إذا كان أنصار زعيم "التيار الوطني الحر" العماد ميشال عون حوّلوا عطلة الأسبوع الى أوسع مهرجان استباقي للاحتفال بزعيمهم رئيساً للجمهورية اللبنانية قبل انتخابه وكأن انتخابه صار محسوماً بالنسبة اليهم، فان المشهد الداخلي بمجمله يقف أمام مفترقٍ غير مسبوق منذ سنتين ونصف السنة من عمر أزمة الفراغ الرئاسي.
سواء في الشكل الذي اتخذته التحركات الشعبية العونية امس في الشارع ولا سيما على طريق القصر الجمهوري في منطقة بعبدا ام في المضمون الذي تطوّرت اليه سريعاً الاتصالات والاستعدادات السياسية، بدأ العد العكسي لتبيُّن الخيط الأبيض من الأسود في ما خص انتخاب العماد عون يقترب من نهايات حاسمة.
واذا كان زعيم "التيار الحر" يرى انه بات على اقرب مسافة من "العودة" الى "بيت الشعب" الذي كان أُخرج منه بعملية سورية دراماتيكية العام 1990 المسماة عملية 13 اكتوبر والتي أحيا أنصاره ذكراها الـ 26 امس كانتصارٍ يتوّج مسيرة زعيمهم بوصوله الوشيك الى سدة الرئاسة الاولى، فإن المعطيات الواقعية التي برزت في الساعات الأخيرة تشير الى ان "أم العقبات" في الملف الرئاسي المتمثلة باشتراط رئيس البرلمان نبيه بري التفاهم المسبق على "سلّة" من الشروط تتناول طبيعة العهد المقبل والتوازنات فيه، تنذر بأن تفرْمل مجمل التسوية التي كانت لاحت بوادرها مع إطلاق الرئيس سعد الحريري المسار الجديد على قاعدة احتمال تأييد عون للرئاسة.
ذلك انه بينما كان عون ومجمل الوسط السياسي يعيش أجواء الإعلان الوشيك للحريري رسمياً دعم زعيم "التيار الحر" للرئاسة خلال زيارة يقوم بها الأخير لدارته وتعقبها إطلالة تلفزيونية لرئيس "المستقبل" يخاطب فيها جمهوره وخصومه، أخرج فريق "8 آذار"، حليف عون، "أرنباً من جيْبه" باغت به "الجنرال" (عون) كما الحريري وتمثّل في رسم معادلة "سلّة برّي"، التي يدعمها "حزب الله"، مقابل الموافقة على وصول زعيم "المستقبل" الى رئاسة الحكومة، في ما بدا قطعاً للطريق على التفاهم الذي كان جرى بين الحريري وعون على قاعدة "تبادُل الرئاسات" وذلك بمعزل عن بري وخريطة الطريق التي يراها "الممر الإلزامي" لدخول اي مرشح الى قصر بعبدا.
وكانت أولى إشارات تعليق قبول "8 آذار" بعودة الحريري الى رئاسة الحكومة، برزت من خلال مجموعة مواقف ومعلومات رُبطت بالنظام السوري، وأبرزها تغريدة للوزير السابق وئام وهاب قال فيها "مَن لا يحترم دماء الشهداء الذين سقطوا في سورية دفاعاً عن لبنان بمواجهة الإرهاب لن يصل الى اي موقع في لبنان"، وما نقله موقع "شفاف الشرق الأوسط" من ان الوزير السابق كريم بقرادوني حمل الى عون رسالة من الرئيس السوري بشار الاسد مفادها بان الأخير لن يقبل بتولي الحريري رئاسة الحكومة المقبلة حتى ليوم واحد، في حال تم انتخاب عون رئيساً للجمهورية اللبنانية. اضافة الى "تغريدة" من دمشق للإعلامي اللبناني سالم زهران القريب من النظام السوري و"حزب الله" قال فيها "المرور بجلسة انتخابية طريق إلزامي وللعماد عون فرصة جدية جداً للوصول الى بعبدا، اما الحريري فإذا كُلف لن يؤلف حكومته سواء بالترغيب او الترهيب".
وفي السياق نفسه، كشفت تقارير ان وزير المال اللبناني علي حسن خليل (المعاون السياسي لـ بري) أبلغ الى الحريري خلال لقائهما مساء الجمعة في باريس: "لا تريدون السلّة؟ فليكن، لنذهب اذاً وننتخب رئيساً ونترك رئاسة الحكومة والحكومة لما بعد الانتخاب"، وهو ما اعتُبر تراجعاً من رئيس البرلمان عن موقفه السابق "مع الحريري ظالماً او مظلوماً"، في إشارة الى ارتسام "ربْط نزاع" واضح بين رئاسة الحكومة و"السلّة" التي كان بري وصفها بأنها "مرشحي للرئاسة".
وتَرافق ما اعتبرته دوائر سياسية في بيروت ضغطاً على الحريري وعرقلةً لمسار وصول عون الى الرئاسة من خارج "التوقيت" الاقليمي الذي يريده "حزب الله" كما من خارج "دفتر الشروط" الإلزامي، مع معاتبةٍ قام بها بري للنائب وليد جنبلاط على خلفية إعلان الأخير انه مع انتخاب أيّ كان وبمعزل عن "السلال الفارغة" ولا قيد او شرط، وهو الموقف الذي تم التعاطي معه على انه يُضعِف الموقع التفاوضي لبري على "جبهة السلّة". واضطرّ جنبلاط الى تصويب كلامه والعودة الى "السلّة" كقاعدة للانتخابات الرئاسية من خلال تصريحات قال فيها "قد يكون جرى سوء فهم حول قضية السلة (...) وهي اساس للانطلاق ولا تُستكمل الا بانتخاب رئيس"، متمنياً في هذا المجال "وبكل محبة ألا تُستخدم ذريعة او متراساً لأيّ حساب سياسي".
ورغم أنّ هذا المعطى قد يؤخّر اندفاعة الحريري باتجاه إعلان دعم عون، الا ان أجواء غير بعيدة عن الأخير تشير الى انه ماضٍ في مساره نحو هذا الإعلان خلال أيام، وانه سيعود في الساعات المقبلة من باريس (وربما يكون عاد ليل امس) من أجل استكمال آخر حلقات تحركه لإتمام خياره في تبني ترشيح زعيم "التيار الحر"، وبينها تسويق هذا الخيار داخل بيته اي "تيار المستقبل" وكتلته النيابية التي سيتعين عليه ان يدفعها نحو هذا الخيار بما يشبه العملية القيصرية، واستكمال التفاهمات والتوافقات في اتجاه رافضي خيار عون ولا سيما بري والنائب سليمان فرنجية لان من غير الوارد مهما حصل ان ينزل عون وكتلته وحليفه "حزب الله" الى جلسة حسم انتخاب الرئيس ما دام فرنجية لن ينسحب من المعركة كما أكد وما لم تُستكمل التوافقات مع بري والنائب وليد جنبلاط لسببين: الاول رفض عون ان يبارز فرنجية في جلسة انتخابية، والثاني خشيته من مفاجأة تأتي بفرنجية رئيساً في ظل عدم اقفال التوافق المثبت بضمانات كل القوى لانتخابه.
وتبعاً لذلك لا يمكن الحديث الآن ولو وسط مهرجانات العونيين الصاخبة، عن أن عون صار الخيار المحسوم اذ يبقى الهامش الأخير الذي تتطلبه عملية استكمال الإخراج ولعلها أشدّ الحلقات خطورة لانها ستكشف ايضاً آخر بواطن الحقائق الداخلية والخارجية التي لعبت دوراً في هذا التطور الكبير والتي دفعت بخيار عون الى التقدم بقوة كبيرة. ومن هنا تكتسب إشارات التصويب على الحريري لإصابة خيار عون من حلفاء النظام السوري و"حزب الله"، اهمية بالغة، وسط ترقُّب لما بعد إعلان الحريري خياره اذ ستنتقل الكرة بالكامل الى ملعب عون وقوى "8 آذار" بكاملها وستبدأ بالانكشاف حقيقة المواقف من حلفاء زعيم "التيار الحر" إزاء تسهيل وصوله الى الرئاسة، في ظل استبعاد الحسم في جلسة 31 الجاري.
(الراي)
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك