رأى رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري ان "المطلوب هو تطوير القطاع الزراعي في لبنان لنقل الزراعة الى موقع متقدم يمكن من خلاله تطوير إنتاجنا الزراعي وتسهيل تسويقه في الخارج"، وقال: "ان الزراعة هي إحدى الركائز الأساسية في البلد، وعلينا ان نضع استراتيجية وطنية في وقت قريب لتحقيق نقلة نوعية في هذا القطاع الذي تستفيد منه شرائح كبيرة من اللبنانيين، وإذا نجحنا في ذلك فإننا نحد من التمدد السكاني باتجاه المدن ونعزز بقاء المواطنين في أرضهم". ولفت الى انه يؤيد "دعم القطاع الزراعي شرط ان يفيد هذا الدعم البلد والمزارعين".
كلام الرئيس الحريري جاء خلال رعايته عصر اليوم، في السراي الحكومي، ورشة عمل نظمتها وزارة الزراعة بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "الفاو" ومجموعة البنك الدولي WBG، تحت عنوان "التحول الزراعي في لبنان: التحديات والفرص"، استهله بالقول: "ان الزراعة هي إحدى الركائز الأساسية في البلد ويجب علينا تطويرها، ولكن المشكلة الحقيقية في البلد هي اننا تأخرنا في تطوير انفسنا باتجاه الزراعة الحديثة والمتطورة والموجهة، التي تمكن المزارع من تأمين الأسواق لزراعاته، ومنافسة الآخرين في الداخل والخارج. وأصعب ما نواجهه اليوم هو الوقت والصعوبة التي تواجه التغيير في البلد، فكل واحد يتمسك بأسلوب عمله. قطاع الزراعة تطور بشكل كبير جدا في العالم ونحن لا زلنا نعتمد الطرق القديمة. من هنا توافقنا مع وزيري الاقتصاد والزراعة على انه لا يمكن ان نستمر على ما نحن عليه اليوم في هذا الموضوع".
وأضاف: "ان الفكرة الأساسية من سيدر هي تطوير البنى التحتية التي انشئت عام 1992 ليستفيد منها حوالي المليوني نسمة، اما اليوم فقد أصبحنا حوالي الستة ملايين، وعندما نطور البنى التحتية والسدود والكهرباء، يجب علينا حكما تطوير سياستنا الزراعية للوصول الى اهدافنا المنشودة. اما ماكينزي فقد اقترح زراعات عدة للتركيز عليها، خاصة وان لبنان ينتج افضل انواع الفاكهة في العالم ولكنه لا يقوم بتصديرها لانه لم يتمكن لغاية اليوم من تطوير نفسه".
وتابع: "إن ورشة العمل هذه وكل الاجتماعات التي نعقدها، هي بهدف وضع اجندة واحدة تكون بمثابة خارطة طريق لنتقدم في مجال الزراعة واذا نجحنا بذلك فإننا نحد من التمدد السكاني الذي تشهده المدن ونعزز بقاء اللبنانيين في ارضهم لانهم سيدركون حينها ان مستقبلهم هو في هذه الارض وهذه المنطقة. من هنا علينا ان نقوم بأمور كثيرة بالملف الزراعي. انا اؤيد دعم الزراعة، ولكني مع الدعم الذي يفيد البلد والمزارع واهله، وهو يجب ان يكون دعما مركزا اكان في الزراعة او الصناعة او اي قطاع آخر، لاننا غالبا ما ندعم من دون الوصول الى النتائج المرجوة. في حين ان الدول الاخرى التي تدعم قطاع الزراعة بشكل مدروس تحصل على عائدات من هذا الدعم أضعاف ما تصرفه عليه".
وقال: "من هذا المنطلق، أعتقد ان مثل ورش العمل هذه وكل العمل الذي يقوم به الوزراء سيكون هو الأساس لبناء المرحلة الجديدة، والخطة هي أن نصل إلى قطاع زراعي مزدهر، وسنحل المشاكل المتعلقة بالدوائر العقارية وسنضع كل الخطط على الطاولة، بالاتفاق مع المزارعين والقطاع الزراعي في البلد، ونصل إلى استراتيجية وطنية في وقت قريب، نوقع عليها جميعا ونسير على أساسها، وإلا سنبقى ندور في الدوامة نفسها. ان التغيير هو السبيل الوحيد لتطوير الزراعة في البلد.ان غالبية منتجاتنا الزراعية غير قابلة للتصدير الى الخارج بسبب الإفراط باستعمال المزارعين للمبيدات".
وأضاف: "لا أحد في الحكومة يرفض اعطاء الدعم للزراعة، شرط ان يكون ذلك في الاتجاه الصحيح. نحن متمسكون بالاتفاقيات الدولية، لكننا في الوقت نفسه لسنا ضد فرض الرسم النوعي، خاصة بعدما رأينا أن هناك صناعات ومنتجات تتراجع بسبب التهريب أو الإغراق. من هنا سارعنا إلى حماية صناعتنا، والأمر نفسه سيحصل مع الزراعة".
وختم: "هذه الاجتماعات هي أساس لبناء المستقبل، وهذا ما نحاول أن نقوم به على صعيد كل الوزارات من أجل اجراء كل الإصلاحات البنيوية، لتسهيل حياة المواطنين والنهوض بالقطاع الزراعي والقطاعات الاخرى".
وقال وزير الزراعة حسن اللقيس: "اطلعت باهتمام على أبرز نتائج المداولات التي جرت اليوم، وأود أن أثني على المستوى الرفيع الذي اتسمت به المحاضرات والمداخلات، وقد بلغتنا النداءات والهموم التي عبر عنها المزارعون وممثلو القطاع الخاص".
وأضاف: "ما أريد تأكيده أننا سنكمل بالزخم نفسه لنعالج الأوجاع، التي تعبرون عنها دائما، حتى نتوصل إلى وضع الحلول العملية معا. سنعمد فورا إلى تسريع الإجراءات المتعلقة بتنظيم وضع المزارع اللبناني، ومن ضمنها سجل المزارع والضمان الاجتماعي وقانون المزارعة، بالتعاون الوثيق مع جميع المعنيين من القطاعين العام والخاص. أما في ما يخص مسألة إدارة الاراضي والتبادل التجاري، فسيكونان قيد المتابعة الجدية مع كل المعنيين، ونحن نستفيد من مشاركة معالي وزيري المالية والاقتصاد والتجارة معنا اليوم لتحديد سبل التدخل الفعالة وآليات المعالجة. كما سنستمر في الاجراءات العملية التي تصب في اطار حماية الانتاج الوطني واستمرار العمل على تحسين البنية التحتية الانتاجية والتسويقية، ومنها المتعلقة بجودة المنتجات وسلامتها وتنظيم اسواق الجملة والمواضيع الاساسية الاخرى، التي تم التطرق اليها خلال مناقشات اليوم. كما كان من المفيد للغاية، الاستماع إلى الخبرات وتجارب دول أخرى التي تم عرضها في هذا الاجتماع وسنستفيد منها في تطوير السياسات والبرامج الزراعية".
وتابع: "انطلاقا مما تقدم، وبالارتكاز على الادوار المتعددة للزراعة من اقتصادية واجتماعية وبيئية وسياحية وثقافية، فإن توجهاتنا المستقبلية ستبنى على المحاور الأربعة الآتية:
أولا: دعم تحسين القيمة المضافة للقطاع الزراعي والغذائي وزيادة القدرة التنافسية للمنتجات الزراعية والغذائية من أجل المساهمة في خلق فرص عمل للنساء والشباب وخفض فاتورة الاستيراد وزيادة الصادرات وتحسين دخل المزارع اللبناني، وذلك من خلال السعي إلى: فتح أسواق جديدة لتحسين الربحية على مستوى المزارع ودراسة الاستراتيجيات الهادفة إلى تعزيز الصادرات الزراعية في إطار الاتفاقيات التجارية، تحسين نظام إدارة الجودة للمنتجات الزراعية من خلال وضع التشريعات والمواصفات اللازمة، واعتماد معايير الجودة العالمية، تقديم الدعم اللازم للقطاع الخاص لبناء القدرات وتعزيز الارشاد".
ثانيا: تحسين كفاءة الخدمات المقدمة إلى المزارعين والقطاع الخاص من خلال تطوير الخدمات الزراعية بالاعتماد على التكنولوجيا الحديثة، تطوير نظم معلومات السوق، وضع آليات تمويل جديدة للتحفيز على الإبداع واعتماد التقنيات المبتكرة؛ تطوير البرامج الارشادية والبحثية والتحول نحو شراكات مع القطاع الخاص في نقل المعرفة والتكنولوجيا.
ثالثا: تعزيز الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية بما فيها المائية من خلال التدخلات الآتية: رفع كفاءة مياه الري وإنتاجيتها وترشيد استخدامها، الاستثمار في البنى التحتية الزراعية، تقديم الحوافز إلى قطاع الزراعة ليساهم في التنمية المناطقية والسياحة الزراعية.
رابعا: تخصيص الموارد المالية اللازمة لتطوير برامج دعم للقطاع الزراعي والعمل ضمن المجالات الآتية: توجيه الدعم لسلاسل الانتاج ذي قيمة مضافة، دعم أنشطة البحوث والتطوير التي لها تأثير مباشر في خفض تكاليف الإنتاج الزراعي عبر ترشيد استخدام المبيدات والأسمدة وغيرها من المدخلات الزراعية؛ تشجيع انضمام المزارعين الى التعاونيات: نسبة المزارعين الاعضاء في التعاونيات لا تتخطى ال5 في المئة".
وختم: "نتطلع وإياكم أن تشكل هذه التوجهات والمحاور أساسا لتطوير الاستراتيجية الجديدة لقطاع الزراعة في لبنان وتنفيذها. وأتوجه مجددا بالشكر إلى دولة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري على الاهتمام الذي يوليه للقطاع الزراعي، وما تشريفه بيننا اليوم ورعايته لهذا الحدث واستضافتنا في السراي الحكومي، الا تعبير عن الالتزام بالعمل معا من أجل تحول الزراعة في لبنان".
وتحدث وزير الاقتصاد منصور بطيش فقال: "لا يزال لبنان يتمتع بقدرات لتطوير إنتاجه الزراعي وزيادة التصدير، فحجم إنتاجنا الزراعي صغير، ويجب أن نعمل على زيادته".
ورأى أن "الحكومات السابقة لم تعط الاهتمام الكافي للقطاع الزراعي، لكن الحكومة الحالية، من خلال بيانها الوزاري وعملها مع وزيري المالية والزراعة، تظهر أن هناك اهتماما كبيرا بقطاعات الإنتاج"، وقال: "إن حجم الإستهلاك لدينا يفوق حجم الإنتاج وحجم الناتج المحلي. ولذا، علينا أن نعمل على زيادة الإنتاج، الذي ينطلق من القطاع الزراعي ويكمل في الصناعة والخدمات".
واعتبر أن "دراسة ماكينزي أصدرت توصيات بعدد من المنتجات، التي يمكن التركيز عليها بشكل اساسي"، لافتا إلى أنها "تزيد كمية الإنتاج ونوعيته وتحقق الاستيراد وتزيد التصدير".
وردا على سؤال عن تأثير اتفاقيات التبادل التجاري وانعكاسها السلبي على المنتجات اللبنانية، قال: "هناك ثلاث اتفاقيات دولية عقدت الى اليوم، منها اثنتان أساسيتان مع الإتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، ويمكننا البحث بإعادة النظر فيهما والاستفادة منهما".
وأشار إلى أن "هناك كلاما عن أن اتفاقية التيسير العربية أثرت سلبا على الصادرات، ولكن برأيي هناك أسباب أخرى أثرت على الصادرات الزراعية، ويجب أن نعالج كل هذه الأسباب"، وقال: "إن الاتفاقيات الزراعية ليست سببا لعدم زيادة التصدير، بل يجب تحسين نوعية الزراعات وتخفيف المبيدات، والتوجه نحو الزراعات العضوية".
وعن دعم القمح، قال الوزير بطيش: "لا ننتج في لبنان اكثر من 40 إلى 50 طنا من القمح، وهي نوعية لا تستعمل للخبز، ولم يكن الموسم هذا العام على قدر المرتجى. يمكننا أن نزيد المساحات المزروعة، فهناك حديث بتوجيه من رئيس الوزراء لتحسين نوعية الإنتاج كي لا يذهب الدعم باتجاه المساعدة. نريد للدعم ان يكون في سبيل تحسين النوعية. نحن ننفق اليوم نحو 8 ملايين دولار للدعم، وليس لتحسين الإنتاج، ونريد زيادة المساحات المزروعة للوصول الى انتاج 200 ألف طن، بدلا من 120 ألف طن، وهناك عمل كثير يجب القيام به".
من جهته، قال وزير المال علي حسن خليل: "في الحكومة، نجري نقاشا عميقا حول شكل الاقتصاد الذي نريده، فلا امكانية لتوسيع زراعاتنا كيفما كان. ولذلك، نحتاج الى التوجه لزراعات لديها افضلية في الأسواق وعلى مستوى الإحتياجات، فمساحتنا الزراعية صغيرة نسبيا مقارنة مع الدول المجاورة والعالم، لكن للزراعة في لبنان ميزات تكمن في الظروف المناخية. وإن التنوع القائم يسمح بالتحضير لزراعات لها القدرة على أن تنافس في المستقبل، وهذه النقطة طرحت في الإتفاقيات".
ورأى أن "المشكلة ليست في اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي أو مع اتفاقية التيسير العربية، فنحن كلبنانيين لم نحضر أنفسنا بما فيه الكفاية على المستويين الزراعي والصناعي للاستفادة من هذه الإتفاقيات"، وقال: "على الحكومة أن تؤمن دعما للزراعة يمكن ان يحدث فرقا على المستوى الإجتماعي ومستوى تركيبة السكان في المناطق، وتخفيف الضغط عن العاصمة والمدن الرئيسية، وبناء مجتمعات قادرة على الحياة في مناطقها".
وأضاف: "هذا الدور الاجتماعي والدور الإقتصادي الهدف منهما رفع مستوى مشاركة القطاع الزراعي في حجم الاقتصاد، وبالتالي في التصدير وتخفيف كلفة فاتورة الاستيراد واستنزافها للعملات الصعبة في البلد. نعم، هناك حاجة إلى سياسة دعم موجهة نحو قطاعات محددة قادرة على ايجاد سوق منافسة لها في المنطقة".
وتابع: "للبنان قدرة على التواصل لخلق هذه الأسواق، ولكن يجب أن يكون لدينا انتاج يسمح بالتسويق والتصدير في المستقبل".
وأردف: "ما يمكن تقديمه إلى مزارعي القمح هو تأصيل البذار وتغيير نوعية القمح لنصبح قادرين على الاستفادة منه في الصناعات والرغيف، وهذه مسألة يمكن ان تكون صعبة، لكنها ليست مستحيلة، ووزير الزراعة طرح هذه الفكرة في الجلسة الأخيرة، وأمنا الموارد المالية لمصلحة الأبحاث العلمية الزراعية من اجل أن تعمل على تطوير بذار القمح".
وعن تنظيم الأراضي الزراعية والمشاعات، قال: "هناك 25 في المئة من المساحة في لبنان مستغلة في الزراعة، وهذا الأمر لا يكفي، فهناك 15 بالمئة من الأراضي في لبنان تعاني من مشاكل توزع عقاري غير محسوم، يعقد بشكل كبير الدخول في زراعات نموذجية. ولذا، عملنا في الحكومة على قانون برنامج لإنجاز عملية المسح العقاري في كل لبنان، فلا يعقل أن يبقى هذا الأمر قائما على خرائط ووثائق تعود إلى عام 1910 أي منذ اكثر من قرن من الزمن، فلا تزال هناك مساحات كبيرة في لبنان لم تخضع لعمليات التحرير والمساحة. كما أن هناك مناطق زراعية في عكار والبقاع لم تعرف الضم والفرز بعد، أي توزيع الملكيات. لذا، يجب أن نضع حدا لا يتجاوز الثلاث سنوات لإنجاز هذا الأمر بالكامل، فالدوائر العقارية تعمل بشكل حثيث على إنجاز هذا الأمر. ولدينا اليوم اتفاق قرض مع البنك الدولي لمعالجة كل ما يتعلق بالشؤون العقارية".
أما مستشار رئيس الحكومة الدكتور نديم المنلا فأعلن أن "مؤتمر سيدر يخصص 17 مليار دولار، 5 منها للمياه والصرف الصحي، و5 للطرق والكهرباء والمجاري، والمستفيد الأول ضمن المياه والصرف الصحي هو الزراعة. كما أن هناك مليارا لشبكات المياه والري والسدود".
وتطرق إلى "دراسة ماكينزي، التي انطلقت من نموذج جديد في إدارة الاقتصاد الوطني، بمعنى أن زيادة الدخل ستتأتى من الزراعة والصناعة".
وكان قدم الجلسة الختامية أمين عام المجلس الوطني للبحوث العلمية الدكتور معين حمزة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك