إقتنعت قوى سياسية عدّة بأنّ الأزمة الحالية لن تنتهي من دون «إعادة النظر في الواقع الحكوميّ»، سواء بتعديل وزاريّ أو بتأليف حكومة جديدة. وفي كلا الحالين، يفترض البعض أنّه لم يعد هناك مفرّ من خروج رئيس «التيّار الوطنيّ الحرّ» جبران باسيل من المعادلة الوزاريّة.. فأين يقف باسيل من هذا الطرح؟
بينما يُناقَش في الغرف المغلقة أكثر من سيناريو لحلّ سياسي ينهي الأزمة المستجدة ويقنع المتظاهرين بالخروج من الساحات، يبدو واضحاً انّ خيار التعديل الوزاريّ الذي يميل إليه البعض، يواجه صعوبات وتعقيدات جوهرية.
والمشكلة الأساسية في هذا الاقتراح تكمن في انّه يوحي انّ الوزراء المراد استبعادهم هم المسؤولون عن الأسباب التي أدّت الى الانفجار الشعبيّ، بحيث أنّ إخراجهم من الحكومة سيبدو نوعاً من العقاب لهم، في حين أنّ الحكومات المتعاقبة على امتداد نحو 30 سنة، والسياسات الاقتصادية والمالية المتراكمة، هي التي أوصلت الى انتفاضة 17 تشرين الأول، ولا يجوز اختزال المشكلة ببضعة وزراء وتحويلهم «كبش محرقة»، كما يعتبر المعترضون على التعديل الموضعي.
وإذا كان مصير باسيل يتحكم الى حدّ كبير باتجاهات النقاش، فقد نُقل عنه قوله لأحد المسؤولين في تياره: «أنا مستعدّ أن أضحي بدمي من أجل الرئيس عون و«التيّار» والقضية، فكيف بمقعد وزاري. بالتأكيد لست ممن يتوقفون عند حقيبة وزارية، لكن في المقابل، المطلوب الوصول الى نتيجة تُعادل التضحية..».
ويؤكد القريبون من باسيل أنّ البعض يدفع الى إخراجه من الحكومة بصفته متّهماً أو مداناً، لإلباسه ثوب الأزمة وتحميله المسؤولية عنها، «وهذا ما لا يمكن القبول به بتاتاً، وكلّ طرح من هذا القبيل هو تخبيص خارج الصحن»، ويشدّدون على أنّه من غير المسموح إضفاء طابع العقاب أو الاستهداف لرئيس «التيّار الحرّ»على أيّ تغيير حكومي، وبالتالي فإنّ مقاييس أيّ تغيير من هذا النوع يجب أن تكون موحّدة وغير استنسابية.
ويلفت هؤلاء الى أنّ من يظنّ أنّ بمقدوره استخدام مطلب التبديل الحكومي للانتقام من باسيل وتصفية الحسابات معه، إنّما هو مشتبه وواهم، لإنّ مغادرته موقعه الوزاريّ «لا يمكن أن تتمّ سوى في إطار التوافق على خيار سياسيّ جديد للتعامل مع المرحلة المقبلة، وفق معيار مشترك»، الأمر الذي يتضمّن تلميحاً الى أنّ خروج باسيل ليس ممكناً إلّا إذا استقالت الحكومة مجتمعة.
ويؤكّد المحيطون بباسيل أنّ «التيّار» هو الحليف الموضوعيّ للمتظاهرين ولمطالبهم المشروعة المتعلقة بمحاربة الفساد ومعاقبة الفاسدين واستعادة الأموال المنهوبة ومعالجة الوضع الاقتصاديّ الصعب، مشيرين إلى أنّ ما ينادون به يتماهى مع طروحات «التيّار» وأدبيّاته، «وحتى نقمة المتظاهرين على الطبقة السياسية يُشاركهم فيها «التيّار» الذي عانى كثيراً من تعنّت تلك الطبقة، وإصرارها على التمسّك بمصالحها الضيّقة في مواجهة المشاريع الإصلاحية التي قدّمها».
وتشير أوساط باسيل الى «أنّ «التيار»، ومع أنّه ليس شريكاً في عقود من السياسات الفاشلة التي أوصلت لبنان الى حافة الانهيار، لم يتهرّب من مسؤولياته وواجباته باعتباره موجوداً في السلطة ومعنياً بإيجاد الحلول، إلّا أنّ الذين صنعوا المأزق الحالي هم أنفسهم عطّلوا كثيراً من محاولات «التيّار» للمعالجة، وهؤلاء تجمعهم شبكة من المصالح والمنافع العابرة للانقسامات السياسية والطائفية.»
لكنّ إقرار أوساط باسيل بأحقيّة المطالب المرفوعة لا يلغي اقتناعها بأنّ هناك من دخل على خطّ العفويين من المحتجّين لتنفيذ أجندة سياسية واضحة، ترمي إلى تدفيع الرئيس ميشال عون ورئيس «التيّار» ثمن خياراتهما الاستراتيجية الصحيحة، خصوصاً بعد إعلان وزير الخارجية الصريح في خطاب الحدت في 13 تشرين الأوّل عزمه على زيارة سوريا قريباً بغية إيجاد حلّ لملفّ النازحين السوريين.
وتلفت أوساط باسيل إلى أنّه استشرف في خطاب الحدت ما حصل بعده بأيّام قليلة، إذ نبّه يومها إلى أنّ هذه «ليست فقط حرباً اقتصادية على لبنان، بل هي أيضاً حرب شعواء علينا. هذا اسمه 13 تشرين اقتصاديّ وخطورته أنّه نابع من بنية النظام وطالع من منظومة الفساد العميقة في الدولة».
ويؤكّد العارفون أنّ باسيل في صدد إجراء مراجعة للسلوك والخطاب اللذين اعتمدهما خلال المرحلة السابقة، «وهذا أمر طبيعيّ وصحّي عقب تجربة 17 تشرين، غير أنّ ذلك لا يعني التراجع عن خياراته الاستراتيجية السليمة التي استفزّت خصومه ممن تلطّوا خلف المطالب الشعبية المحقّة لمحاولة النيل منه والانقضاض عليه».
بهذا المعنى، فإنّ باسيل الذي يعتبر أنّ جميع القوى السياسية مُطالبة باستخراج الدروس مما حصل، يحرص في الوقت نفسه على عدم السماح باستفراده والتعامل معه بعد 17 تشرين كأنّه الخاسر الذي يمكن انتزاع التنازلات منه في لحظة ضعف.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك