قبل شهر تقريباً، أجريت في إسرائيل مناورات عسكرية بالذخيرة الحية كان فيها العدو الأول «حزب الله». ولما انتهت المناورات، قال قائد المدرعات العميد نداف لوثان للضباط المشاركين: يجب أن تعلموا أن لقاءنا معكم اليوم سيكون الأخير... قبل اندلاع الحرب!
ومن المؤكد أن التوجيهات الأخيرة التي تلقتها رئاسة الأركان الإسرائيلية من السياسيين، كانت كلها تميل الى احتمال وقوع حرب مفاجئة. لهذا، طلب وزير الدفاع افيغدور ليبرمان من القيادة أن تكون دائماً مستعدة لنشوب حرب على جبهتين: الجولان ولبنان.
توقيت التحريض على مثل هذا العمل العسكري ناتج من عوامل مؤثرة عدة أهمها:
أولاً - الزيارة التي قام بها وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو لإسرائيل، في وقت يحاول الرئيس فلاديمير بوتين الظهور بمظهر الطرف المحايد في الصراع الدائر بين إيران والدول العربية.
ثانياً - حاجة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو الى عملية مدوية، تبعد منه تحقيق الشرطة حول صفقات مريبة. والدليل على ذلك تخوفه من تطور هذه المسألة، ودعوته الى اجتراح مشروع قانون يعفي رئيس الحكومة من تدخل القضاء خلال قيامه بالمهمة الرسمية.
ثالثاً - هزيمة الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمام تحديات كوريا الشمالية، وخلاف رجال إدارته حول إلغاء الاتفاق النووي الذي وقعه مع إيران سلفه الرئيس باراك أوباما.
رابعاً - الاتفاق بين السلطة الفلسطينية و «حماس»، الأمر الذي يؤدي مستقبلاً الى قيام حكومة فلسطينية موحدة تتوجه نحو الانتخابات. وهذا بالطبع سيفقد نتانياهو حجّة عدم وجود مفاوض فلسطيني كامل التمثيل عن الضفة الغربية وقطاع غزة.
الزيارة التي قام بها وزير الدفاع الروسي لإسرائيل أخذت أبعاداً سياسية مختلفة، إذ فسرها كل فريق وفق رؤيته لمستقبل المنطقة. وحقيقة الأمر أن الزيارة كانت بمثابة رسالة عملية من بوتين لإظهار مدى اهتمامه بأمن إسرائيل. وهو دور خطفه الرئيس الروسي من واشنطن التي تعتبر الدولة اليهودية كياناً تابعاً لنظامها. لذلك رأى دونالد ترامب في هذه السابقة خطوة جريئة تتخطى دور الولايات المتحدة. علماً أن موسكو طلبت من الوزير ليبرمان أن يتعامل مع نظيره الروسي على مستوى متحفظ. لهذا السبب رفض سيرغي شويغو مقابلة صحافيين محليين، بينما اكتفى الإعلاميون الذين رافقوه بتغطية شحيحة قدمها لهم نائبه الجنرال ألكسندر بومين.
وأكبر إثبات على تنسيق الدولتين في المجال الأمني ما ينفذه سلاح الجو الإسرائيلي فوق الأراضي السورية. وحدث قبل وصول وزير الدفاع الروسي الى تل أبيب أن تعرضت بطارية صواريخ سورية من طراز «اس. اس. 5» لهجوم من طائرات حربية إسرائيلية.
والوزير شويغو (62 سنة) يُعتبر أقدم وزير في الحكومة الروسية، كونه خدم في عهد بوريس يلتسن. واحتفظ بمنصبه في وزارة الطوارئ المدنية مدة تزيد على 18 سنة، الى أن تم تعيينه وزيراً للدفاع قبل خمس سنوات، ومن ثم نائباً لرئيس الوزراء.
وترى الصحف الأوروبية، عبر هذا التعاون الأمني، كوابح تخفف من وطأة الانتشار الإيراني فوق الأرض السورية. وقد تبيّن خلال الشهر الماضي أن المنافسة ازدادت بين شركات روسية وإيرانية تتزاحم على احتكار الشبكات الخليوية في سورية، إضافة الى الغاز والفوسفات. وفي هذا المجال، وقعت حكومة النظام السوري مع إيران اتفاقاً يقوم الإيرانيون بموجبه بترميم جميع المطارات ومحطات تكرير النفط.
وتنسحب الخلافات الروسية - الإيرانية على الجانب التنظيمي المتعلق بحماية الموالين لبشار الأسد. وحول هذا الموضوع، اعترض الروس على تشكيل فرقة إيرانية مؤلفة من ميليشيا يزيد عدد أفرادها على خمسة آلاف مجند. كما اعترضوا أيضاً على تنفيذ مشروع إيراني لبناء مصفاة في ميناء طرطوس.
ويرى المهتمون بتنظيف سورية من المقاتلين الأغراب مشكلة بالغة التعقيد. ذلك أن الأرقام تشير الى وجود عناصر أجنبية في كل فرقة تعمل في سورية. مثال ذلك أن الفرقتين الرابعة والخامسة تتشكلان من قوات أجنبية. والأولى خاصة بالحرس الرئاسي المشكّل من لواء إيراني يضم في قيادته ضباطاً من «الحرس الثوري». والأمر ذاته ينسحب على الوجود الروسي المكثف في سورية. فاللواء 61 مثلاً يضم مظليين روساً، وكذلك اللواء 74. وكانت موسكو هي التي أشرفت على تشكيل الفرقة الخامسة المدرعة التي تضم عناصر من «حزب الله» تحت اسم «سيف المهدي». وعندما زار وزير الدفاع شويغو سورية، حرص على منح وسام البطولة الأعلى لضابط سوري يقود القوات الخاصة لبشار الأسد.
واليوم، بعد نزوح جماعة «داعش»، تبيّن للروس أن إيران جندت عدداً كبيراً من الأفغان الذين يخيمون على حدودها منذ استولت «طالبان» على الحكم، ونقلتهم الى الجبهة السورية. وهذه الفرقة بدورها تشكل أزمة عصيّة، مثلها مثل أزمة المقاتلين الشيشان الذين تناقصت أعدادهم بسبب تخصصهم في العمليات الانتحارية.
في الوقت ذاته، دخل الرئيس الأميركي دونالد ترامب على خط الأزمات المتلاحقة ليهدد بإلغاء الاتفاق النووي مع إيران. وحجته أن وكالة الطاقة الذرية الدولية عاجزة عن بلوغ المنشآت العسكرية الإيرانية... وأن تطوير إيران صواريخ باليستية لا غاية منه غير حمل رؤوس نووية. ويبدو أن الغاية من إعادة النظر في المصادقة على الاتفاق إقناع الكونغرس بفرض عقوبات جديدة على طهران سبق أن أُلغيت عقب صدور الاتفاق. وبموجب القانون الأميركي، يتوجب على الرئيس مراجعة تطبيق الاتفاق كل تسعين يوماً، بهدف التأكد من أن إيران لا تنتهك الاتفاق النووي ولا تطور برنامجها العسكري الذري.
الرئيس الإيراني حسن روحاني أوحى في تعليقه على تصريح ترامب بأن بلاده ستستأنف برنامجها النووي، في حال تعرض الاتفاق للانتهاك. والثابت أن التجارب على أجهزة الطرد المركزي المتطورة ستسمح لبلاده بتخصيب اليورانيوم بسرعة، إذا انتهى مفعول الاتفاق. والنتيجة أن الصواريخ الباليستية ستكون جاهزة لحمل القنبلة الى مسافات بعيدة.
يقول دنيس روس، وكيل وزارة الخارجية الأميركية السابق، إن المجتمع الدولي لا يريد افتعال صدام مع إيران. وغالبية دول العالم تفضل الانتظار عشر سنوات قبل أن تقدم على أي خطوة مرتجلة قد تؤذي أربع عواصم عربية تسيطر عليها طهران، هي بغداد وبيروت ودمشق وصنعاء. ومن خلال الأحزاب والميليشيات التي تسيطر عليها إيران، توصلت الى تحقيق بعض طموحاتها في استكمال ممر يربط الخليج العربي بالبحر الأبيض المتوسط.
في تحذيره كوريا الشمالية، هددها دونالد ترامب بإزالتها من الوجود. ومثل هذا الموقف الاستعلائي أدى الى إضاعة الفرصة في مفاوضات 1994 مع بيونغيانغ. والمرجح أن إيران قد تصبح قوة نووية إذا أخلت واشنطن بالاتفاق.
في مداخلة إعلامية، صدر عن برلين وباريس ولندن بيان ينتقد موقف ترامب، ويتمسك بالاتفاق الموقع سنة 2015. ولكن هذا البيان لم يردع الرئيس الأميركي الذي وصف إيران بأنها دولة تمثل أكبر دعم للإرهاب في العالم. ولقد استفزت هذه الأوصاف المرشد الإيراني علي خامنئي الذي حذر الدول الست من التناغم مع العنجهية الأميركية. وزاد خامنئي من اتهاماته للرئيس ترامب بوصفه «الغشيم والكذوب والمتخلف عقلياً.» ثم أضاف: «على رغم ملامح البلاهة البادية على وجهه، يجب ألا ننكر مكر أميركا وخداعها. أنا أقول إن حرباً عسكرية لن تقع، ولكن هناك قضايا لا تقل أهمية عن الحرب. ذلك أن واشنطن تعادي الشعب الإيراني منذ الأيام الأولى لانتصار ثورته.»
في تعليقه على هذه المهاترات، قال الرئيس السابق باراك أوباما إن إقناع بلد بالتخلي عن سلاح نووي لا يملكه أسهل من إقناعه بعد حيازته. لذلك رميت بكل ثقلي وراء الاتفاق مع إيران التي لا تملك سلاحاً نووياً. وكل ما أخشاه هو أن يطالب خلفي بتنازلات جديدة، لا تستطيع إيران القبول بها، الأمر الذي يدفعها الى إنتاج هذا السلاح!
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك