بلغ الوضع الاقتصادي والمالي حدوداً غير مسبوقة من الدقة والهشاشة. الناس قلقة ومربكة وخائفة، تتهافت الى المصارف محاولة سحب أموالها، دون جدوى. القطاعات كلّها، من الاستشفاء الى الوقود الى الأفران الى الاتصالات وبطاقات التشريج، تنازع بسبب غياب الاعتمادات وفقدان الدولار، والهيئات الاقتصادية تلوّح باضراب وشيك يقفل ابواب المتاجر والمحال والمطاعم كلّها، لعدم قدرتها على تسديد رواتب موظّفيها.
رغم هذه المناخات "الكارثية" الضاغطة، يصرّ أكثر من محلل اقتصادي ومسؤول سياسي على التأكيد "ان الوضع صعب جدا، الا اننا لسنا لا على شفير الانهيار ولا على وشك الافلاس". في هذا الاطار "التطميني"، يصب تشديد رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان على "ان البلد غير مفلس، وبسبب التراكمات بدأ الوضع الاقتصادي بالتراجع"، مضيفا "القطاع المصرفي سليم الى حدّ كبير والضوابط المتخذة ضرورية ويتم اللجوء اليها في كل العالم لأن سحب الأموال بكثرة يؤدي الى أزمة والمشكلة السياسية تنعكس سلباً على ماليتنا واحتياطنا لذلك فتشكيل الحكومة يعيد الثقة بنسبة كبيرة". أما الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة، فقال في مداخلة تلفزيونية ان لا مؤشرات نقدية ومالية على انهيار الليرة اللبنانية. وأكد ان لا مخاوف على ودائع المودعين، ولا خوف من افلاس مصرفي.
واذا كان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون سيستضيف في قصر بعبدا بعد الظهر اجتماعا ماليا يضم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ورئيس جمعية المصارف سليم صفير، وأعضاء مجلس إدارة الجمعية، لعرض الواقع الراهن والسبل الكفيلة بمعالجته، فإن مصادر سياسية مراقبة تقول لـ"المركزية" ان هذه اللقاءات تهدف الى ايجاد حلول لأزمة الدولار من جهة ولمحاولة الخروج بصيغ تساعد في تسهيل أمور القطاعات الحيوية التي ترفع الصوت بفعل الشح في العملة الخضراء من جهة ثانية.
غير ان هذه الحلول ليست الا "مراهم" مؤقتة تصيب جزءا صغيرا من "مضاعفات" الازمة الاساسية وعوارضها، تضيف المصادر. أما المطلوب لوقف الفوضى الحاصلة، بشكل حقيقي وفعلي، فهو جراحة "سياسية" سريعة، لا "اقتصادية"، وعنينا هنا تشكيل حكومة جديدة. أما ما دون ذلك، فليس الا حقن بنج ومورفين.
وقد كان المدير الإقليمي للبنك الدولي، ساروج كومار جاه، واضحا في تحديده خارطة الطريق لوقف اندفاعة لبنان نحو "الهاوية"، بدعوته امس "السلطات اللبنانية للمسارعة الى تأليف حكومة جديدة "في غضون أسبوع"، محذّراً من مخاطر كبيرة تُواجه اقتصاد البلاد واستقرارها. وأشار، في حوار مع وكالة "أسوشيتد برس"، إلى أنّ الأخطار المتزايدة التي تُحدق باستقرار لبنان مالياً واقتصادياً "مُقلقة بشكل كبير".
وعليه، يصبح السؤال الذي يفرض نفسه "هل ستلقى هذه الدعوات آذانا صاغية لدى المسؤولين، فنشهد في اقرب فرصة، توجيه رئيس الجمهورية الدعوة الى الاستشارات النيابية لتكليف رئيس حكومة جديد؟ والأهم بعد ذلك، هل سيتمكن الأخير من تأليف مجلس الوزراء المنتظر في سرعة، لاطلاق ورشة الاصلاح ومحاربة الفساد لانقاذ البلاد من الاسوأ؟ أم ان "برج بابل" النقاشات والمشاورات في صيغة الحكومة وطبيعتها ورئيسها، ستستمر فيما البلاد ترقص على حافة المجهول؟ الوقت بات ضيقا جدا، تتابع المصادر، والساعات القليلة المقبلة مفصلية في تحديد مستقبل لبنان ومصيره. وأقصر السبل الى الحلّ: حكومة تكنوقراط تضم اختصاصيين مستقلين، يتفرغون لمعالجة الوضع الاقتصادي لا غير، فهل مَن يسمع؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك