يختلفون على المغانم فيما يرزح شعب بأكمله تحت وطأة الخطر والنفايات والديون.
ينكلون بالميثاق ويحتمون بطوائفهم".
وسأل: إلى متى سنصبر على أفعالهم؟ إلى متى يطبق الصمت علينا مستسلمين؟ سيخرج صوت الغضب ودوي الثورة من بطون الجائعين، من أنين المرضى، من حناجر الطلاب والمعلمين، من سواعد العمال والمزارعين، من قلق الأمهات والأباء.
إلى متى يصمت الشرفاء عن إستباحة حقنا في الحياة الكريمة، في دولة ترعى أمورنا كما هي حال الشعوب المستحقة للحياة؟
إلى متى سيظل القاضي والمحامي والطبيب والمهندس ساكتين عن الظلم؟
إلى متى نتفرج على أولادنا، يحزمون أمتعة الهجرة ويرحلون هربا من اليأس؟".
واردف: "عذرا على سوداوية ليست من طباعي، فأنا إبن ثقافة الرجاء والأمل، غير أنني لا أهرب من الواقع ولا أدفن الأسى في الرمال.
فليع الجميع أن نقابة المحامين هي مشروع وطن لا مشروع سلطة.
فكيف لنا أن نحتفل بيوم المحامي فرحين ومن حولنا كل هذا الظلم وهذا الفساد؟
لم نشأ أن نعدد إنجازات عام من ولايتنا فمهما أنجزنا لا نزال مقصرين".
اضاف: مطلقو "يوم المحامي" مبرورة مبادرتهم، والأجمل ذهابهم، من خلاله، الى أن المحامي هو الإنسان الذي يحيا به الفكر، ويحيا له، والى أن تاريخ نقابته يبدأ مع حضارة الإنسان، كما قال القاضي Chammard.
في يومك أيها المحامي، أيتها المحامية، لن أتحدث عنك، بل أتحدث إليك،
الحديث عنك ماض، الحديث إليك مستقبل، الحديث إليك حديث صراحة من القلب الى القلب.
أيتها المحاميات، أيها المحامون، أعرف تمامٍ ما يختلج في نفوسكم من مشاعر غضبٍ وحزن ،يوم لبنان في ظلم وظلمة، يوم السياسيين في ضياعٍ وتمزق،
يوم اللبناني في وجع ولهفة، يوم القضاء في تعسرٍ وأزمة، يومها نتطلع إليكم، فتعجز أي ظروف، ولو قاهرة، عن تبديل ما تجذر داخل نفسكم من صلابة وإخلاص وعزم. وكأننا معنيون بقول المتنبي:وحالات الزمان عليك شتى وحالك واحد في كل حال".
وتوجه الى المحامي: "أعرف تماما أنك متعب من كل شيء:
متعب حين تغرق في الأوراق وهي جافة متجهمة، تتصفح المستندات باحثا في زواياها عن بصيص أمل.متعب حين تتلقى صدمات الإجراءات والمحاكمات وتتهددك إطالة أمد المهل بصرامة وقساوة.متعب حين تستنزفك جلسات معظمها غير ذات جدوى.
متعب حين ترى العدالة تتهاوى في أدراج قصور العدل المنهكة.
متعب حين لا تجد أن تعبك كوفئ.
متعب حين ترى جهدك يذهب هدرا مع تدخلات السياسة الظالمة في القضاء المظلوم.
وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجساد، لكني أعرف تماما: من سكب العرق، لتكون له لقمة الخبز، شريفة كدمعة عذراء، من عف عن ارتكاب، وما استخدم قلمه، في مذكرة أو لائحة، إلا دفاعا عن الحق والحقيقة، من كان ذا رأي وموقف وقرار، صادقا في كلامه وعمله، من بحث عن اقتناعه قبل اقتناع القاضي، من لا يغلق باب مكتبه في وجه طارق، وجسده لا يتعب في مرافقة صاحب حاجة وصوته لا يصمت عن حق ،من تجرأ في وجه الفساد والمفسدين، فما أحنى جبينا، وما عاش في ظل، ولا ذل، ولا زلت به قدم، من مثلك كانت هذه صفاته، لا يسقط ولن يسقط بل يستمر في النضال في تحصين العدالة والقضاء وبناء الوطن الذي لن نتعب منه ولو تعب منا العالم".
وتابع: "ربما يقول البعض، ما بها نقابة المحامين تدعو الى هذا اللقاء، ومع هذه النخبة، والزمن زمن توتر وانتظارات قلقة وأفخاخ وألغام، وليس زمن الكلمة الراقية، الحلوة، الصافية والمباركة، والزمن زمن صراخ وتحديات وظواهر صوتية، لا زمن لقاءات وحوارات وابتسامات نابعة من القلب.
نعم إحتفالنا بيوم المحامي، ينتزعنا من هذا الزمن الكئيب، من سخافات هذا وذاك، من الأكاذيب والصغائر وتفاهات السياسات اليومية، لتعيد إلينا بعض وهج الحياة من خلال التطلع إليك، أنت المحامي-الإنسان الرسولي الذي لا يتعب ولا يستكين...
أما نقابتك المختزنة نحو قرن من النضال دفاعا عن الحق والحرية، هي تاريخ فكرٍ لا يحصره أفق وطموح لا تحده غاية، وعزيمة لا تعوقها عقبة ولا تفوقها قدرة أيا كانت الأيام عصيبة.
أملي بالمحامين، أن يبقواأمناء على تاريخ نقابتهم المجيد وعلى رسالة المحاماة، يبددون الظلمات، يقاتلون الظلامات، يشهرون سيوف الحق في وجه كل ظالم متعسف".
وقال: "كلمة أخيرة أوجهها إليكم بقولٍ مأثورٍ لأحد نقبائنا السابقين وآباء المهنة: "حسب المحامين، في هذه الحقبة العصيبة من عمر لبنان السياسي، علمهم، أخلاقهم، أقلامهم، كدهم وجهدهم، جرأتهم وشهامتهم، في خدمة الإنسان ولبنان. إن وطنا يسلم أمانة السلطة ومقاليد الحكم الى رعيل من المحامين الكبار، والتاريخ شاهد، لن يكون فيه القانون شهيدا ولا ضحية".
وختم: "لن نستحق الإحتفال ولا الأعياد إلا عندما ننجح في حمل السياسيين على القيام بواجباتهم ليعود للجمهورية رئيسها ولكي يبدأ معه انتظام عمل المؤسسات وورشة الإصلاح وإعادة تكوين السلطة المنبثقة من إرادة الناس".
وألقى وزير الشؤون الإجتماعية رشيد درباس، كلمة قال: "ليست عودة إلى بيت الطاعة، فما أنا من أهل النشوز، لكنه الهوى الأول يسير بي إلى منزل أول، هو بيت المحامي الذي يعاد إليه عفوا وطوعا من غير قرار،المشرع الأبواب لأبنائه؛سواء منهم الذين مازالوا على قيده، وأولئك الذين علق قيدهم بين سماء وأرض، كما هي حالي.
ولكنه أيضا الشيخ النقيب يومئ بطرفة نداء إلى الرعية فتستجيب. وكنت قد استجبت قبل 17 عاما حين باغتني الأخ النقيب أنطوان قليموس وباغت جمع الحاضرين آنذاك بتعييني رئيسا للجنة الدفاع عن مرسال خليفة، فنفذت الأمر لأكون مثلا في الامتثال بمعية الأخ النقيب ميشال اليان عجل الله شفاءه. واستجبت كذلك حين عينني نقيبنا في ذلك الوقت الأخ جورج موراني لأدافع عن محامين من نقابة طرابلس اعتقلوا في آب المشؤوم، فحولنا الأمر فخرا لنا وللقضاء بقرار الرئيس رالف الرياشي الذي اهتزت له الأركان، وكان ذلك بحراسة صارمة من الأمير الرئيس الأول منير حنين. فما أنا إذا إلا من غزية، حق علي أن أعود الى ومض من الدقائق أنعم فيها بشميم نقي الهواء، بعيدا من دوامة لا تنتهي وحمأة يشتد لظاها ولا نحس بلسعها وأذاها، ولا نتحصن مع الأسف من عقباها".
واضاف: "وزير أنا للشؤون الاجتماعية ومنسق لأخطر قضية مر بها لبنان، وعضو في حكومة تتجاذبها الأهواء وتضربها الأنواء، وتعصف بها المصالح الصغيرة ذات الأضرار الكبيرة، ولا تدري متى يحم أجلها، تمادت في الزمان وتقلصت في المكان والإمكان، فهل أستنزف فسحتي القصيرة لأحدثكم عما تعاني ويعاني رئيسها الصابر الصامد؟!
إسمحوا لي أيها الزملاء أن أعود إلى ردائي الأسود بياقته المنشأة لأعتز بالوقوف بين الشيخ النقيب والرزق الذي ساقه الله إلى الأدب والمحاماة والرجولة والوطنية معالي الأستاذ إدمون، والزميل الحلبي الذي يبكي ونبكي معه حلبه، أصل عائلته وحاضرة بني حمدان وقصيد المتنبي في سيف الدولة، في "يوم المحامي" الذي يجب أن ترتفع منصته في موعدها من كل عام مساحة صلاة، ومحراب مناجاة، وركن تأمل. ذلك أن مهنتنا ليست حرفة للتكسب، إذا رددناها إلى أصلها وجدناها جلبابا أسود أشبه بمعطف طويل تأثرا بالشعائر الدينية التي كانت سائدة آنذاك في ممارسة المحاماة، وخصوصا أن قسما من المحامين كانوا من رجال الدين. فالمحاماة كمهنة علمانية لا تستطيع ان تنكر جذورها التاريخية الدينية. ومن العصور الوسطى كانت الاحتفالية ذات شكل طقسي، انطلقت من كنيسة سان نيقولاوس حيث كان تجمع المحامين والمدعين العامين معا".
وتابع: "كما نذر رجل الدين نفسه بالأصل لخدمة رعيته روحيا واجتماعيا تحت راية القيم الدينية، فإن الدفاع عن الحق قدر من نذر نفسه وعلمه مجانا لخدمة مماثلة وكان التزامه ذاك التزاما طبيعيا "obligation naturelle" تحول مع الزمن إلى التزام مدني "obligation civile"، وما زال قانون الموجبات والعقود في المادة 770 يعتبر الوكالة عقدا بلا مقابل من دون أن يكون هناك مانع يشترط العكس. وفي العصر التركي، عندما تنظمت المحاكم الشرعية، كان معظم المحامين من رجال الدين الاسلامي، لأن القانون السائد كان الشريعة الاسلامية".
وقال: "القيم الروحية والدينية يعبر عنها الوعاظ والكهنة في الفصل الأول من مسرحية الحياة المخصص للتذكير بالمطلقات والحياة الآخروية ووصايا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واتقاء الذنوب والقربى من الله والزلفى إليه، لكن المسرح لن يخلو من رواده بمجرد انتهاء هذا الفصل، فللحياة فصول أخرى، يجب أن تكون مضبوطة تحت تلك المطلقات، والمحامون المدافعون عن الحقوق هم بعض من أهم فرسان هذا المسرح. معنى هذا أنهم في ممارستهم لمهنتهم من موقع الانحياز، لا يستطيعون أن يذهبوا في حقوقهم الى نهايات لا ضوابط لها، بل هم بحكم القانون والتقاليد، متقيدون بمجموعة من القواعد والقيم هي في ذاتها تجليات لما تواضعت عليه الأديان على اختلافها.
ونجد هذا الاتجاه في تحديد مفهوم النظام الذي يتصل بمفهوم الدين المرتبط بالله في التراث الهندي مثلا، وعند النظام البوذي أو ما يسمى "اللاوتسو" أن النفس الفردية هي جزء من النظام الكوني لكن انحرافها عن هذا النظام يوقعها في الخطيئة، وهذا ثابت في التراث المسيحي أيضا، وأشير في هذا الصدد الى ما ورد في:
Gazette du Palais 4 déc.1984 p 543
Doctrine:
تحت عنوان :" L'avocat et la verité "
"Auxiliaire de justice tout autant que defenseur ,l'avocat pourrait-il user du mensonge pour arriver a ses fins?
Poser le probleme c'est le resoudre ; la fin ne justifie jamais les moyens, on ne peut rechercher un bien par des moyens mauvais. Telle est la tradition de la morale Chrétienne qui fut la morale de tous pendant des siècles praticuliément celle de l'Ordre des Avocats: Confrérie de nature religieuse."
Ainsi une tradition de morale religieuse ,laicisee au 19 eme siecle ,a maintenu avec fermete cette obligation de l'avocat a la verite que d'aucuns voudraient aujourd'hui oublier.
وفي القرآن الكريم يخاطب الله نبيه في سورة النساء بآيات بينات هي في حقيقتها توجيه للبشر جميعا وقد أنزلت حثا للرسول على إنصاف شخص غير مسلم في نزاعه مع شخص مسلم: "إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما"، "واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما"، "ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما"، "يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا"، ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا. صدق الله العظيم".
واضاف: "إن المحامي في نزاعه مع الطرف المخاصم يدافع عن جانب من الحقيقة فيما الجانب الآخر يدافع عنه محام آخر وهما في خصومتهما الراقية يعبدان معا الطريق إلى الحقيقة الكاملة.
والقانون حيث منح نقابتينا عنوان ordre، إنما أراد أن يمنح المهنة في ذاتها نظاما يرتبط بوحدة المجتمع وأمنه في ظل شبكة العلاقات الاجتماعية".
وتابع: "منذ 50 عاما، مطلع صيف ذهبت إلى قصر العدل مع بعض الزملاء وكنا نرتدي ثيابا خفيفة. فرآنا النقيب حميد معوض، ودعانا إليه، ونبهنا إلى أن ثيابنا هذه قد تعرضنا لنزلة برد، وأن علينا أن نرتدي بذلاتنا أو نلجأ إلى زينا الرسمي، وكان في هذا يشير بطريقة لطيفة إلى ضرورة تحلي المحامي بقيافة مقبولة ما دام قائما بعمله.
وكان رحمه الله إلى لحظة أن أقعده المرض في الفراش، يزورني كل يوم في مكتبي في النقابة، ويوجهني توجيه الأب لابنه ويعطيني ملاحظاته، بما فيها ملاءمة لون ربطة العنق للسترة والقميص، لكنه، وهو بمثابة الراعي الذي سجلني في النقابة عندما كان نقيبا، لم ينس لحظة مقام النقيب. وفي مرة، كنا نزور رئيس الجمهورية فأمسكته بيده وقدمته علي، فانتفض غاضبا وقال: ألا تعرف الأصول؟ أنت، حتى نهاية ولايتك، لا يتقدمك محام.
وفي اللحظة الحزينة التي لا أنساها، وقفت أمام نعشه وقلت له: يا أبانا الذي في الأرض، هل أزف موعد الصعود إلى السماء، حتى تحولت اللمة البيضاء إلى هالة تزين رأسك كما الملائكة والصديقون، وانتشر حاجباك الشامخان شراعين لزورق الرحيل. هل تسمح لي الآن أن أسير وراءك!؟".
وختم : "لا أنسى الأمثولة التي علمنيها النقيب الأب المرحوم عدنان الجسر عندما حفر في نفسي تلك العبارة الذهبية:" إذا أردت اكتساب ثقة الناس، فعليك أن تريهمالأمور بأعينهم لا بمخيلاتهم".
ربما كان هذان الدرسان كافيين للتذكير بأن المحاماة مهابة وثقة، وأن البيت الذي يجمع المحامين حميم وقور،وأن حامل العصا النقيب أب حنون وقور، وكل من يعق هذا ينكره سواد الرداء ويبرأ منه بياض الياقة".
وألقى المحامي بسام الحلبي كلمة قال فيها: "أقف على هذا المنبر، بخشية وإعتزاز وشكر، الخشية لأن كلمتي ستكون بعد ثلاث كلمات ، ألقيت من زملاء كبار أمراء في القانون والأدب و الخطابة، و الإعتزاز هو لمهنتي التي ورثتها أبا عن جد ، إنطلاقا من اسطنبول في نهايات القرن التاسع عشر مرورا بدمشق و وصولها الى بيروت في القرن العشرين ، وحملتني اجمل صفتين يحملهما الإنسان، فأكون أحيانا المحامي وأحيانا أخرى الأستاذ، وهل هناك أعظم من هذين اللقبين المشرفين، والشكر لربي ألذي كرمني بسنوات من المحاماة ارجو أن يطيلها سنتين أخريين لأحظى بمدالية الممارسة التي تمنح بعد 50 عاما من مزاولة المهنة".
وأضاف: يوم المحامي؟ أعتقد أن المحامي لا يوم له لأن كل الأيام أيامه، فالحق والعدالة و الدفاع عنهما يمتزجان بشخصه، والحقان لهما كل الحياة فهو بذلك يعيش مدافعا عن الحق وساعيا الى تحقيق العدالة ما يجعل كل دقيقة وثانية مرتبطة به حاميا الحق والحقيقة، وساعيا الى تطبيق مبدأ سيادة القانون".
وتابع: "انتهز وقوفي على هذا المنبر لأنادي رب البيت قائلا له: ان أفراد العائلة بحاجة الى رعايتك، خاصة العلمية، فتشددوا معهم حيث وجب الأمر لأنه يجب الا يحمل لقب المحامي من لا يستحقه، علميا وأدبيا، وهو من أنبل الألقاب التي يحملها الإنسان، فاذا حمله من لا يستحقه يتحول الى عارض حال مبتعدا عن العلم والتحليل القانوني، و لنعزز المعهد وندخل في برنامجه مادة علم صوغ اللوائح والبحث، ومادة حسن العلاقة مع القضاة بجعل العلاقة معهم علاقة خطية نطلب منهم ما نريد خطيا
ويتخذوا القرار الذي نطعن به إذا وجدناه في غير موقعه، فنزيل بهذا المفهوم كل إمكان للتصادم معهم. والعلاقة مع الموكل بشقيها، العلمي الصادق والمادي الواضح و ذلك عبر تعزيز ثقافة إتفاقية الاتعاب".
وقال: "لا يمكننا ذكر المحامي من دون ذكر من يؤكد ويعطي المحامي الحق الذي أؤتمن عليه واقعا ووجدانا ودافع عنه بعلم حاميا له من المعتدي عليه، وأعني بذلك القاضي، ذلك الإنسان الذي حمل ما لا طاقة لبشر به، فهل هناك أثقل على ضمير الإنسان من الفصل بين رأيين مقتنعين بأنهما صاحبا حق ، فيفصل بينهما ويضيء على الحق ويعطيه لصاحبه، وهنا تظهر فروسية المحامي ونبله فيقول لا يمكن أن اكون على صواب وما لا يقل عن سبعة، و أحيانا تسعة قضاة ، قرروا خطأ رأيي فيعتبر المبارزة النبيلة منتهية ويصافح زميله متبادلا التهاني معه لظهور الحق.
وكلمة هنا أوجهها إلى السادة القضاة، الفيصل في المبارزة بين المحامين، فأناديهم قائلا أجعلوا المبارزة قصيرة الأمد لأن إطالتها هي تحويلها إلى مشاجرة بين الخصوم بحيث يستفحل الخلاف ويصدر الحكم بعد فوات أوانه وزيادة الأضرار على الأفرقاء وعلى المحامين".
واردف: "نتمنى إذا تعذر الإسراع لأسباب إدارية أن تصدر القرارات، أقله، في التواريخ المحددة لها لأن مرور الأشهر، وأحيانا السنوات، على التاريخ المحدد لصدورها هو تعميق للخلاف بين المتقاضين فالتأخر في إحقاق الحق هو كعدم إحقاقه، كما أناديكم أن ترفضوا ربط تحرككم بتعبير رفع الغطاء عن المرتكبين لأنه يشكل إهانة للقضاء والمحاماة معا، ويؤكد أن هناك قوى مسيطرة تمارس قضاءها الخاص وتجيز لكم ممارسة سلطتكم إذا سمحت، وهو ما يقضي على العدالة كسلطة مستقلة درسناها في كليات الحقوق وغيبت في وطننا وحل محلها سلطة من يرفع الغطاء. فأنتم يا سادة السلطة الوحيدة الباقية من سلطات الدولة، فالأولى أغتيلت والثانية أصيبت بالشلل ولم يبق سوى سلطتكم تقوم عليها الدولة، نعم العبء ثقيل ولكنه شرف كبير لسلطتكم أن يقال في التاريخ أنه عند إنهيار عمودين من الأعمدة التي تقوم عليها الدولة في لبنان تبين أن السلطة القضائية هي الوحيدة التي منعت انهيار الوطن. وأتوجه الى السادة رئيس معهد الدروس القضائية و مديره بالقول أنه لا بأس من إدخال في برامج معهد الدروس القضائية ، شأن معهد المحاماة، مادة حسن التعامل مع المحامين منعا لأي إشكالات،
والتقيد بمواعيد المحاكمات وغيرها من الأمور الإدارية ألتي تسهل وتنظم مهام المتقاضين والمحامين ولن أستفيض".
وتابع: "أستغل يومنا هذا أيضا لأتوجه إلى المسؤولين في هذا الوطن الحبيب وأقول لهم إن هذا الشعب الطيب يئس مما يعانيه على الصعد كافة، وألفتهم إلى أن "الداعشية" ليست فقط بقطع رؤوس البشر فهناك "الداعشية" السياسية التي تقطع رأس الدولة وأرزاق المواطنين وتغطيها ببدعة الديموقراطية بالإمتناع".
لذلك، ننادي في هذا اليوم العظيم هؤلاء ونقول لهم: إذا كانت الداعشية تقطع رأس الإنسان لتبني دولة التخلف ، فإن الديمقراطية بالإمتناع هي قطع لرأس الدولة لنصرة الشخص . لذلك أنادي من هذا المنبر رئيس السلطة التشريعية، المحامي الأول الزميل الأستاذ نبيه بري، زميل الدراسة والمهنة، وأقول له: "إجتهد يا دولة الرئيس وأرسم لهذا الشعب خريطة الطريق لعدم قطع رأس دولته".
وختم: "مناسبة عظيمة تكرم من يستحق وهو المحامي والمحاماة، وتكريم المحامي هو تكريم للسلطة القضائية و للشرعية بأكملها التي نشاركها وتشاركنا الإحتفال.
وأختم موجها تحية خاصة الى النقيب الكبير الأستاذ عصام كرم التي أطلق هذا اليوم وجعل منه مناسبة وطنية".
والقى الوزير السابق ادمون رزق كلمة قال فيها: "موعد تجديد النذور، ليس عيدا فقط، يوم المحامي، أو مجرد عطلة إضافية. ولا هو وقت مستقطع لاحتفال تقليدي، يستعيد ماضيا لنسيان حاضر. إنه موعد "تجديد النذور" وتأكيد القسم الذي أديناه، لحظة أدرجت أسماؤنا في سجل المحامين اللبنانيين، وقطعنا على أنفسنا عهد الشرف، لنستحق ارتداء الحلة السوداء، الموشحة بياضا، والوقوف أمام الأقواس، لممارسة طقوس الرسالة.
إنه يوم التذكر والتذكير، محاسبة الذات على أداء سنة عبرت، وهل وفينا حقا أم أخللنا بواجب، أتممنا سعيا أم انتقصناه، خذلنا موكلا أو أنجزنا وعدا ؟! وعلام مقبلون، نحن، وبما مضطلعون؟
يومنا لوقفة وجدان، لتأمل وقرار فعل، لا تدبيج كلمات.
يجلجل فينا، الظهيرة، صوت الوطن المهيض الجناح، المسيب، المستباح، يترنح على قارعة الأمم، يتسقط إنعامات العواصم حلولا، يستجدي قرارات الترئيس والتوزير والتنويب، يستعطي المساعدات، يلتمس الرضى، يستكين استضعافا، وهو العرين! يعبث بالتشريع، فيما عاصمته تتباهى بأنها ظئر الشرائع، أمها والمرضع... يتهرب من الاستحقاقات، رازحا تحت أعباء الزمان والمكان، انهكته الفراغات، أمضته التخليات وخذلان الأقربين، إضاعة لمكتسبات أودى بها حكم الجهالة، وأمعن فيها المتهالكون على المناصب، المتناهشون الأنصبة، عن المواثيق نكولا، بالسلطات المصادرة تصادما، مزايدات وتشاتما، بالمشاعر اتجارا، ولضيق العيش استغلالا، وما من يحاسب، أو يقوم أودا؟! من يجاهر بأن التعطيل ليس حقا، وأن غياب المسؤول ليس شرعا، وأن أكوام التنظير وأكداس الاجتهادات، تحت الطلب، لا تعوض نقصا ولا تصلح خللا، فالأصل، في كل تكليف، الحضور والانجاز".
وأضاف: "سؤال، نداء، يهدر في مسامع المحامين، وأرباب الأقواس، القيمين على الأحكام، حاملي أمانة العدل، صفوة القضاة، وسائر أهل الرجاء، على وسع المهن الحرة جمعاء، وامتداد المناطق: من للبنان في محنته؟ في كبوة جياده، نبوة سيوفه، حطة المنتفعين بمأساته، تخلي الضامنين عن عهد المتابعة، وإشاحة المهتمين، وقد أيأسهم حوار مستحيل، يدور في حلقات مفرغة، بين أضداد يتجاذبون مكاسب ظرفية، يتنازعون أشلاء الجمهورية حصصا، ويتوزعونها سلالا!. ثم يختلقون للخيبات أعذارا، ينتحلون صفات المنقذين، والكل متنصل، يلقي على الآخرين، تبعات وأوزارا!".
وتابع: "من للبنان؟ في طوف اللجوء وضيق المساحة، تهديد الاستقرار والسلامة العامة، بالرغم من بطولات الجيش والأجهزة الأمنية وتراكم المطالب الاجتماعية،
تدوي الصرخة، يلج السؤال: من ؟
إلام النخبة غافلة والأكثرية صامتة؟
هل هي راضية، متواطئة ضالعة، أو متخاذلة متغاضية؟
متى النهوض؟ وحتام الانتظار؟
من للبنان؟يدرأ الخطر الوجودي؟! من ينقذ الكيان الحلم، آية الأوطان ؟ من دركي الدستور؟.شرطي القانون؟ راهب النظام وخادم الهيكل، الذي لا يبغي شيئا لنفسه؟ لينهض ويتقدم، حاسر الرأس، فهو المنتظر!".
وقال: "لبنان الأصيل، أن يكون واحدا موحدا، في الحرية والكرامة، في السيادة والاستقلال، في الوفاق والمصالحة، في العلم والعمل، في الإنماء المتوازن وشراكة المسؤولية، بالحكم الصالح والمنعة الذاتية، الحق والعدالة يكون هكذا، لجميع أبنائه على السواء، يتولاه الخلص الأكفياء، خداما لشعبه، لا أسيادا، فعلة في كرمه، تواضعا وإخلاصا، لا وجاهة ولا زعامة، تضحيات وزهدا، لا استغلالا ولا تقاسما وتوزيعات... لا مواريث وأنصبة مغتصبة، لا غرورا واستعلاء، تبجحا وادعاءات، وعودا جوفاء... ورهانات وهمية! بل تداول شهم، وتكافؤ مبدع خلاق!".
وأضاف: "أوان اذلقرار والموقف، لحظة المبادرة، يطلقها المحامون من نقابة بيروت، لانقاذ توأمها، "دولة لبنان الكبير"، عشية مئويتهما، تأكيدا لرهان الآباء المؤسسين، الذين ادركوا بعد الرسالة، في عالم أرهقه التمييز العنصري وأمضه التوسع، فلا يجد مناصا من درء صراع الحضارات وإرهاب الردات الظلامية، بغير حوار ثقافات حية، يكون له لبنان مثالا ومقرا، فلا شروط مسبـقة، لا تعجيزات، لا رفضية ولا فوقية، لا فئوية، لا تحزب وتطيف، لا مربعات ومحميات وأحياء مغلقة، ومطارح محرمة، بل انخراط جماعي، شامل وكامل، في مشروع الوطن الواحد الموحد، "الأصغر من أن يقسم، والأكبر من أن يبتلع"، الذي "إما أن يكون كله لجميع أهليه، وإما ألا يبقى منه شيء لأحد". تلك عبارات اطلقناها منذ اربعة عقود، فهل نتذكر ونعي، لنبدل ما بنفوسنا، حتى يغير الله ما بنا ؟ فنعيد وفاقا تمادى نقضه، نحترم دستورا تجاوز خرقه كل الحدود، ونضع حدا لانحراف سلطات تمعن تداخلا، وتعسفا جهولا، دأبها قضم وسطو، استباحة صلاحيات وانتهاك أصول، بلا وازع معرفة ولا رادع بصيرة ! تزري بالديموقراطية، وللأصول امتهانا!".
وتابع: "إن تطبيق وثيقة الوفاق الوطني، المجسدة في الدستور، التي يجاهر الجميع بالتزامها، ويتبارون في التمسك بها، هو الاولوية المطلقة، والممر الالزامي الحتمي للخلاص، ومنع انهيار سقف الجمهورية على جميع الرؤوس، وهو في أعناق المسؤولين، واحدا واحدا، فلا يتذرعن أحد بخطأ سواه، ولا يتنصلن من تبعاته بادعاء نكول غيره.إن الإحجام في موضع الإقدام، جبن وخيانة مشهودة!".
وقال: "في يوم المحامي، هذا أوان القسوة على الذات، لحظة الصدمة المبدعة، لإطلاق مسيرة الانقاذ الوطني، بدءا بوقف المضاربات على الفراغ، والرهانات على المواثيق الموضبة البكماء، الحلول الجاهزة في ترائيات السراب، لتأبيد حكم التفاهة والمروق، واستنساخ عهود الفراغ والهباء، انكارا لحق شعب أبي، وتنكرا لدماء شهداء أبرار!".
وختم: "ألا فلتبق نقابتا المحامين، يا معالي النقيب الرشيد، رفيق المنابر، الشهم المواقف، رهيف القوافي بين الوقفات، خصب الكلمات عنوانا لاستعادة الثقة بالنفس، وإحياء الرجاء. وليظل المحامون في نقابتيهم: بيروت والفيحاء، طليعة المناضلين من أجل الوطن، والحقوقيون، من كل صوب، حملة مشاعل النهضة، حيثما خفق للأرز علم، أو علا للضاد صوت!".
مـــــــــقـــــــــالات ذات صـــــــــلـــــــــة
إقــــــرأ أيــــــضــــــاً
COOKIES DISCLAIMER
This website uses cookies to give you the best experience. By continuing to
browse this site, you give us your consent for cookies to be used.
For more information, click here.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك