كلّ ما نراه على أوتوستراد لبنان وشوارعه سينتهي في يومٍ ما كي يحلّ مكانه سيناريو آخر، لكنّها لحظة عصيانٍ شعبيّ تاريخيّ لم يشهد لها مثيل بالشكل والمضمون حتّى في العام ٢٠٠٥.
إلى الساعة، ما زالت الآلاف تملأ الساحات والطرقات تصاعدياً. حوّل الناس الأمطار من عائق للتظاهر إلى دافع للتصعيد حتى إشعار إسقاط الحكومة وإعلان رئيسها سعد الحريري الإستقالة.
11 يوماً والشارع لم يهدأ لحظةً واحدة، حتّى في ساعات الفجر من كلّ يوم. لم يعد من فرق بين الصباح والمساء لدى الحشود الغفيرة، أيّام إستثنائيّة قد لا تتكرّر في مناطق لبنان بعد ١٧ تشرين الأوّل ٢٠١٩.
خلف الكواليس السياسيّة في هذه الأثناء خوفٌ وارتباكٌ غير مسبوقين في تاريخ الطبقة السياسيّة في لبنان. بعد ١٧ تشرين، تكثّفت الإتصالات وتسارعت على مستوى الرئاسات الثلاث والخطوط الدبلوماسيّة وأُعلنت حالة إستنفار داخليّة في أكثر من حزب لمواكبة تطوّر حركة الشارع، حتّى أسقط شبه العصيان على الأوتوستراد والنزول المليونيّ إلى الساحات من شمال لبنان إلى جنوبه العودة إلى الوراء خطوةً واحدة، ولم تعد ورقة إصلاحيّة تُجدي نفعاً وثقةً.
ووفق أوساط مطلعة عن كثب، فإنّ "الساعات المقبلة ستشهد تطوّرات متسارعة مفصليّة على الصعيد الحكومي، ليس أقلّها طرح تعديل حكومي يشمل ١٠ وزراء، وليس أقصاها إستقالة الحكومة للعبور نحو مرحلة إنتقاليّة في إدارة الدولة وفق صيغة تشكّل صدمةً سياسيّة قادرة على إقناع الرأي العام المنتفض منذ ٨ أيّام بالمشاركة بها والإتجاه قدماً نحو الإنسحاب من الشارع لمباشرة رسم ملامح المرحلة المقبلة".
وما لا يعلمه المتظاهرون على الأرض أنّ الصدمة الشعبيّة التي نجحت خلال الـ٢٤ ساعة الأولى، في دقّ ناقوس الخطر في أروقة المرجعيّات الروحيّة المسيحيّة والمُسلمة وأحدثت ضجيجاً فكرياً وتوتّراً حيال "الهزّة" التي تستهدف الوضع الإقتصادي والمالي المتردّي، أصابت أيضاً تركيبة النظام اللبناني مُباشرةً، الأمر الذي سيظهر تدريجياً مع تقدّم الأيام، وهو ما يفسّر كلام رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون عن النظام.
وزراء ونواب في تكتّلات كبرى طلبوا التخلّي عن تعريفاتهم وألقابهم على وقع التصعيد الذي طال المنازل والمكاتب الحزبيّة في الليلتين الأولى والثانية للإنتفاضة، وقرّر البعض الآخر الغياب كلياً عن التغريد على "تويتر" والإدلاء بأيّ موقف سياسي حتّى يتّضح مسار تحرّكات الشارع ومصيرها.
إنّها لحظات تاريخيّة يصنعها اللبنانيّون بشراسة، الأرضيّة اليوم جاهزة لفرض تغيير جذريّ.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك