لم يحْرف الأحد العاصِف في لبنان الأنظارَ عن السؤال المصيري الذي تتحوّل الإجابةُ عليه بدءاً من اليوم استحقاقاً لا مفرّ منه، وهو كيف ستُلاقي السلطةُ التي جاءت بجماهيرها أمس إلى القصر الجمهوري، مطالبَ الانتفاضة الشعبية التي نزلت ولليوم الـ 18 على التوالي إلى الساحات، في «أحد الوحدة»، وفي مقدّمها «كلن يعني كلن» وتشكيل حكومةٍ انتقالية من اختصاصيين، برنامج عملها تَدارُك الانهيار الاقتصادي - المالي والتحضير لانتخابات نيابية مبكّرة. كما دعت إلى إضراب عام اليوم.
فرغم الحشد الشعبي الكبير لمناصري «التيار الوطني الحر» برئاسة الوزير جبران باسيل (حزب الرئيس ميشال عون) الذي قَصَدَ قصر بعبدا ومحاوَلة عون إظهار أبوّته للشوارع «كلن يعني كلن» في كلمةٍ ألقاها بالجموع التي جاءت لمعاودة مبايعته مع مرور نصف ولايته الرئاسية (3 سنوات)، فإن خطابَ باسيل الذي انطوى في رأي خصومِه على إنكارِ أي مسؤوليةٍ عما آلت إليه الأوضاعُ، لم يشِ بأي مَخارِجَ لكسْر المأزق بعدما اقتصر على «مضبطة اتهامٍ» للآخَرين باستثناءٍ ضمني لـ«حزب الله» الذي يَتَسَبَّبُ أقلّه بعزلةِ لبنان عن المجتمعيْن العربي والدولي.
وثمة مَن يعتقد في بيروت، أن عمليةَ استنهاض الشارع الذي يقوده باسيل على النحو الذي حَدَثَ أمس على الطريق إلى القصر لن تقدّم أو تؤخّر في كسْر التوازن السلبي بعدما كان «حزب الله» حَسَمَ أساساً ومنذ اللحظةِ الأولى خطوطَه الحمر في وجه أي تعديلٍ في «قواعد اللعبة» بفعل الحِراك الذي انفجر في 17 أكتوبر، وما زال (الحزب) يُعانِدُ ومِن خلْفه «القصر» وشارعه أيّ تغيير، رغم الارتباك الذي نَجَمَ عن إسقاطِ الحكومة باستقالة رئيسها سعد الحريري.
وجاءت 3 إشارات سريعة للتأكيد أن مرحلة تكليف رئيس جديد للحكومة ثم تأليفها ما زالت دونها تعقيداتُ لا يُستهان بها، وأكثر تعبيراتها وضوحاً ربْط مساريْ التكليف والتأليف على نحوٍ بدأت تتصاعد الأصوات تباعاً حيال «عدم دستوريته»، وهذه الإشارات هي:
* مُعاجَلَةُ رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط خطاب باسيل وكلمة عون بتعليقٍ حاد قال فيه: «عدنا إلى المربّع الأول مع كلامٍ شعبوي فارغ يعود إلى 30 عاماً مضت»، وذلك بعدما كان غرّد منتقداً بشدة رئيسي الجمهورية و«التيار الحر» من دون تسميتهما: «في أوج الأزمة السياسية التي تواجه البلاد وتبعاتها الاقتصادية والاجتماعية وبعدما أسقط الحراك الشعبي غالبية الطبقة السياسية إن لم نقل كلها يأتي مَن يُسْقِط الدستور تحت شعار التأليف ثم التكليف من أجل مصالح الاستبداد لشخصٍ وتيار سياسي عبثي».
* تعليق عضو المكتب السياسي في «تيار المستقبل» النائب السابق مصطفى علوش على كلمة باسيل قائلاً: «بعد سماع كلام المتظاهرين في بعبدا، ومن بعدها كلام ولي العهد رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، إنّ الانطباع الوحيد الّذي بقي عندي هو: أن تكون في هذا التيار مرادف لقولك فالِج لا تعالج، وأنّ اسم باسيل مرادف للشعبويّة والتضليل»، داعياً الله أنّ «يحمي لبنان من الشرير».
* تأكيد عضو المجلس المركزي في «حزب الله» الشيخ نبيل قاووق أن «الحزب يريد حكومة موثوقة قوية تسمع صوت الناس وتعبّر عن مطالبهم، وهو يعمل ويدعو للإسراع في مسار التكليف والتأليف، وما يحصل من تأخير في التكليف، يؤشر إلى صعوبة العقبات في الطريق، فإذا كان التكليف قد تأخّر، فكيف يكون حال التأليف، وهذا ما كنا نحذّر منه سابقاً».
وفي رأي أوساط سياسية أنه رغم المشهدية التي عبّرت عنها صورة الحشود على طريق القصر الجمهوري وما شكّلته من «ردّ اعتبارٍ» للتيار الحر ورسْم خط دفاع بشري عن العهد وباسيل، فإنّ هذا المعطى سيدْخل على خط الاستقطابات الحادة بين أطراف السلطة التي تحاول تأمين «مرْكب نجاة» من المأزق الحالي عبر مقايضاتٍ ذات صلة بالحكومة الجديدة، من دون أن يؤثّر في مسار الشارع «الهادِر» ولا سيما أن الخيار «القابل للحياة» بالنسبة إلى السلطة والقائم على حكومة تكنو - سياسية لا يلقى قبولاً من المنْتفضين المتمسكين بحكومة حيادية من مستقلين.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك