بعيداً ذهب السجال والتراشق الكلامي في رمي كرة التقصير الرسمي في مواجهة موجة الحرائق التي اجتاحت لبنان، عن عمد او عن غير قصد، فالمستفيدون كثر والضامرون شرا بلبنان وبيئته أكثر، على ان الكلمة الفصل تبقى لنتائج التحقيقات، اذا بلغت خواتيمها التي غالبا لا تبلغها في حالات مماثلة فتلفلف و"توضّب" وفق السيناريو اللبناني المعهود، لتضيع في غياهب النسيان وتمحى من ذاكرة اللبنانيين المرهقة بكثرة المصائب التي تحلّ بهم بوتيرة شبه يومية. القصور الرسمي واقع يستحيل التبرؤ منه، وبمثل العجز عن اكتشاف اي خيوط في مسلسل الحرائق الدوري، يبدو تحديد الجهات المسؤولة عن الاستهتار المتمادي اقرب الى احجية تترجمها السجالات بين المعنيين في محاولة للتملص مما "اقترفت ايديهم".
مناسبة الحديث هنا هي طوافات سيكورسكي الثلاث الموضوعة خارج الخدمة منذ سنوات لعلّة عدم صيانتها وعوض ان تسهم في تحقيق حلم بعض اللبنانيين اصحاب النخوة ممن ارادوا ان يبقى لبنان "اخضر دايم"، تحولت الى مادة سجالية بامتياز، فيما كان لبنان يحترق وينتظر طوافة من قبرص واخرى من اليونان او الاردن علّها تفلح في الابقاء على ملامح "اخضر" بعدما بات متشحا بالسواد.
لكن ثمة حقيقة مثبتة بالارقام والوثائق لا يمكن لاي كان ان ينكرها او يشوّش عليها لاتهام هذا الطرف او ذاك بالتقصير واشاحة النظر عمن يتحمل مسؤولية عدم صيانة الطوافات الموضوعة على رف وزارة الدفاع، على أمل الا تتحول الى مجسّمات في المتحف الوطني، وقد كلّف شراؤها المتبرعين ما يناهز الـ14 مليون دولار اميركي، اضافة الى شيك بقيمة مليون دولار تبرعت به "اخضر دايم" لخزينة الجيش اللبناني وكلفة صيانة لنحو ثلاث سنوات.
بعيدا من الردود والردود المضادة ازاء فاعلية او عدم فاعلية الطوافات المشار اليها، وللاضاءة على ما تخلل فترة ما بعد انتهاء مبلغ المليون دولار الهبة، تورد "المركزية" بعض المراسلات التي جرت بين وزارتي الدفاع والمال متضمنة طلبات متكررة من الدفاع لتخصيص اعتمادات الصيانة من دون ان تلقى قبولا، ما دفع وزير الدفاع آنذاك سمير مقبل الى التوجه الى الامانة العامة لمجلس الوزراء ورفع الموضوع اليها والتحذير من ان الطوافات ستتوقف عن العمل نهائيا اذا لم تنجز اعمال صيانتها، وان كلفة هذه الصيانة تتضاعف مع تأخر الوقت، لكن "على من تقرأ مزاميرك يا داوود".
ومن ضمن المراسلات التي حصلت عليها "المركزية " واحدة مؤرخة في 18/6/ 2016 وجهها الوزير مقبل للامانة العامة تورد في متنها مراجعات متكررة لوزارة المال منذ العام 2014 جاء الجواب على بعضها اما بالتريث او بعدم توافر المال او انه لم يرد اليها اي جواب، وانتهت المراسلة الى ما حرفيته " نرفع الموضوع الى مقامكم للتفضل بالاطلاع والقرار مع العلم بأن هذه الطوافات ستتوقف عن العمل نهائيا وان موسم الصيف يمكن ان يشهد مزيدا من الحرائق ويكلف مصاريف اكبر من المطلوب لمساعفة هذه الطوافات بالاضافة الى تكبّد خسائر حرجية وبيئية واسعة."
ثلاثة مواسم صيف مرت منذ تلك المراسلة لم تصرف فيها الاعتمادات وترجمت التحذيرات واقعا مؤلما عاين اللبنانيون نسخة منه في اليومين الماضيين، والمعنيون غائبون عن السمع وعن "الضمير" ولا من يسأل عن "اخضر" ولا عن "دايم" فالاهتمامات والمصالح في "اسود" الصفقات "الدايم" التي اعمت القلوب والبصائر.
وفي ما يأتي ملخص عن الطلبات المتكررة التي وجهتها وزارة الدفاع منذ قبول هبة الطوافات حتى آخر مراسلة اجراها الوزير مقبل قبل ان يغادر الوزارة:
- المرسوم رقم 2355 تاريخ 20/6/2009: قبول هبة من جمعية اخضر دائم لصالح وزارة الدفاع وهي عبارة عن 3 طوافات سيكورسكي مع مجموعة قطع غيار للطوافات الثلاث.
- قرار مجلس الوزراء رقم 28 تاريخ 20/3/2013: الموافقة على نقل اعتماد 800 الف دولار لزوم صيانة ومساعفة طوافات سيكورسكي وبالفعل تم نقل الاعتماد الى موازنة وزارة الدفاع لعام 2013 بتاريخ 12/12/2013 ولكن مع الاسف لم يتم حجز الاعتماد بسبب انتهاء السنة المالية.
- وبتاريخ 27/6/2013 طلب وزارة الدفاع مجددا من وزارة المالية نقل اعتماد اضافي تكميلي بقيمة /1206000000/ل.ل الى موازنة وزارة الدفاع لعام 2013 وللغاية نفسها لكن كما في كل مرة قامت وزارة المالية بتأجيل الموضوع لحين تأمين المبلغ وذلك بتاريخ 6/7/2013
- وبتاريخ 5/4/2014 اعادة طلب وزارة الدفاع مجددا من وزارة المالية نقل اعتماد بقيمة /1206000000/ الى موازنة وزارة الدفاع لعام 2014 وللغاية نفسها
- بتاريخ 16/5/2014 قرار مجلس الوزراء رقم 20: الموافقة على نقل الاعتماد الى موازنة الوزارة لعام 2014
- مرسوم رقم 11796 تاريخ 22/5/2014: نقل الاعتماد الى موازنة عام 2014 ونفس الموضوع تكرر التريث.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك