لم يأخذ الصراع المتعاظم والمفتوح بين السلطة والثورة في لبنان «إجازة» في عيد المولد النبوي الشريف أمس... فالمحركات انطلقتْ على أشدّها في كواليس الائتلاف الحاكم بحْثاً عن «حكومة ما»، وفي ميادين الانتفاضة التي أطاحت بجلسة للبرلمان كان مقرَّراً انعقادها اليوم، وعلى المنابر التي استنفرتْ في محاولة للجْم الانهيار المالي - الاقتصادي بعد الهلع الذي ساد القطاع المصرفي عشية نهاية الأسبوع الماضي.
وشخصت الأنظار أمس على المساريْن المتوازييْن اللذين يحكمان المشهد الداخلي: الأول خط السلطة الغارقة في «شدّ حبال» على خلفية كيفية «حياكة» حكومةٍ جديدة بما يوفّق «بين مستحيليْن» هما إرضاء الشارع المستمرّ في انتفاضته تحت عنوان الدعوة لتشكيلة من اختصاصيين مستقلين تمهدّ لانتخابات مبكرة، وعدم الإطاحة بقواعد اللعبة السياسية التي ترتكز على توازنات ذات امتدادات إقليمية أخذت بُعداً أكثر رسوخاً بعد الانتخابات النيابية الأخيرة التي فاز بالأكثرية فيها تحالف «حزب الله» وفريق رئيس الجمهورية ميشال عون وحلفاؤهما. والخط الثاني «الثورة» التي بدأت تُراكِم الإنجازات وانتزاع «التراجعات» من الائتلاف الحاكم الذي باتت مختلف مكوّناته في موقع «الدفاع عن النفس»، من دون أن يعني ذلك أن السلطة «سلّمتْ» بمراجعةِ مجمل طريقة إدارة الحُكْم و«مفاتيحها» التي ترتبط بحسابات ما فوق محلية واستحقاقاتٍ ولو مؤجَّلة إلى حين.
وفي الجانب المتصل بالمأزق الحكومي الذي يدخل اليوم أسبوعه الثالث منذ استقالة الرئيس سعد الحريري، لم يتبدّل «ستاتيكو» المراوحة عند تَمسُّك الأخير بحكومة تكنوقراط تُلاقي مَطالب الشارع وتقصّر من عمر الأزمة وتفاعلاتها في موازاة إصرار «حزب الله» ورئيس البرلمان نبيه بري على حكومة تكنو - سياسية برئاسة الحريري، وبينهما يقف «التيار الوطني الحر» (حزب الرئيس عون) «منتظراً» بعدما رمى طرحاً اعتُبر مناورة ولم يحظَ بالقبول وقام على تشكيل حكومة من تكنوقراط تعيّنهم القوى السياسية.
وازدادت أمس مؤشرات تشي بقُرب نفاذ مهل افتراضية للتفاهم على حكومة برئاسة الحريري، من دون أن يكون ممكناً الجزم بالخطوة التالية لتحالف «حزب الله» - فريق عون في حال قرّر رئيس الحكومة المستقيل العزوف عن ترؤس تشكيلة من خارج دفتر شروطه، فإما يصار إلى تسمية شخصية لا تستفزّ المجتمع الدولي وتترأس حكومة تكنو - سياسية لن تلقى بأي حال رضى الشارع المستمر «على سلاحه» الاعتراضي، وإما تمديد وضعية «تعليق» البلاد على «لا تكليف ولا تأليف» بانتظار متغيّرات أو مبادراتٍ يمكن أن تُحْدِث خرقاً ما.
وفيما يصل اليوم إلى بيروت موفد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مدير دائرة شمال افريقيا والشرق الأوسط في وزارة الخارجية الفرنسية السفير كريستوف فارنو لبحث الواقع اللبناني ومآلاته، بدا أن الثورة الشعبية صارت أشبه بـ«رقم صعب» يكسب جولة تلو أخرى، وآخِرها دفْع رئيس البرلمان نبيه بري إلى إرجاء الجلسة التشريعية التي كانت مقررة اليوم وعلى جدول أعمالها مجموعة بنود رفع المنتفضون الصوت عالياً حيال بعضها ولا سيما اقتراح القانون المعجّل المكرر للعفو العام باعتبار أنه ينطوي على «أفخاخ» تتيح للفاسدين في السلطة الإفلات من العقاب على جرائم مالية وتهرُّب ضريبي وما شابه.
وكان لافتاً أن بري، المعروف بإطلالاته النادرة، تولى شخصياً إعلان إرجاء الجلسة حتى الثلاثاء المقبل وبجدول الأعمال نفسه بعدما كان الثوار هددوا بمحاصرة البرلمان لمنْع انعقادها، وهو أكد أن التأجيل حصل بفعل «الوضع الأمني المضطرب، ولأن من واجبي كرئيس لمجلس النواب التمسك بالأمن قبل أي شيء».
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك