من حق الرئيس الإيراني أن يقول ما يرغب في قوله، وأن يجرح كرامات الشعوب، والناس؛ وشأنه ذلك جزء من طرائق التفكير والتكفير، والنوازع، وغرائز وجينات المسؤولين في ذلك النظام الفاشي، الذي حلَّ نكبة نكباء على شعبه أولاً، وعلى العالم ثانياً. اعتدنا فَوحَ أمراضهم، ونرجسيّاتهم، وتعصّبهم، وجموحهم إلى جنون السلطة، والقتل، والغزو...
ها هو روحاني، وسيط إلهي جديد، على غرار مَن سبقه الولي الفقيه خامنئي، وأحمدي نجاد، وقبل القبل الخميني ينضم، من باب الواجب والعقيدة وطريقة الإحساس، والتفكير إلى كل هؤلاء المسؤولين في بلاد الفرس، ليدلي بنرجسيّته، وقلّة ذوقه، وعماه، واحتقاره للآخرين، بل ولمحاولة إلغائهم إنسانياً ووجودياً.
ليس جديداً إذاً أن يتفوّه هذا الوسيط الروحاني بمثل ما صرّح به مؤخراً «أياً من العراق وسوريا ولبنان وشمال أفريقيا ومنطقة الخليج (العربي)، لا يمكنها اتخاذ إجراء حاسم من دون إيران ورأيها»: أقوال باتت مأثورة ومن خصوصيّاتهم وتواقيعهم.
فالمسألة لا تخصّ لبنان فقط، بل عشرات الملايين من البشر، يقعون في تلك المساحات العربية وغير العربية. فهي تخصّ أولاً سيادة الرئيس بشار الأسد، الذي يتمتّع بنعمة بقائه في قصر المهاجرين، بفضل دعمهم له، وإنقاذ «جمهوريته» البائدة. فمن حقّ إيران أن تقول إن الأسد، لا يمكن أن يتّخذ قراراً حاسماً من دون موافقتها. فهو يدين لها ببقائه وحياته ورئاسته، وجرائمه، ومجازره، وتهجيره ملايين من سكان بلده...لم ولن يجرؤ «أسد» السيادة على الردّ. لأنّه بات من صنائعهم، وبات كفرانكشتاين بالنسبة «لخالقه». وصرّح الروس بمثل ما صرّح روحاني عن «إنقاذه»، فابتلع لسانه، وعينيه، ورأسه. إلى مثل هؤلاء يجب أن يتوجّه روحاني. أوَليس هذا ما كانت تظهره الوصاية السورية على لبنان من احتقار وتباهٍ، وافتخار؟
أما بالنسبة إلى العراق، فيمكن لروحاني أن يدبج مثل هذه المواقف، لكن ليس لكل الشعب العراقي، بل لعملائه هناك: وإيران وليّة نعمهم، وخيانتهم... خصوصاً تلك الميليشيات المذهبية التي فرضوها، تحت يافطات الدم، والانتقام، والحقد. فهؤلاء العراقيون، وبقوة عمالتهم، خانوا بلدهم الأم، وانحازوا إلى عدوّها.
إلى هؤلاء يجب أن يتوجّه روحاني.
] الحوثيون
وفي اليمن أيضاً، عنده «الحوثيون» من صناعة الفرس الحضارية، دمىً، وروبوتات مغشية، مقودة، تنفّذ خطط ولاية الفقيه التدميرية، والتخريبية، وتهديم الدول، والمؤسسات الديموقراطية. هم عملاء «رائعون» لها. ومن حق روحاني أن يُمنّن هؤلاء، بإلغاء وجودهم كبشر، وتحويلهم كائنات وآلات عمياء تحقق إرادات إيران العليّة. فلأنهّم «دونيّون» وكل عميل «دوني»، فمن شروط عمالتهم الخضوع، والانصياع.
إلى هؤلاء يجب أن يتوجّه روحاني.
أما في منطقة الخليج، فيبدو، وبشكل عمومي، أنّ في أيدي إيران أصفار نفوذ، أصفاراً جانبية، وكواليسية، هنا أو هناك، لكن، إذا شطحت بروحاني نوازعه، ومخيّلاته المريضة وهذياناتها الباتولوجية، فإنّ الواقع الساطع يكذّبه. فالسعودية وبلدان الخليج، هي، اليوم، رأس حربة المواجهة مع الفرس، والزرادشتيين بأقنعة المذهبية: فهل تنفّذ السعودية ما تأمره بها، يا فسوق الأرواح؟! وهل الكويت، والإمارات، والشارقة،... رهن إشارتكم. فإذا كان الأمر كذلك، فلماذا تزرعون خلاياكم الإرهابية، في الكويت والإمارات وتهاجمون السعودية، وتهدّدونها، وتؤبلسونها! إنّها بلدان عربية - إسلامية تنتمي أولاً وأخيراً إلى شعوبها، وتاريخها العربي، والإسلامي، وتدافع عن قيمها.
] باتولوجيا
وعندما حاولنا تفحّص استيهاماتك الباتولوجية (هل تتذكّر تصريحات أحمدي نجاد المماثلة؟) عال المهم أين صار هذا الرئيس الملهم الذي اعتبر نفسه من «أعراض المهدي المنتظر»؟
في ما يخص شمالي أفريقيا، ببلدانها الأساسية (الجزائر، وتونس والمغرب وليبيا) فقد راجعنا وقائع هذه الشعوب والسلطات، من ملوك ورؤساء، فلم نجد ما يفيد عن آثاركم وعن نفوذكم هناك. تماماً كما هي حال الخليج. ولا نظن أن تونس عندما سمحت بزواج امرأة مسلمة من رجل من غير دينها، طلبت إذناً منكم أو من سواكم. ولا نظنّ أن الثورة التونسية التي قامت على شعار «إسقاط الدكتاتورية»، جاهزة للخضوع لدكتاتوريات مذهبية تجسّدونها خير تجسيد. كما أننا لم نستشف (أو حتى نتكهّن)، أنّ المغرب بمليكه وشعبه، ينتظر إشارة منكم. ليؤلفوا حكومة توافقية، تضم من المعارضة ما تضمّ من الموالاة. خصوصاً أنكم يا روحاني، ألغيتم المعارضة بالقمع والقتل (مؤسّسو الجمهورية الإسلامية قبلك هم في السجن). فلا معارضة ولا موالاة في إيران: بل خضوع العبيد لجلاّدهم الأكبر.
أما عن لبنان، فرهانكم بدا خائباً حتى الآن، برغم اختراعكم حزباً ينتحل اسم الله (وهو إشراك في الإسلام) ودجّجتموه بالسلاح، وبعقيدة العمالة، والاغتيال، والقتل، وتدمير الدولة، والمؤسسات، ونصب كانتون عنصري؛ نعم! إنّه ربيبكم ويتحكّم. أعلن الخضوع التام لكم، والخنوع المطلق، والاتّباع الكلّي، وجاء متنكّراً بزيّ المقاومة التي «حرّر» بها الجنوب اللبناني من احتلال إسرائيل وسلّمكم إياه. هكذا قالها السيّد نصرالله وفاءً واعترافاً بالجميل لكم «أنا أؤمن إيماناً عميقاً مطلقاً بولاية الفقيه» أو ما هو أبسط «نعم، للذين يقولون إننا حزب إيران. نعم! إيران تمنحنا كلّ شيء: سلاحنا، وملابسنا، ومأكلنا ومشربنا، ومالنا وعقيدتنا»، لكن لم يقل السيّد حسن «مقابل ماذا كلّ هذه العطايا والنِعم!». الجواب مفهوم: «مقابل الدم الشيعي الطازج، لأنكّم تحبّون الدماء واللحوم الطازجة». وها هو يلبّي نداء «المرشد» الأعلى. وفتواه، «خذ رجالك واذهب إلى سوريا، لإنقاذ بشّار الأسد». لإنقاذه من شعبه طبعاً. ولبّيتم نداء «أن هجّروا السنّة والسوريين من بلادهم، لاستقامة التوازن الديموغرافي لمصلحة نظام الأسد، ودمّروا المنازل، واحرقوا المدن، واسفكوا الدماء، وتواطؤوا مع كلّ ما يرتكبه النظام هناك: من قصف بالكلور، والكيماوي، والبراميل المتفجّرة. اقتلوا ما تيسّر من أطفال، لكي تجثثوا نسل هؤلاء السوريين أعداء الماضي والحاضر والمستقبل». إنها الوصايا ذاتها التي أنزلها المرشد على عملائه الحوثيين، و«حزب الله»، و«الحشد الشعبي»، و«الحرس الثوري». لقد ربّت ونمّت إيران هذه البؤر في العراق واليمن وسوريا ولبنان، لتكون مستنقعاً يفوح بالأمراض والفتن المذهبية، والأوبئة، والكراهية.
] جنون العظَمَة
إنها مداخل غزوها، وجنون عظَمَتها. لكن ماذا عسانا نقول لها، إنها فشلت في سوريا. (طبعاً 90 بالمئة من السوريين يكرهون هذه الامبراطورية المزيّفة)، وكان عليها أن تستنجد بالروس «جابت الدب على كرمها»، فوضعتكم وراءها وها هي تحكم سوريا بمشاركة الأميركان، وبأطماع تركيا: تقولون انتصرتم في سوريا؟ أين: خمسة بلدان تحتلها: إسرائيل في الجولان، وتركيا 2000 كلم2 مربع، وروسيا بقواعدها، وهيمنتها العسكرية والجوية والبحرية، والولايات المتحدة... وأنتم تمسكون بعظمة من وليمة كبيرة تمتصّونها كما تقضمون أظافركم ندماً.
أما في لبنان، فادّعاؤكم سخيف وفادح وصبياني وتضليلي: سقطت مقاومتكم وممانعتكم مرّتين في الانتخابات، فهل أخذ المنتصرون إذناً من سليماني لكي ينتصروا؟ أكثر أصرّ حزبكم على تأييد الفراغ الرئاسي بذريعة التمسك بعون. لكن، واجهكم السياديون بما لم تنتظرونه «تأييد عون للرئاسة». أف! «مصيبة، نعم، نحن لا نريد عون، ولا فرنجية ولا أحداً: نريد الفراغ». ارتبك حزبكم، وهنا طلب مشورتكم وإذنكم: اللعبة انفضحت ونحن إمام «جدار مسدود»... ومشيتم في عون. وكان نصراً للجمهورية، والسيادة، والديموقراطية والدولة.
وقبل ذلك اندلعت ثورة الأرز بتظاهرة مليونية غير مسبوقة في لبنان، وأخرجت جيش الوصاية السورية (حليفكم) من لبنان. أترى طلبت الأحزاب السيادية اللبنانية إذناً منكم بالتظاهر، وساءلت «رأيكم»، و«رضاكم». طبعاً لا!
حاولتم استيعاب الجيش اللبناني، الذي حارب أولاً حليفكم وصنيعتكم شاكر العبسي في مخيم نهر البارد، وهزمه. وكان أول إشعاع لاستقلال إرادة الجيش فعلياً، بعدما صادره النظام السوري. وها هو الجيش اللبناني، يكمل استعداداته وجهوزيته بالعتاد والأعداد والأسلحة، ويخوض معركة الحدود الشمالية ضد حليفكم «داعش»، وينتصر عليه بمعارك خاطفة.. وهنا أمرتم حزب الله بتهريب «داعش» ببوسطات مكيّفة، لكي تستخدموهم في أشكال الإرهاب المقبل..
فهل طلب الجيش إذناً منكم، أو رأيكم، أو رضاكم؟ بات جيش لبنان، وليس جيش ميليشيا أو نظام خارجيين.
إذاً، كان عليك يا روحاني أن تتوجه إلى «حزب الله» بكلامك وليس إلى الشعب اللبناني. فكأنما تخلط بين الشعوب الحرّة، وبين ميليشياتك. بل كأنك تختزل شعوب المنطقة بميليشيات. «حزب الله» هو الذي يأتمر بكم، وليس الشعب اللبناني، وبشار الأسد يخضع لكم لا الشعب السوري، والحوثيون فضلاتكم لا الشعب اليمني، والحشد الشعبي في العراق من أنفاقكم، وليس الشعب العراقي.
هذا الخلط بين الشعوب، كأنّه تعبير عن انقلاب أقليات مسلّحة عليها، وهذا ليس بجديد عليكم: تحوّلت الثورة الإسلامية مع الخميني إلى انقلاب، على غرار الثورة الروسية مع لينين، والثورة الصينية مع ماو. وثورة كوبا مع كاسترو.
هؤلاء أسلافكم وسلالتكم: الأنظمة الشمولية، وجماعات الحزب الواحد، وأهل القمع، والاغتيال، والقتل.. بل أكثر: أسلافكم ذوو القربى هم «الاخوان المسلمون» الذين تأثر بهم الخميني تأثيراً كبيراً، وحول نظرية «القومية السنّية»، إلى القومية الشيعية.
فيا أحفاد هتلر وموسوليني والمغول والتتر والبرابرة، سقطت أقنعتكم أخيراً، وها هي الهزائم تنتظركم على كل مفترق وسهل ومنعطف!
لروحاني نقول كفاك صلفاً، فمصيرك لن يكون غداً أفضل من مصير أحمدي نجاد... أما لبنان، بأكثريّته المطلقة، فهو خط الدفاع الأوّل والأخير لمواجهة أطماعكم، وأهدافكم، وفصاحاتكم، وغلوّكم، وتخريبكم.
لبنان العربي أكبر منك يا روحاني!
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك