بعد طول انتظار فرضته مماحكات ومماطلات سياسية، قال المجلس العدلي كلمته القضائية في قضية اغتيال الرئيس الشهيد بشير الجميل و23 من رفاقه بانفجار استهدف بيت الكتائب في الأشرفية، عصر الثلثاء 14 أيلول 1982. ذلك أن المجلس أصدر حكم الاعدام في حق مرتكب الجريمة حبيب الشرتوني، المنتمي إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي، ونبيل العلم، وهو مسؤول أمني في الحزب نفسه، بعد 35 عاما على واحدة من أكبر الجرائم التي هزت لبنان في تاريخه الحديث، ووضعت حدا لما عرف بـ"حلم جمهورية الـ10452 كيلومترا مربعا"، الذي جسده البشير بأفعاله وأقواله وجمع اللبنانيين حوله.
وإذا كان حزبا الكتائب والقوات عبرا، كما عائلة الشهيد، الفرحة بأن القضاء أنصف الجميل وإرثه الكبير، فإن الحكم اكتفى بالاشارة إلى أن المتهمين ينتميان إلى الحزب القومي، مستعيدا تاريخ الشرتوني مع الحزب، بما يطرح تساؤلات عن امكانات احتمال حله فعلا، في استعادة للتجربة القواتية غداة تفجير كنيسة سيدة النجاة عام 1994.
في المقابل، لا شيء يشي بأن الطرفين المعنيين بهذه القضية سيقفان مكتوفي الأيدي إزاء تطورات الملف. بدليل أن في موازاة دعوة الحكومة إلى استعادة الشرتوني لتنفيذ الحكم- بما من شأنه أن ينصف الرئيس الجميل فعلا، ويضع حدا لفكرة الافلات من العقاب، التي رافقت طويلا أكبر الجرائم في تاريخ لبنان- لم يتوان رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل ، في أحد تصاريحه الصحافية، عن مطالبة وزير الداخلية باتخاذ الاجراءات المناسبة في حق حزب حاضر في الحكومة ومجلس النواب، دانه القضاء (من خلال الحكم على اثنين من عناصره). غير أن هذا الموقف لا ينفي أن الكتائبيين والقواتيين لا يتوقعون من الحكومة أي مبادرة من هذا النوع، خصوصا أنها لم تعلن أي موقف رسمي من حكم مرتبط برئيس جمهورية سابق.
وفيما يتوقع كثيرون أن يطلق الكتائب والقوات نفير معركة تنفيذ الحكم في حق العلم والشرتوني، علق عضو الكتلة الكتائبية النائب ايلي ماروني عبر "المركزية" على التطورات الأخيرة، فاعتبر أن "القضاء قال كلمته. والآن، بات على الأجهزة الأمنية إلقاء القبض على القاتل حبيب الشرتوني، وسوقه إلى العدالة، وهو ما يحتاج متابعة لينفذ عمليا".
وأشار ماروني إلى أن الكلام عن أن الشرتوني في سوريا، لافتا إلى أن "إذا كان هذا الأمر صحيحا، أعتقد أن بعض من في السلطة، وبينهم مسؤولون كبار، يتعاونون مع النظام السوري. وهم تاليا، قادرون على تنفيذ اتفاق تبادل المجرمين الموقع بين البلدين، علما أن كان من المفترض أن نسمع كلمة من المسؤولين في السلطة، عن هذا الملف الذي يتعلق برئيس جمهورية، ومن الجميل اتخاذ المواقف السليمة عند الشدة. ونأمل في أن يكون هذا الحكم إنطلاقة لكل الملفات المحالة أمام المجلس العدلي".
وشدد على "أنني لا أتوقع شيئا من هذه الحكومة التي لم تصدر بيانا للتعليق على الحكم. تماما كما لا أتوقع من الحزب القومي الذي نظم تظاهرات تأييد للشرتوني، وهدد القضاء ولم يحترم العدالة التي كان المجلس العدلي يحاول إحقاقها، أي شيء".
وعما إذا كان حل الحزب القومي واردا، علما أنه مشارك في الحكومة وحاضر في مجلس النواب، أكد ماروني أن "أقل ما يمكن أن نطالب به هو حل هذا الحزب، خصوصا أنه تبنى مجرما قتل رئيسا للجمهورية. هذا إلى جانب الشق السياسي. ذلك أن الحزب لا يعترف بالكيان اللبناني، بل بسوريا الكبرى، ونحن لا نطالب إلا بتطبيق القانون في حق أهل الاجرام".
وغداة الحكم، وفي ظل الخلاف السياسي على خط الصيفي-معراب، تعرض مكتبا الكتائب والقوات في بلدة منيارة العكارية للحرق على يد أشخاص يحملون شارة الحزب القومي، في ما فسر على أنه رد فعل على القرار القضائي، طال الحزبين المعنيين برمزية البشير. وفي الموازاة، انتشرت قرب منزل رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي جان فهد، الذي تلا الحكم، لافتات كتب عليها "لكل خائن حبيب"، في إشارة إلى الشرتوني. وفي المقابل، ردت أوساط مسيحية على ما اعتبرته "استفزازا" بالقول إن "لكل حبيب فهد".
إلا أن ماروني اكتفى بالإشارة إلى "أننا نترك الأمر للقضاء، وكلما أساؤوا إلينا، يخدموننا لأنهم يقربون المسافات بين الأخوة، علما أن مؤشرات المشهد الحكومي تشير إلى بداية تفاهم حول الأمور المختلف عليها راهنا".
على الضفة القواتية، لا يبدو المشهد مختلفا. ذلك أن عضو كتلة القوات اللبنانية النائب فادي كرم اعتبر عبر "المركزية" أيضا "أننا شهدنا خطوة أولى على طريق استكمال العدالة، ومحاكمة جميع من لجأوا إلى هذا الاسلوب من الالغاء السياسي، ونيل شهدائنا حقهم، بعدما سقطوا الواحد تلو الآخر، عندما أراد المجرمون النيل من خطنا السياسي عن طريق الاغتيالات".
وفي ما يخص الفصل المقبل من المعركة، أكد كرم "أننا سنضغط في اتجاه تنفيذ حكم الاعدام في حق الشرتوني، مذكرا بأن وزير العدل سليم جريصاتي أعلن أن سيبذل كل ما في وسعه لجلب المجرم، علما أن الحكم صدر في حق أشخاص، فيما كنا نتمنى أن يكون صادرا في حق حزب سياسي تفاخر بهذه الجريمة السياسية، غير أننا نسلم بالقرار القضائي الذي صدر باسم الشعب اللبناني".
وعن حادثة منيارة التي استهدفت الكتائب والقوات، ودفعت إلى الكلام عن ردم الهوة السياسية بين الطرفين إنطلاقا من الايمان المشترك ببشير ونضاله، أشار كرم إلى "أننا نلتقي والكتائب على المصلحة الوطنية غير أن الاختلافات تطال الأمور التكتيكية. ونحن لا نتهم أحدا، علما أن الرسالة باتت واضحة من بعض التصرفات، ومفادها أن من لجأ إلى الاغتيال السياسي في حقبة سابقة لا يزال يعتقد أن بالسلاح يستطيع حل مشكلاته وفرض ما يريده على البلد، لكنني أدعو هؤلاء إلى إحياء ذاكرتهم الوطنية".
أمام هذه الصورة، يبقى الحزب القومي الصامت الأكبر، علما أنه يعيش تغييرات على مستوى القيادة. ذلك أن صدور الحكم في حق الشرتوني الذي جاهر بانتمائه إلى حزب "أنطون سعادة" تزامن وانتخاب النائب السابق أسعد حردان رئيسا للمجلس الاعلى، تمهيدا لانتخابه رئيسا في الرابع من الشهر المقبل، على وقع استقالة الوزير علي قانصو من منصبه، مع الاشارة إلى أن النظام الداخلي للحزب، والذي يسميه القوميون "دستور الحزب" يحظر على رئيس الحزب الجمع بين هذا المنصب، وأي مقعد وزاري. تبعا لذلك، تترقب الأوساط السياسية كيفية تعامل القيادة القومية الجديدة مع حكم المجلس العدلي، خصوصا أن الحزب نفى مسؤوليته عن المعتدين على مقري الكتائب والقوات في عكار.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك