وصلت انتفاضة الشعب اللبناني على فساد السلطة إلى منعطف خطير يفتح المشهد على عدة احتمالات بعضها قاتم، لاسيما ان أحزاب السلطة باتت في مأزق كبير وتتخبط للخروج منه دون اغفال ردات الفعل تجاه الشارع والتهديد بشارع مضاد. وبعدما طوى المعتصمون اليوم السادس من احتجاجهم، لا يزال المشهد على حاله. عزم وتصميم من المتظاهرين على مواصلة الاحتجاج حتى تحقيق المطالب في مقابل تعنت السلطة التي بادرت أمس إلى إغراء المحتجين بورقة إصلاحية «اعجازية» لم تقنع الجماهير في الساحات. وقال مراقبون لـ القبس إن السلطة تحاول القيام بسلسلة من الخطوات من أجل إخماد الانتفاضة يمكن تلخيصها في ما يلي:
أولاً: دعوة وزير التربية اكرم شهيب ورئيس الجامعة اللبنانية إلى فتح المدارس والجامعات لتخفيف زخم المشاركة في الاحتجاجات. وردا على ذلك دعا رئيس رابطة الاساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية يوسف ضاهر الأساتذة والطلاب إلى الاستمرار في التظاهرات وعدم الانصياع لمطلب رئيس الجامعة فؤاد أيوب، كما أعلنت رابطة طلاب الجامعة اللبنانية ان «شعارنا يجب أن يكون: كلّن يعني كلّن، ورئيس الجامعة اللبنانية واحد منهم». وفي مفارقة لافتة، توقفت مصادر سياسية عند قرار وزير التربية الاشتراكي، ولو انه اصدر بيانا توضيحيا لاحقا، في حين يدعو رئيس الحزب وليد جنبلاط الى التظاهر.
ثانياً: محاولة فتح الطرقات في المناطق، وكانت حصلت بعض الإشكالات في مناطق متفرقة بين المتظاهرين والقوى الأمنية التي حاولت فتح الطرق امس وسط إصرار المتظاهرين على اقفالها حتى ان عددا منهم افترش الأرض (عين الرمانة) مانعين بأجسادهم السيارات من المرور. كما توافد عدد من المحتجين أمام مصرف لبنان، اعتراضا على «الهندسة المالية للمصرف، والسياسات الاقتصادية الخاطئة».
ثالثاً: التلويح بنزول مؤيدي العهد (رئاسة الجمهورية) وأحزاب السلطة إلى الشارع. ومن الواضح ان احزاب السلطة لا تملك ترف القيام بما يسمى «ثورة مضادة» اذ ان جماهيرها بدأت تتسرب من قبضتها. كما ان هناك محاولات لترهيب المتظاهرين على غرار ما حصل مساء الاثنين في ساحة رياض الصلح، وأخيرا الاحتمال الأسوأ وهو لجوء قوى معينة الى استخدام العنف لفض التظاهرات.
رابعاً: الدعوة التي بدأ العديد من مؤيدي العهد يطلقها لحصر التظاهرات في تظاهرة مركزية واحدة في وسط بيروت، والهدف من ذلك هو السيطرة على هذه التظاهرة امنيا، وبالتالي فتح الطرقات وعودة الحياة الى طبيعتها مما يمهد لخروج الناس من الشارع. وفي هذا الاطار سأل النائب السابق نبيل نقولا (التيار الوطني الحر) «بماذا يساعد تسكير الطرقات، الانتفاضة؟»، لافتًا إلى «أنّه مع التظاهر في ساحة الشهداء أو ساحة رياض الصلح أو أي ساحة، لكن ضدّ تسكير الطرقات.. هذه «زعرانات» و«ميليشيات». أيّ حاجز يسقط عليه قتيل، وسيعيدنا إلى زمن الميليشيات. وأوضح نقولا أنّ «اليوم هناك سلطة وعهد الميليشيات وتسكير الطرقات انتهى» ورأى أنّ «الشارع فالت، وإذا لا توجد دولة فسننزل نحن أيضا إلى الطرق».
خامساً: تدجين الإعلام، وقد بدأ أمس بقرار مريب تم بموجبه إقالة مديرة الوكالة الوطنية للإعلام لور سليمان، التي كانت تبث كل أخبار التظاهرات وتوقفت بعد ابعاد سليمان. وجرى حديث عن اتصالات تجريها دوائر في القصر الرئاسي مع بعض وسائل الاعلام المرئية بهدف تخفيف تغطيتها المتواصلة للاحتجاجات والتظاهرات. اذا القوى الحاكمة تراهن على تعب المحتجين وانسحابهم تدريجيا. في الجهة المقابلة، اللبنانيون وضعوا سقفا عاليا لمطالبهم بعدما انطلقت تحت عناوين اجتماعية اقتصادية لتصل الى اسقاط النظام وتشكيل حكومة مستقلة، ناهيك عن مطلب تعجيزي هو استعادة الأموال المنهوبة. وامس نزل المواطنون الى الطرقات والساحات في كل المناطق من بيروت الى كسروان الى الشمال والبقاع وكذلك في الجنوب، مطالبين بإسقاط النظام، وتم استحداث نقاط جديدة نظراً لازدياد عدد المحتجين واستمر اقفال الطرقات، وكذلك أغلقت المدارس والجامعات أبوابها، كما المصارف، والمؤسسات العامة وبعض محطات البنزين لنفاذها من الفيول، بناءً للتطورات الأخيرة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك