تتكرر المأساة نفسها في كل عام، وكأن شيئاً لم يكن. أن تلتهم النيران جبال لبنان وما تبقى من مساحات خضراء ليس حادثاً عابراً تدمع له العيون فحسب، إنما هو واقع مخزٍ يُعرّي منظومة حكم ليس فيها مَن يُحاسِب ولا مَن يحاسَب. إندلاع حرائق تشرين، قد يكون بفعل القضاء والقدر وقد لا يكون. ولكن في الحالتين تكرار هذا المشهد المدمي وبشكل شبه منتظم في الوقت نفسه من كل عام لا يحمل سوى عنوان واحد: الإهمال والفشل! قدر اللبنانيين أن يتكرر هذا المشهد كل عام والسلطات والأجهزة شبه عاجزة عن إيقافه. فمن يتحرك لمعرفة ما حدث ولتدارك تداعياته ومسبباته قبل وقوع الواقعة؟ وأي وزير يستقيل أو أقلّه يضع استقالته بتصرف الرأي العام أمام هول وضخامة الكارثة حين تقع لأنه لم يستطع إيقاف تكرارها. لماذا لم تتحرك الطائرات المتخصصة لهذا الغرض بفعالية؟ ما الذي حال دون هذا الأمر؟ من المسؤول؟ أن تندلع نار، أمر يحدث في أي زمان ومكان، ولكن تكراره وتعاظم أضراره في كل مرة إنما يشي بمنظومة سلطة فاشلة لطالما امتهنت سياسة "الأرض المحروقة" في مختلف الملفات والقضايا الحيوية والمحورية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
في نظام الإهمال، ونظام تغييب المحاسبة، الأولويات في مكان آخر. الأولويات هي لأجندات الأحزاب وطموحات زعمائها، الأولويات لحصصها من السلطة، ليست لإطفاء الحرائق، وما أكثرها، وليست لتلافيها ومنع تكرارها كقدر محسوم. ليست لصنع السياسات الإنقاذية فكيف بالحري السياسات الوقائية لتلافي الحرائق والمآسي أو التعلم من أخطاء أو تقصير الماضي. يقول المثل: الحكم ترقّب... والحكم مسؤولية. فمن لم يترقّب إندلاع حرائق الأمس ووقف عاجزاً عن تمددها كيف له أن يترقب حريقاً من نوع آخر يكوي المواطنين بنيرانه الاقتصادية وشراراتها المستعرة في هشيم الدولة... من ركود وكساد وفساد وبطالة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك