بعد أكثر من 15 عاما على إنجاز المصالحة المسيحية- الدرزية التاريخية في الجبل بجهود كبيرة لرئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط والبطريرك نصرالله صفير، إلى جانب الرئيس أمين الجميل والقوات اللبنانية، تلقت هذه المصالحة سهاما سياسية ، أطلقها رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل عندما تحدث من الجبل بالذات عن "العودة السياسية للمسيحيين" إلى هذه المنطقة، في موقف استفز الاشتراكيين كما عددا من القيمين على مصالحة آب 2001، الذين لا يفّوتون فرصة لتأكيد ثبات وحدة أبناء الجبل، بوصفها مدماكا في بناء استقرار الوطن، ونسيجه الاجتماعي.
وفي السياق، أعلن الرئيس أمين الجميل في حديث لـ "المركزية" أن "المصالحة التاريخية التي تحققت بمباركة أعلى السلطات الروحية وأهم الشخصيات السياسية لا يمكن أن تضرب، خصوصا أنها نابعة من وجدان أهل الجبل، وهي تصب في مصلحة الوطن ككل. وما دام الوضع في الجبل مستقرا، فإن الوضع على كل الأراضي اللبنانية مستقر أيضا لأن سلام الجبل، سلام كل الأراضي اللبنانية، تماما كما أن وفاق أهل الجبل هو الخطوة الأولى الأساسية للوفاق على الصعيد الوطني. لذلك، فإن كل الأقاويل عكس ذلك خارجة على المنطق والواقع والمصلحة. تبعا لذلك، نعتبر أن هذه المصالحة التي تمت منذ سنوات وتبلورت على أرض الواقع، وترسخت بين أهل الجبل ضمانة للكيان اللبناني ككل".
وعن توقيت إثارة هذه القضية التي تعتبر مسلمات لا يجوز المساس بها، اعتبر الجميل أن "عند البعض، "رخصت" القيم والثوابت والمواقف التاريخية. في كل الأحوال، نحن لا نستوعب خلفية هذا التشكيك (إذا وجد). غير أنني أريد وضع كل الأمور في الخانة الايجابية. فقد يكون الكلام الذي سمعناه أخيرا يهدف إلى ترسيخ المصالحة أكثر، ومعالجة بعض الشوائب الهامشية التي لا علاقة لها بالأساس".
على صعيد آخر، تطفئ التسوية الرئاسية التي عارضها حزب الكتائب بقوة بعد أيام شمعتها الأولى. وفي محاولة لتقويم عامها الأول، فضل الرئيس السابق للجمهورية "العودة إلى كلام أهل الحكم ضمن التركيبة التي نراها اليوم. ذلك أن الانتقادات "الذاتية" والملاحظات ومناكفات أهل الحكم في ما بينهم، والتي تسجل أحيانا بين أعضاء الحزب الواحد، تعفينا من أي تقويم. وإذا كان أهل البيت (الحاكم) مرتاحين في هذا المسار، فليتخذوا موقفا موحدا ويدافعوا عن هذا المشهد. ذلك أن لا يجوز القول إن الأمور على ما يرام، وإن كل القوانين تصدر بشكل طبيعي، فيما الجميع على علم بالانتقادات اللاذعة التي تتلقاها هذه المشاريع والقوانين. والأمر نفسه ينطبق على الوقائع لجهة حرمان الجيش من حقه في قطف ثمار معركته في الجرود، إلى ما هناك من فضائح تثار على لسان رئيس مجلس النواب، وبعض الوزراء والمعنيين، والمراجع المختصة. هذه كلها أمور تكفي ليكوّن الانسان فكرة عن مسار السياسة اللبنانية في المرحلة الراهنة".
وفي مقابل سير الجميع بالتسوية، يتفرد رئيس الكتائب بالتغريد في السرب المعارض. وفيما هو ماض في ما يسميه "معارك المواطن"، تكال له اتهامات بالشعبوية، وردا على هذه الصورة، لفت الرئيس الجميل إلى أن "إذا كان البعض يعتبر أن مواقف الشيخ سامي (الجميل) شعبوية، فهذا يعني أن قرار المجلس الدستوري شعبوي أيضا، وكذلك الأمر، إذا كان البعض يقول إن الكلام عن الفساد شعبوي، فإنه يقول إن كلام الرئيس بري الذي قال إن صفقة بواخر الكهرباء أتت لتعويم الجيوب، شعبوي أيضا. ولكن، إذا كانت الشعبوية تعني قول الحق، فنحن فخورون بذلك. وهنا، أذكر بكلام علي بن أبي طالب الذي قال يوما: "لا تستوحش طريق الحق من قلة السائرين فيه"، ونحن في ذلك على خطى علي بن أبي طالب".
وعن انعكاسات المواقف الكتائبية المعارضة على صناديق الاقتراع في الانتخابات، أشار إلى أن "هذا أمر يعود إلى الشعب اللبناني الذي يجب أن يختار بين السياسة الزبائنية التي تأتي ببعض المنافع والوظائف والصفقات، وبين منطق بناء دولة حديثة ومسؤولة وشفافة. فإذا كان الشعب متمسكا بالمنطق الزبائني ويؤمن غطاء لكل الهرطقات والصفقات التي تتم على حساب القانون والدستور والمصلحة العامة، فنحن لا نستطيع تغيير الشعب".
وإذا كان نائب المتن مقتنعا بصوابية خياره السياسي، متسلحا بأهداف عديدة سجلها في مرمى الحكومة، فإن هذا الموقف أحدث هوة كبيرة بين الصيفي ومعراب والسراي، بلغت حد اتهام الرئيس سعد الحريري للنائب الجميل بانعدام المسؤولية، بما يثير تساؤلات عن مستقبل العلاقات بين الحلفاء الثلاثة السابقين. غير أن الرئيس الجميل أوضح أن "الرئيس الحريري يسمع بأذن واحدة، بمعنى أنه يسمع فقط الشيخ سامي، ولا يسمع ما يقال في داخل أروقة حكومته، الذي يعتبر كلاما أقسى من ذاك الذي يقوله رئيس حزب الكتائب، والانتقادات التي تطلق، أكان في ما يتعلق بتجاوز السيادة ومخالفة الدستور، أو في ما يخص فرض ضرائب غير منطقية على الشعب، كلها تأتي من رفاق الرئيس الحريري (وربما من قلب تيار المستقبل)، ومن بعض ممثلي حلفائه. ما يعني أنه يجب أن يسمع الرئيس الحريري بأذنين، علما أن هناك معارضة واضحة في قلب فريقه السياسي. ثم إن من افترق عن خط 14 آذار وسار بتحالف بهذه الخطورة مع التيار المعاكس الذي نختلف معه في شتى المجالات، لا سيما في ما يخص السيادة والعلاقات الخارجية، هل هي الكتائب؟ أم أن الدكتور جعجع والرئيس الحريري هما من اختارا هذا الخط الذي يغطي كل الهرطقات على صعيد السيادة والدستور. فتجاوز السيادة واضح وضوح الشمس، وكذلك مصادرة فرحة الجيش بانتصاراته. هل سمعنا في مجلس الوزراء كلمة من حلفائنا السابقين الذين تغنوا طويلا بالسيادة والاستقلال، دفاعا عن الجيش؟ هل سمعنا كلمة للإعتراض على انتهاك الدستور في ملف قطع الحساب، بعدما كانوا يتحدثون عن الابراء المستحيل. يجب أن يكون الإنسان أعمى لكي لا يرى هذه التصرفات التي تتناقض مع أبسط قواعد المصلحة الوطنية".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك