قالها بالفم الملآن: «ألم يَحِن الوقت بعد لعودة سوريا إلى حضن الجامعة العربية؟...» وأردف وفي ذكرى /13/ تشرين، قائلاً: «أنا ذاهب إلى سوريا....» قالها وأردف، وفي مناسبتين منفصلتين، ما يعكس قراراً واضحاً وتوّجهاً أكيداً.
لربّما شاء معاليه، وعن حسن نيّة، معالجة أزمة تفاقمت، وباتت تُشكّل عبئاً على الكافّة من دون استثناء.
لربّما شاء معاليه، وعن حسن نيّة، استنباط الحلول، واجتراح المعجزات، رأفةً بالبلاد والعباد، لا أكثر ولا أقّل.
ولكن عُذراً معالي الوزير،
فقرار المطالبة بإعادة سوريا إلى الحضن العربي، وقرار الذهاب إليها، ليس قرار وزير خارجية، إنما هو قرار يعود للحكومة، والحكومة مجتمعة.
وقرار الذهاب إلى سوريا يجوز، إذا قررت معاليك زيارتها بصفتك الشخصية، أو كرئيس لتيار سياسي، إنما لا يجوز، إذا أردت زيارتها كوزيرٍ للخارجية، وكممثّلٍ للحكومة.
علماً، أنّ زيارة سوريا كوزير للخارجية، ممكن أن يترتّب عليها آثار وعقوبات، فمَن سيتحمّلها، أو يحتمّل عواقبها؟.
ونقول هذا، ليس انتقاصاً، إنما استناداً إلى نصوص الدستور وأحكامه.
فهل ما زلنا نذكر، أن لدينا دستور ومؤسسات وسلطات، يقتضي احترامها، وعدم تخّطي نصوصها !!.
نصّت المادة /17/ من دستور الطائف على ما حرفيّته:
«تُناط السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء...».
علماً أنّ هذه المادة كانت تنُّص وقبل تعديلها في الطائف، أنّ السلطة الإجرائية مُناطة برئيس الجمهورية بمعاونة وزراء... كذا... .
وتكوين السلطة الإجرائية يبدأ دستوراً، باستشارات نيابية مُلزمة يُجريها رئيس الجمهورية، يُسمّي على أثرها رئيساً لمجلس الوزراء، الذي يُجري بدوره استشارات نيابية غير مُلزمة، للتوصّل مع رئيس الجمهورية إلى اتفاق على تشكيلة حكومية، تصدر بمرسوم يوّقعه رئيس الدولة والرئيس المكّلف... كذا... كلّ ذلك سنداً لأحكام المادة /53/ من الدستور المعّدل، معطوفة على أحكام الفقرة الثانية من نص المادة /64/ منه.
وعلى الحكومة، وفور صدور مرسوم تشكيلها، وخلال مهلة شهر واحد، أن تتقدّم من مجلس النوّاب ببيانها الوزاري، لنَيل الثقة على أساسه (الفقرة الثانية من المادة /64/ دستور).
وماذا يعني البيان الوزاري؟
البيان الوزاري هو خطّة العمل لأي حكومة، يتّم تقديمها إلى المجلس النيابي لنَيل الثقة، فهذا البيان يُعبّر عن هوية الحكومة، ورؤيتها في كافة المواضيع... لاسيما الخلافية منها، لرسم الضوابط والخطوط العريضة.
ولطالما شكّلت العلاقة مع النظام السوري، خلافاً، أدّى إلى انقسام حاد بين مكوّنات المجتمع اللبناني الواحد.
والتسوية، والتي تمّ التوصّل إليها بهذا الشأن، إستقرّت على «ضرورة ابتعاد لبنان عن الصراعات الخارجية، ملتزمين احترام ميثاق جامعة الدول العربية.... كذا.....».
وبالتالي، ذهبت الحكومة في بيانها الوزاري باتجاه النأي بالنفس عن النزاعات المحيطة بها، بشكل ثابت وأكيد.
ولا أعتقد جازماً، أنّ الحكومة الحالية عدّلت في بيانها الوزاري، أو في مقاربتها للملف السوري.
كذلك، نصّت المادة /65/ من الدستور المعّدل، أنّ وضع السياسة العامة للدولة في جميع المجالات، هي من صلاحية مجلس الوزراء مُجتمعاً، وليس من صلاحية أي وزير، أو حتى رئيس حكومة منفرداً. (الفقرة الأولى من المادة /65/ دستور).
علماً، أنّ صلاحية الوزير المنفردة، منحصرة فقط بإدارة مصالح وزارته لا غير. (المادة /66/ من الدستور).
مما يُفيد، أنّ معالي الوزير، وفي حال انه قرر الزيارة بصفة شخصية، أو كرئيس لحزب سياسي، فلا إشكال. أما في حال قرر الزيارة، كوزير للخارجية، وممثّل للحكومة، يكون قد أطاح البيان الوزاري وما تضمّن (طالما لم يُعدّل) من جهة، ومن جهة أُخرى صادر مهام الحكومة (بقرار الزيارة)، ضارباً بعرض الحائط ما نصّت عليه المادة /65/ من الدستور.
والسؤال المطروح،
ماذا سيكون عندها موقف الحكومة من هذا الموضوع، وتحديداً ماذا سيكون موقف الرئيس الحريري؟.
في شهر آب من عام 2014 تسبّب انتقاد، وجّههه وزير الإقتصاد الفرنسي «أرنو مونتبور» لسياسة التقّشف (طالَ به المستشارة الإلمانية «أنغيلا ميركل») من دون العودة إلى حكومته، إلى إستقالة حكومة «مانويل فالس»، بتقديم رئيس الحكومة استقالة وزارته إلى الرئيس الفرنسي «فرنسوا هولاند»، حيث عاد الرئيس «هولاند» وكلّفه مُجدّداً بتشكيل فريق حكومي جديد مُنسَجم، يَلتَزم سياسة الحكومة ويُطبّقها.
هذا في فرنسا، فماذا عن لبنان ؟
فهل يُقدِم الرئيس الحريري على خطوة مشابهة، ويُقدّم استقالة حكومته؟ أم سيُشرّع هذه الزيارة، أم سيتغافلها، وسينأى بنفسه عنها؟
صحيح أنّ الأوضاع الاقتصادية الضاغطة تجعل من أمر الإستقالة متعذّراً.
لكن الصحيح أيضاً، أنّ الخروج عن البيان الوزاري، ومُصادرة دور الحكومة، يستوجبان اتخاذ ما يلزم من تدابير، حرصاً على الوفاق الوطني والوحدة الوطنية.
فهل ستستقيل الحكومة؟
سؤال، ستبقى الإجابة عنه، رهن الأيام الطالعة، والغد لناظره قريب.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك