ثار "غياب" رئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط عن ميدان التصريحات السياسية اللبنانية الداخلية في الأيام القليلة الماضية وانصرافه إلى التعليق على ما يجري في ميدان التحرير في القاهرة وإصداره سلسلة مواقف بشأن الأحداث الجارية في مصر، انتباه أوساط عدد من المتابعين الذين رأوا في "الغياب الجنبلاطي دليلاً ساطعًا على ألا جديد في الساحة اللبنانية منذ التغيير الذي أحدثه موقف جنبلاط نفسه في الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس الحكومة العتيدة، وبالتالي فإن شيئًا لا يستوجب راهنًا من جنبلاط أي دخول على خط المواقف الداخلية، خصوصًا وأن جنبلاط من أوائل الداعين إلى ترك الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي يعمل على تشكيلته الحكومية بدقّة وتأنٍّ وهدوء ودون أي ضغوطات، كي تأتي حكومةً متجانسة قادرة على العمل بعيدًا عن منطق التشفّي والنكايات".
وإزاء ذلك أوضحت مصادر متابعة لحراك رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" لـ "صدى البلد" أن "جنبلاط يعكف حاليًا على مراقبة ما يجري في المحيط العربي من تطورات أقل ما يقال فيها إنها تاريخية بامتياز وستحدد معالم المنطقة لعقود قادمة، ولذلك فإنه يفضّل حاليًا أن تستمر وتترسّخ حالة التهدئة الداخلية وأن يتم الالتفات إلى شؤون الناس المعيشية وهمومهم الحياتية التي لها الأولوية على كثير من الأمور، بموازاة الانصراف إلى معالجة الشؤون التنظيمية في "الحزب التقدمي الاشتراكي"، دون أن يغفل طبعًا عمّا يجري على الساحة الداخلية خاصةً لناحية ما جرى أمس في اللقاء الإسلامي الموسّع الذي انعقد في دار الفتوى والذي ورغم ما حمله في بيانه الختامي من مواقف قد لا تسّهل عمل الرئيس ميقاتي، إلا أنه خرج بمبادرة شكلية على الأقل، تمثّلت باللقاء الذي جمع في بيت الوسط الرئيس ميقاتي والوزير محمد الصفدي والنائب أحمد كرامي بالرئيس سعد الحريري".
وفي هذا المجال، أكدت المصادر المتابعة لحراك رئيس "جبهة النضال الوطني" أن "الأيام المقبلة ستشهد دون شك تفعيلاً لحركة ميقاتي في مسار تأليف الحكومة قد يُفضي إذا ما تذلّلت العقبات من أمامه إلى تأليف سريع للحكومة، بما ينقل البلاد إلى مرحلة جديدة على مستوى النقاش السياسي من الجدال العقيم حول ميثاقية التكليف أو التأليف إلى جدل آخر حول البيان الوزاري، لكنها نقلة طبيعية في سياق العملية الجارية لتأليف الحكومة، خصوصًا بعد أن أعاد لقاء دار الفتوى الحديث عن عناوين بشأن بعض المسائل كالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان وملف السلاح والحديث عن استعماله في الداخل والاستقواء به، رغم ما شكّله في مكان ما من غطاء سنّي كافٍ للرئيس ميقاتي".
وأضافت المصادر عينها في حديثها إلى "صدى البلد": "لا شك في أن عقبات كثيرة أمام تأليف الحكومة باتت في حكم المنتهية، خصوصًا بعد اللقاء الذي جمع الرئيس السوري بشار الأسد ورئيس تكتل "التغيير والإصلاح" النائب ميشال عون الذي كان لمطالبه إسهامًا أساسيًا في تأخير بتّ ميقاتي للصورة التي ستكون عليها حكومته، إضافة إلى مسألة أخرى تمّ حلّها مساء أمس على ما يبدو في الزيارة التي قام بها رئيس تيار "المردة" النائب سليمان فرنجية إلى ميقاتي، في حين إن العقبة التي تمثّلها المشاورات الجارية مع فريق 14آذار هي أيضًا بحكم المنتهية، رغم تفضيل جنبلاط الذهاب بالبحث معهم إلى نهاياته كي لا يقال بأن ميقاتي عمِل على استبعاد فريق لبناني من الحكومة، فيما ليس من مصلحة رئيس الجمهورية ميشال سليمان أن يوقّع على حكومة لا تضم تيار المستقبل وحلفائه إلا بعد تيقّنه بأن وسائل الحوار مع هذا الفريق للدخول في الحكومة قد استنفدت، هذا إضافة إلى أن من مصلحة ميقاتي رغم كل ما حصل إشراك كل الأطراف في الحكومة كي تأتي حكومة وحدة وطنية في هذا الزمن الصعب".
وإذ تذكّر المصادر المتابعة لحركة جنبلاط بما أدلى به الرئيس المكلّف منذ أيام قليلة إلى صحيفة "الحياة" بأن جنبلاط كان أول من اقترح إسمه لتأليف الحكومة بعد ما بلغته المساعي آنذاك من طرق مسدودة لإيصال الرئيس سعد الحريري ضمن توافق وطني عام، لفتت في هذا السياق إلى أنه وبناء على هذا التصريح "فمن الطبيعي جداً أن يكون جنبلاط من أوائل الحريصين على نجاح مهمة ميقاتي وتاليًا نجاح حكومته، كون جنبلاط نفسه معنيّ بإثبات صوابية خياره بالتصويت لميقاتي، وهو الأمر الذي يحتّم على جنبلاط ترك ميقاتي يعمل بحرية تامّة دون أي شروط من هنا وهناك عليه ودون أي تصريحات من شأنها أن تسهم في تعقيد مهمّته لا في تسهيلها".
وبشأن ما يقال عن أن "صمت" جنبلاط يعود إلى أنه تلقّى وعدًا بأن حصته الحكومية ستكون "وازنة"، ردّت المصادر نفسها بالقول إن "هذا الكلام لا يمتّ للواقع بصلة، إذ إن الحديث يدور حول نيل جنبلاط لحصة حكومية من ثلاثة وزراء في حكومة ثلاثينية أو أربعة في حال كانت حكومة من اثنين وثلاثين وزيراً، وكون خيار حكومة الاثنين والثلاثين لا يحبّذه ميقاتي، فإن حصة الوزراء الثلاثة لجنبلاط هي الاحتمال الأعلى، وهي تاليًا ليست بالأمر الجديد على جنبلاط الذي لطالما حصل على حصة من ثلاث وزراء في الحكومات السابقة، وهذا ما يسقط الحديث عن "حصة وازنة" أو ما شاكله، ويجعل أي تحليل في هذا المجال خارج سياقه الصحيح".
وإذ أوضحت المصادر أن صندوق الأسماء المقترحة من قبل جنبلاط للتوزير في حكومة ميقاتي الثانية "لم يُفتح بعد"، إلا أنها لفتت إلى أن شكل الحكومة العتيدة هو بالتحديد ما سيرفع من أسهم هذا الإسم أو ذاك ضمن فريق جنبلاط، مؤكدةً في الوقت عينه أن "إسم النائب علاء الدين ترو بات شبه محسوم ضمن أي تركيبة حكومية، وذلك رغبةً من جنبلاط بإظهار التقدير لموقف ترو في الاستشارات النيابية".
وإذ أكدت المصادر أن جنبلاط "مرتاح جدًا" لتعاطي حزبه على كافة المستويات مع مواقفه الأخيرة بفعل ما لمسه في الجمعية العمومية الأخيرة للحزب، أوردت في المقابل معلومات مفادها بأن "النائب نعمة طعمة طلب من جنبلاط إعفاءه من الموقع الوزاري لظروف شخصية"، فيما تبقى الأسماء الدرزية المحتملة لدخول الحكومة من حصة جنبلاط تتراوح بين الوزير شبه الثابت غازي العريضي خصوصًا إذا ما بقيت حقيبة الأشغال العامة والنقل في عهدة "جبهة النضال الوطني"، والوزير وائل أبوفاعور والسيد بهيج أبوحمزة، على أن يبقى القرار الأخير ـ وفق المصادر إيّاها ـ بشأن التوزير خاضع لمداولات اللحظة الأخيرة بين جنبلاط وميقاتي وفق ما يجدانه مناسبًا لمصلحة الحكومة بشكل خاصة وتحقيقاً للمصلحة الوطنية بشكل عام.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك